“كارثة” أبو الغيط.. الجامعة إذ تدافع عن أنظمتها



اتهم أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، خلال مشاركته في مؤتمر الأمن في ميونخ، يوم أمس الأحد، ثورات الربيع العربي التي انطلقت في عام 2011، بأنها “كارثة” وليست ثورات، بحسب تقارير إعلامية مختلفة.

أشارت التقارير أيضًا إلى أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ردّ، خلال الجلسة، على أبو الغيط قائلًا: “كنا نأمل لو أن نظام جامعتكم قوي بشكل كاف، لمنع زعيم نظام إحدى دولها الأعضاء من قتل نصف مليون إنسان من شعبه، واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضدهم”، في إشارة إلى نظام بشار الأسد.

من حق أي مواطن سوري منكوب أن يتساءل: أين تقبع الكارثة الأخلاقية الحقيقية التي أوصلته إلى أن يركب البحار متجهًا إلى الشمال، هربًا من نظامه العربي المُستنسخ عن بعضه، وهو يتذكر مقولة معمر القذافي لشعب ليبيا “من أنتم”، حين أكمل توصيف شعبه بـ “الجرذان”، ليتبعه بشار الأسد ويعتبرهم “جراثيم”.

أبو الغيط الذي أفرزته تلك الأنظمة العربية، حيث شغل سابقًا وزير خارجية مصر لحوالي 8 سنوات في حكومة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وانتهت مهمته بعد قيام الثورة المصرية وتنحي مبارك، ليصبح أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، كان قد قال في لقاء صحفي في تموز/ يوليو 2017: “ساهمنا في تدمير أوضاعنا العربية بأيدينا، وسمينا عمليات التدمير تلك بالربيع، وهو ليس بربيع، بل أقسى شتاء مر على العرب منذ ألف عام”، واتهم الشعوب بعمالتها للخارج قائلًا: “ألوم مَن وقع في شرَكٍ نصبه الأجنبي لنا”.

إن نكبة الشعوب العربية المستمرة مرّت من بين يدي جامعتهم، كونها إحدى نتاجات تلك الأنظمة، وساهمت منذ تأسيسها في منح غطاء سياسي لكافة هزائمنا السياسية والاجتماعية والفكرية والعسكرية والاقتصادية، وكرست ثقافة الهروب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين، بتثبيت فكرة المؤامرة في العقل السياسي العربي، وإن مراجعة بيانات لقاءات القمة لدول الجامعة، منذ تأسيسها حتى آخر اجتماع لها في 2017، سيكشف لنا مدى الهزائم التي تراكمت في هذه الأمة، والترهل الفكري والثقافي المرافق لها، إضافة إلى اكتشافنا حجم الفراغ السياسي على مستوى القادة، بعدم وجود رجال دولة حقيقيين.

أكد تقرير، صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في نهاية 2016، أن “2,8 مليون سوري يعانون من إعاقة جسدية دائمة بسبب القصف، وتعرض “30 ألف شخص سوري شهريًا لصدمة نفسية جراء الحرب”، وهناك نحو “2.9 مليون طفل سوري تحت سن الخامسة وعوا الحياة في ظل الحرب بالبلاد”، ويوجد “7 ملايين طفل فقير، ونحو مليون طفل حُرموا من التعليم، وخروج ثلث مدارس سورية عن الخدمة، وهناك 13.5 مليون إنسان بحاجة إلى المساعدات، 5.8 مليون منهم من الأطفال”، ويوجد تحت الحصار “مليون شخص”، وهناك “3.9 ملايين شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، بينما اضطر 6.3 ملايين شخص إلى ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سورية، وأضاف أن “نصف السوريين تركوا منازلهم ونزحوا داخليًا أو لجؤوا خارج البلاد”، فيما يعيش “85 بالمئة” من السكان ضمن خط الفقر، وهناك “4.3 ملايين شخص” يحتاجون إلى مأوى، هذا ولم يتحدث التقرير عن أعداد المعتقلين والمغيبين.

بعد نحو 3 أشهر من التقرير الأممي، انعقدت القمة العربية في آذار/ مارس بالعاصمة الأردنية عمان، ولم يخرج عنها أي قرار فاعل سوى المزيد من توصيف الأزمة، وطلب المعونة المالية من المجتمع الدولي للدول العربية التي تستضيف اللاجئين السوريين، دون أي استنفار عربي بسبب حجم الكارثة التي أبدتها الأرقام الأممية، أو العمل على حماية الشعب السوري من هذه الكارثة.

استهلك القادة العرب، خلال العقود الماضية، القضية الفلسطينية، وحاصروها حتى أنهكوها وأفرغوها من مكانتها التي تستحق، ثم عمدوا إلى تقزيمها وتحويلها إلى حالة رمزية، تنحصر في مدينة القدس وإمكانية الإشراف على المسجد الأقصى والصلاة فيه أيام الجمعة.

تشير تقارير لمنظمات ومراكز بحثية، إلى أن الحكومات العربية، تتزاحم فيما بينها في مؤشرات الشفافية والفساد، وتخرج من قوائم تصنيف سيادة القانون والحريات والصحافة والفكر، فتصبح دولة كسورية من أخطر دول العالم على الطفولة، وعلى حياة الصحفيين، لتكرر الأمم المتحدة القول بأن الكارثة الإنسانية في سورية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، لكن هذا لم يهز ضمير الحكومات العربية التي تمثلهم تلك الجامعة، ولو قيد شعرة.

من المرجح أن أبو الغيط يعتقد أن أمهات أبناء هذه الأمة لم تنجب سوى حكامها أو ورثة مقدراتها، وأن سقف مفكريها ومبدعيها هم موظفو جامعته التي كنا نأمل أن تكون جامعة لكفاءات تمتلك فكرًا تنمويًا منفتحًا، يعمل ليل نهار لينقل مؤسسات دولها من حالة استنزاف للمهارات المهاجرة أو المعتقلة أو المهمشة، إلى أطر فاعلة في أوطانها، تعيش في مناخ يحيطه القانون والحقوق والأمن وتكافؤ الفرص، لكن للأسف كانت “الكارثة” الكبرى التي صدق في توصيفها أبو الغيط، لكنه لم يوفق في تحديد موقعها.

إن سلبية جامعة العرب في التعاطي مع ما حدث في سورية، هي ما سيدونه التاريخ على أنه كارثة العرب، إنها كارثة أنظمة عفا عليها الزمن في منطقة لم تشهد دولها حتى الآن حكومات يمكن القول عنها إنها مستقلة، فلربما كشفت المأساة السورية أن هذه الدول، بغالبيتها العظمى، لم تنل استقلالها الحقيقي حتى اللحظة، فالاستقلال لا يعني وجود عَلم وبضعة جنود لحراسة أركان الأنظمة، يؤدون استعراضًا عسكريًا أمام المواطنين لترهيبهم، وهو أيضًا ليس مجرد مراسم وموسيقى ونشيد وشعار، فبناء الدول واستقلالها له مقومات واضحة، تستند إلى معايير تقود المواطن إلى الافتخار بهويته الوطنية لا الهروب منها بأطفاله راكبًا البحار لتتقاذفه الأمواج بين الحياة والموت، باحثًا عن شيء من كرامة.

نعم إن الربيع العربي أثبت، بالصوت والصورة التي ترافقت مع ثورة المعلوماتية، أن هذه الأمة تعيش كارثة سياسية وأخلاقية وتعليمية وبنيوية تصل إلى عمق الفكر، وتتطلب فهم ماهية الثورات المضادة التي تقودها الأنظمة العربية ومثيلاتها بالعالم، إذ حكمت بالإعدام على الشعوب، إن هي خرجت من عباءة الحاكم وورثته وميزان الفساد العالمي الحالي الذي لا ينتهي عند كارثة العرب بجامعتهم وحكوماتهم وممثليهم كأبو الغيط، بل يصل إلى مجلس الأمن الذي لا يختلف عن هذا الانحدار، بل يدلنا إلى أن العالم يغوص أكثر وأكثر في وحل الجريمة والإرهاب المنظم.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون