مساعدات تحت النار: هجمات متعمّدة على العاملين في المجال الطبي والإغاثي في سورية



لم تحمل السنة الجديدة الكثير للعاملين في المجال الطبي والإغاثي في سورية، فهم لا يزالون هدفًا متعمدًا للعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري مدعومًا بحلفائه. ويتّسم الهجوم المستمر في إدلب والغوطة الشرقية بأنّه أصبح استراتيجية شائعة للنظام السوري وحلفائه الروس، تتمثل في استهداف المستشفيات والمراكز الصحية. بلغت الهجمات على المرافق الصحية، بحلول كانون الأول/ ديسمبر الماضي، 449 هجومًا منذ بداية النزاع، وبحسب منظمة (أطباء بلا حدود) قُتل نحو 847 من العاملين في المجال الطبي، وتعود مسؤولية أغلب تلك الهجمات على النظام السوري وحلفائه.

لا يمكن اعتبار هذه الهجمات مجرد أضرار جانبية، ونتائج غير مرغوب فيها للعمليات العسكرية، لا تُدمر هذه المرافق الطبية نتيجة خطأ تصويب، بل تُستهدف بصورة مباشرة ومُتعمَّدة، لدورها المساعد في إنقاذ حياة الواقعين تحت نيران هذه المناطق. ووفقًا لتقارير منظمة (أطباء بلا حدود) فإنّ أغلبية عمليات القصف، التي طالت المستشفيات والمرافق الطبية، كانت متعمّدة، ووثِّقت نحو 79 هجمة، إما أنها أدّت إلى تدمير كلي أخرج المرافق عن الخدمة بصورة نهائية، أو أوقعت أضرارًا كبيرة جعلتها تتوقف بصورة مؤقتة عن العملٍ. ومما يؤكّد استهداف المرافق الصحية، تعرّضُ ما لا يقل عن 59 مرفقًا طبيًا واقعًا في مناطق معزولة، بعيدة عن التجمعات السكنية. نُفِّذت مئات الهجمات بأسلحة دقيقة، تستخدم لإصابة أهداف محددة، كالصواريخ التي تطلق من مضادات الطيران. وفي شهادة أدلى بها طبيب سوري لمنظمة العفو الدولية ذكر أنّ “المستشفيات ومصادر الماء والكهرباء كانت دائمًا الهدف الأول للهجمات؛ ما يؤكّد تعمّد النظام تعطيل الخدمات الأساسية التي من شأنها المحافظة على حياة الناس، وذلك ضمن استراتيجية عسكرية جديدة اعتمدها النظام السوري في حربه ضدّ الشعب”. وتأتي هذه الاستراتيجية في ضوء تدمير سبل العيش، والقضاء على أمل المدنيين الواقعين في مناطق سيطرة المتمردين كوسيلة ضغطٍ تجبرهم على الفرار من المنطقة أو الاستسلام.

ولمّا كان نشاط عمال الإغاثة يهدف إلى دعم المدنيين والمحتاجين؛ أصبح استهدافهم متعمدًا لما يُشكّلونه من عقبة أمام تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية للنظام السوري. في أيلول/ سبتمبر 2016، ثار الغضب الدولي بعد قصف قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، أدّى إلى مقتل ما يقارب 20 شخصًا من عمال الإغاثة والمتطوعين المدنيين. وخلُصت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق -حينئذ- إلى أنّ الهجوم كان “مخططًا بدقة” و “نُفِّذ بلا رحمة” من قبل نظام الأسد. وبصرف النظر عن هذه المعلومة المتوقعة، تعرَّض عمال الإغاثة لهجمات عديدة أخرى في السنوات الأخيرة. ووفقًا لتقرير منظمة (كير/ Care) غير الحكومية الدولية، فإنّ سورية كانت أكثر الدول فتكًا بالعاملين في مجال المساعدات الإنسانية في عام 2017، إذ وصل عدد الضحايا في سورية إلى 21 عاملًا، من أصل 80 قُتلوا في كل أنحاء العالم.

إنّ الاستهداف المتزايد لمن يعملون من أجل تخفيف معاناة المدنيين لا يقتصر على سورية فحسب، بل هو اتجاه عالمي آخذ في الازدياد بصورة مثيرة للقلق. شهدت أفغانستان وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، والعديد من البلدان الأخرى التي مزقتها الحروب، زيادة في الهجمات على العاملين في المجال الطبي والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية، في العقد الماضي. ففي عام 2000، سُجِّلت 41 هجمة ضخمة ضدّ العاملين في المجال الإنساني في جميع أنحاء العالم؛ وبحلول عام 2014، ارتفع العدد ليصل إلى 190 هجمة. ويؤدي هذا التدهور التدريجي في الحماية الممنوحة عمومًا للعاملين في مجال الصحة والمساعدات الإنسانية إلى عواقب وخيمة، تنعكس سلبًا على السكان المدنيين المتأثرين بالنزاعات المسلحة وعلى سياق تطوير قواعد القانون الدولي التي من شأنها حماية المدنيين أيضًا.

إنّ الاعتداء المتعمد على العاملين في المجال الطبي والإغاثي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي ويُعدّ بمنزلة جرائم حرب. إنّ الموظفين الطبيين العسكريين هم فئة محمية بموجب اتفاقية جنيف الأولى والثانية والرابعة، كما وسَّعت البروتوكولات الإضافية الأولى والثانية هذه الحماية، لتشمل الموظفين الطبيين والمتطوعين المدنيين في جميع الظروف. إنّ وجوب الحماية القانونية للعاملين في المجال الإنساني هو نتيجة طبيعية لا تقلّ أهميةً عن القوانين التي تحظر أفعال التجويع والحصار، فضلًا عن مبدأ وجوب إسعاف الجرحى ورعاية المرضى في النزاعات المسلحة. وفي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُعدّ “توجيه الهجمات عن عمد ضدّ أفراد أو منشآت أو وحدات أو مركبات تشارك في بعثة للمساعدات الإنسانية”، وكذلك ضدّ “المستشفيات والأماكن التي يتلقى فيها الجرحى والمرضى المساعدة”، جرائم حرب، في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حدٍّ سواء.

وتشكّل هذه القواعد ركنًا أساسيًا من أركان القانون الدولي الإنساني، حيث تصبح المساعدات الصحية والإنسانية في مناطق الحرب شبه مستحيلة، إذا ما تمّ استهداف الأطباء وعمال الإغاثة عمدًا. إنّ وحشية الحرب التي حاول القانون الدولي التخفيف من حدّتها، ستستمر في الازدياد في المستقبل، إذا ما حُرِم المدنيون الذين يتحملون بالفعل وطأة العنف، من الحصول على الرعاية الصحية والإغاثية اللازمة. ويعود هذا التآكل الخطير للمعايير الدولية إلى الإفلات من العقاب على نطاق واسع، وعجز المجتمع الدولي عن مساءلة المسؤولين عن هذه الممارسات. إنّ سورية، للأسف، مثال حي يشرح أسباب تراجع القوانين وتفاقم الحالة الوحشية في العالم.

اسم المقالة الأصلي Aid Under Fire: deliberate attacks on medical personnel and aid workers in Syria الكاتب                        لورينزو باريلّا / Lorenzo Barella المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين ترجمة وحدة الترجمة والتعريب


لورينزو باريلا


المصدر
جيرون