نظام الأسد و”الإدارة الذاتية”.. حدود التفاهم والسيطرة في القامشلي



تناقلت وسائل إعلام محلية خبرًا عن زيارة “وفدٍ حكومي” من حكومة النظام، إلى مدينة القامشلي، أمس الأحد، وإن لم تكن هذه الزيارة الأولى لمسؤولي النظام للمدينة؛ فإن تشكيلة الوفد وتوقيت الزيارة قد يفتحان بابًا واسعًا لأسئلة حول مستجدات العلاقة، بين نظام الأسد وميليشيات “قوات سورية الديمقراطية”، وما يسمى “الإدارة الذاتية”.

تألف الوفد، بحسب مصادر إعلامية، من وزراء الصحة، التربية، الزراعة، بينما ترأس الوفد عضو القيادة القطرية لحزب البعث ياسر الشوفي، وقيل إن “الهدف من الزيارة الاطلاع على الوضع الخدمي، وتفقد عدد من المشافي والمدارس والمؤسسات، إضافة إلى عقد عدد من الاجتماعات مع فعاليات الجزيرة السورية”.

ليست هذه أول زيارة لمسؤولي النظام إلى المنطقة، فهي تأتي ضمن سلسلة زيارات دورية لمسؤولين وأمنيين من النظام منذ عام 2012، حين حاول الأخير إيهام الجميع أنه انسحب من المناطق الشمالية الشرقية، وسيطر عليها مقاتلو ميليشيات “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الذي شكل لاحقًا ما عرف بميليشيات “قوات سورية الديمقراطية”.

حينما أقدم النظام على تسليم مناطق واسعة في الحسكة والقامشلي وعفرين لهذا الحزب؛ لم ينسحب بشكل كامل من المنطقة، بل احتفظ بمركز مدينة الحسكة، وما زالت قواته هناك حتى اليوم، كما احتفظ بمطار القامشلي والمربع الأمني وسط المدينة، وما تزال صور حافظ وبشار الأسد تملأ شوارع المدينة، كما أنه يحتفظ بالفوج 154 قوات خاصة، على مدخل القامشلي الجنوبي، وينتشر ضمن عشرات القرى جنوب المدينة حتى مسافة تصل إلى 20 كم.

الناشط الإعلامي حارث بليبل أكد لـ (جيرون) أن النظام السوري: “ما زال يدير عدة مؤسسات وقطاعات خدمية في القامشلي، حيث يقوم بتعيين الموظفين حتى في حقول رميلان، ويصرف الرواتب للمعلمين وموظفي مؤسسات الدولة التي ما زال معظمها يعمل بشكل طبيعي، مثل مؤسسة الكهرباء، ومديرية المنطقة، والسجل المدني، والأفران الآلية، كما أن النظام ما زال يدفع الرواتب لعدة آلاف من موظفي القطاع العام، وخاصة المعلمين، والعاملين في المؤسسات الزراعية، حتى في مناطق سيطرة ميليشيات (قسد)”.

وأوضح أن “الزيارة التي جرت أمس لوفد النظام ليست مستغربة، ولكنها تثير مزيدًا من التساؤلات عن طبيعة العلاقة بين حكومة النظام، وميليشيات (قسد)، وعن حقيقة أو وهم ما بات يُعرف بـ (الإدارة الذاتية) أو (فيدرالية الشمال السوري) المزعومة”.

ينشط النظام بشكل واضح في المدينة، وبخاصة من خلال النقابات والاتحادات، مثل نقابة المعلمين والعمال واتحاد الشبيبة، إضافة إلى نشاط واسع لشعبتي القامشلي وريفها لحزب البعث، وذلك يبرر ترؤس عضو القيادة القطرية للبعث الحاكم للوفد، رغم أن خطابات حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي و”إدارته الذاتية” المزعومة تهاجم البعثيين بشكل دائم، وتتهم البعث بأنه حزب شوفيني هضم حقوق الشعب الكردي، بينما لا يبتعد حاجز ميليشيات (قسد) سوى عشرات الأمتار عن مقارّ حزب البعث.

علمت (جيرون)، من مصدرٍ خاص في ريف القامشلي، أن النظام السوري ما زال يقوم بحملات اعتقال وتفتيش عبر دوريات الأمن العسكري والمخابرات الجوية، واعتقلت حواجزه مؤخرًا عشرات الشبان من أبناء المنطقة وساقتهم للتجنيد الإجباري، كما يعمل على تجنيد مئات من أبناء المنطقة ضمن ميليشيات رديفة تتبع له، وتشهد القامشلي اجتماعات دورية بين ميليشيات (قسد) وضباط كبار من النظام بهدف التنسيق الأمني.

ويتمحور دور ما يسمى “الإدارة الذاتية” على تشكيل ما يسمى “الكومين”، وهي وحدات خدمية محلية على مستوى الأحياء والقرى تقوم بتنظيم توزيع المحروقات والخبز على السكان، كما تقوم ببعض الأمور الخدمية، والشرطة المحلية التي تعرف بـ “أسايش”، ولديها سجون فيها مئات المعتقلين، ومحاكم محلية تسمى “دار الشعب”، تقوم بالفصل بالنزاعات المحلية رغم استمرار عمل القصر العدلي التابع للنظام في القامشلي.

عضو الهيئة السياسية في التحالف الوطني في الحسكة مطيع السهو أوضح، لـ (جيرون)، أن علاقة النظام بهذه الميليشيات تمتد إلى “أيام تأسيس (حزب العمال الكردستاني)، لكن مؤخرًا شعر الحزب بأنّ النظام يتهاوى ويتساقط؛ فراح يبحث عن سند خارجي، ولكن النظام شعر بعقوقه وانتهازيته؛ فتخلى عنه في بعض المعارك والمواقع، وبسبب تخلي الروس عنهم في عفرين، وتخلي الأميركيين، يحاول الحزب الآن العودة إلى حضن النظام، من خلال عفرين”.

أما عن موضوع زيارة الوفد الحكومي إلى القامشلي، فقال السهو: “الزيارات إلى القامشلي لم تنقطع البتة، والهدف منها إعادة الخروف الضال، لا تنسيق مع أي جهة كانت إلا عن طريق النظام، وذلك للتضييق على الأميركيين والحد من نفوذهم وانتشارهم، هذا طبعًا حسب تهيؤات النظام، وبالمحصلة هي رجاء وتوسل من النظام للأميركيين أن يكفوا عن تجاهله”.

يكرر المسؤولون السياسيون والعسكريون لميليشيات (قسد) وإدارتها الذاتية المزعومة التأكيد على أنهم أصحاب السلطة والسيطرة في منطقة الجزيرة السورية، محاولين إقناع حليفهم الأميركي أنهم أصحاب اليد العليا هناك، ولكن الحواجز العسكرية التابعة للنظام، وصور وأعلام النظام المتشرة في القامشلي، تنفي تمامًا هذا القول، ليبدأ هؤلاء المسؤولون مؤخرًا الترويج بشكل فاضح أنهم جزء لا يتجزأ من الوطن السوري، داعين النظام للدفاع عن عفرين، بصفة الجيش السوري هو الجيش الوطني.

يذكر أن قناة (الميادين) الموالية للنظام عمدت مؤخرًا إلى تكرار مقولة أن “(وحدات حماية الشعب) الكردية هي جزء من الوحدات الرديفة لجيش النظام السوري”.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون