طلاسم سورية: عفرين ودُمَّر



لم يكن ينقص المشهد السوري غير تظاهرة حاشدة لمؤيدي “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي (pyd) في منطقة دُمَّر الدمشقية، مساء يوم الجمعة الماضي، تظاهرة لم يُرفع فيها علم سوري واحد، بينما حمل المتظاهرون أعلام الحزب الكردي، وصور مؤسسه عبد الله أوجلان بدلًا عن رفع صور بشار الأسد.

اختيار النظام لمنطقة دُمَّر لم يكن عشوائيًا أو اعتباطيًا، حيث يقع هذا الحي الدمشقي تحت السيطرة الأمنية التامة للفرقة العسكرية الرابعة، ويمكن عزل الحي جغرافيًا عن دمشق خلال دقائق؛ في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وهذا أمر مُستبعد لأن متعهد هذه التظاهرة (المُقاول) هو علي الكيالي السوري أو معراج أورال التركي، والذي يشغل منصب قائد (المقاومة الشعبية) في لواء إسكندرون، تلك المقاومة التي دشنت أول أعمالها المقاوِمة في سورية، من خلال ارتكاب مجزرة من أبشع المجازر في قرية (البيضا) التابعة لمدينة بانياس السورية عام 2013.

قام علي كيالي، أو معراج أورال، بالتحضير للتظاهرة ورسم خط البداية والنهاية، وإعداد التفقد الاسمي للمشاركين، واختيار الشعارات والهتافات، واستعان بجنود من الفرقة الرابعة باللباس المدني، إضافة إلى مجموعة القتلة الذين يقودهم ويعملون تحت إدارته، كقتلة مأجورين أو كومبارس في المسرحيات التي يُكلَّف بإخراجها قائدهم المأجور، مثل تمثيل لواء إسكندرون في مسرحية سوتشي الشهيرة، ولولا أن إعلام النظام قام بالإعلان عن مكان التظاهرة المسرحية؛ لظن الكثيرون أن هذه التظاهرة في عفرين أو القامشلي أو في أحد المربعات التي يسيطر عليها حزب (pyd) الكردي.

المفارقة العجيبة هي قيام السلطة في دمشق بتنظيم هذه التظاهرة، في الوقت الذي ما زالت ترفض فيه التدخل لحماية عفرين في وجه التدخل التركي حتى يرضخ حزب (pyd)، حيث أشارت آخر أخبار المفاوضات الجارية بين الحزب الكردي والنظام في دمشق، بوساطة روسية، إلى أن النظام السوري يُصرّ على تسليم الحزب الكردي للأسلحة الفردية، ولَم يكتف النظام بأن يقوم الحزب بتسليم السلاح الثقيل ومستودعات الذخيرة فقط. ويرى مراقبون أن القرار الأخير في هذا الشأن، والذي يعود لقيادة الحزب في قنديل التي لم تقطع علاقاتها مع دمشق وطهران يومًا، سيكون لصالح عودة عفرين إلى السلطة السورية. ومن جانبها، لن تقف السلطات التركية عائقًا في وجه هذا القرار فهي مهتمة أساسًا بنزع أنياب هذا الحزب الذي تعتبره منظمة إرهابية من الطراز الأول.

مقابل التظاهرة المسرحية الداعمة لحزب (pyd) في دمشق، كان هناك مسرحية أخرى في مدينة الرقة التي تقبع تحت سيطرة ميليشيات الحزب المدعومة أميركيًا، ومن المعلوم خلو هذه المدينة من السكان عمومًا، ولا يوجد بين سكانها تواجد كردي يُذكر قبل العام 2011، حيث أظهرت مقاطع مصورة تجمعًا لعشرات الشبان والشابات السوريين “العرب” يُنددون بالتدخل التركي، ويُطالبون بالحرية لـ (القائد أوجلان)، ويرفعون أعلام حزب (pyd) الكردي، وفي إحدى اللقطات ظهرت فتاة “عربية” تُنادي بأوجلان، ليكون قائدًا للأمتين العربية والإسلامية، ربما بسبب جهلها بأن أوجلان مُلحد ولا يصلح أن يقود الأمة الإسلامية، وكردي تركي لا يصلح لقيادة الأمة العربية.

في حال عادت عفرين إلى سيطرة النظام، كما هو متوقع؛ فستكون كنزًا ثمينًا له بوصفها خزانًا بشريًا للجندية الإجبارية لم يُستهلك بعد، حيث ستسعى قوات النظام، كخطوة أولى بعد سيطرتها، إلى سوق الشباب من أبناء عفرين إلى الجبهات، سواء في الغوطة أو إدلب، وبذلك تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، فإضافة إلى الاستفادة منهم على الجبهات، سيكون النظام قد تخلّص من قوة شابة قد تُشكل له تهديدًا يومًا ما؛ إذ لن يبقى في عفرين، بعد سحب الفئة الشابة إلى الجندية، سوى النساء والكهول؛ ما يُسهّل سيطرة النظام على المدينة، في أيام قليلة، وربما ساعات، وسوف تتبلور الصورة النهائية للوضع في عفرين.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون