اغتيال وسيط لحظات التفاهم الأخيرة بين “داعش” و”قسد”



يعيش سكان محافظة الرقة من جديد أجواء المسيرات الإجبارية، بموجب بلاغات وتعميمات تصدر عما يُسمى “بلديات الشعب” التي تديرها “وحدات حماية الشعب” الكردية. وكانت آخر مسيرة عبأ لها النظام السوري في ربيع العام 2011 مع بدايات الثورة السلمية في سورية. ومنذ أطلق الجيشان التركي والسورية الحر عملية (غصن الزيتون)، في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي؛ دأبت قوى الأمر الواقع في الرقة والمدن والقرى التابعة لها على تحشيد السكان في وقفات “تضامنية”، وتظاهرات ضد تركيا والجيش الحر، كما دفعت الناس للهتاف لزعيم “حزب العمال الكردستاني” الكردي عبد الله أوجلان، ورفع صوره وأعلام “وحدات حماية الشعب والمرأة” الكرديتين، بصورة تُذكر بهتافات السوريين لرأس النظام وحزب البعث، وبخاصة في ثمانينيات القرن الماضي.

قبل عدة أيام، أجبرت “بلدية الشعب” في ناحية عين عيسى أصحاب المحال على الإغلاق، والتوجه إلى مدينة تل أبيض (تبعد عنها حوالي 30 كم) للتظاهر، بموجب “بلاغ باليد”، حمل توقيع “زليخة علوش” رئيسة البلدية؛ ويبدو أن التركيز على أصحاب المحال التجارية يأتي نتيجة تهرب السكان من المشاركة في هذه الأنشطة القسرية، فيما يضطر التجار وأصحاب الحوانيت والمهنيين إلى التجاوب، تفاديًا للعقوبات والمخالفات التي يمكن أن يتعرضوا لها، في حال رفضوا المشاركة أو تهربوا منها. والبلاغ الذي استثنى الأطباء والصيادلة والفرانين من الحضور حمل في خاتمته عبارة “الحضور إلزامي”، في تعبير عن سطوة أنف نظام الأسد عن ممارستها بهذه الطريقة الفظة. على الأرض، لا يتفاعل مع هذه الدعوات سوى المُكرهين وأصحاب المصالح المستجدة مع قوة الأمر الواقع، فيما ينأى معظم أهل المنطقة بأنفسهم عن المشاركة في هذه الاستعراضات.

أما في مدينة الطبقة، فقد اقتحمت مجموعة مسلحة بأسلحة فردية، مؤخرًا، منزل المحامي إبراهيم السلامة، واقتادته إلى إحدى غرف المنزل، وحققت معه، كما فتشت في هذه الأثناء منزله بعناية. وأثناء التحقيق، أطلق أحد المقتحمين النار على ساق السلامة لإظهار الجدية والحزم. ثمّ استولى أعضاء المجموعة المقتحمة على هواتفه المحمولة، وأطلقوا رصاصتين على رأسه قبل أن يسارعوا إلى المغادرة، حسب إفادات متطابقة من جيران المغدور وأقاربه.

المحامي السلامة كان همزة الوصل، بين تنظيم (داعش) وميليشيا (قسد) و”الأميركيين”، في عمليات التفاوض التي جرت بين هذه الأطراف، بغية تأمين خروج آمن لمقاتلي (داعش) وأسرهم من الطبقة والرقة، إبّان معارك السيطرة عليها، نظرًا إلى صلات قربى ومعرفة تربطه ببعض قيادات التنظيم المحلية. والسلامة ينتمي إلى عشيرة (الناصر)، وهي الفخذ الأبرز في عشائر (الولدة) التي تنتشر في الرقة وريفها الغربي وبعض مناطق ريف الحسكة، وسعى الأميركيون والأكراد إلى عقد شراكات سياسية مع بعض وجهاء هذه العشيرة، نظرًا إلى تعدادها وانتشارها في مناطق الجزيرة السورية.

بعض أقارب وجيران المغدور يؤكدون أن مجموعة الاغتيال هذه تنتمي إلى وحدة (هات) HAT، “وحدة مكافحة الإرهاب”، التابعة لـ “قوات حماية الشعب” الكردية. إذ كان أفرادها يرتدون لباس هذه الوحدة، لكن دون أن يضعوا العلامة المميزة الخاصة بهذه الوحدة والمؤلفة من الأحرف الثلاثة التي تختصر اسمها HAT. فيما عبّر آخرون عن قناعتهم بمسؤولية الأميركيين والأكراد عن عملية اغتيال السلامة في منزله، دون إيراد أي قرائن مادية. وحجتهم أن “مجموعة من أربعة أشخاص يرتدون زيًا عسكريًا، ويمضون وقتًا لا بأس به في التحقيق مع رجل في منزله، ثم يخرجون بسلاسة، ويغادرون دون عجلة أو ارتباك، لا بد أن يكونوا مطمئنين وواثقين مما يفعلون ونتائجه”.

أحد الناشطين الإعلاميين المحليين عبّر عن ثقته بأن اغتيال السلامة جاء على خلفية مساهمته، في عملية التفاوض بين الأميركيين والأكراد من جهة وتنظيم (داعش) من جهة ثانية، وتحديدًا، بسبب قيامه بتسجيل “مكالماته مع ضباط أميركيين وقادة في “وحدات حماية الشعب” الكردية، وتسريبه بعض هذه المكالمات إلى وسائل إعلام عالمية”. فإذا صح ذلك؛ فإن عملية اغتيال السلامة تغدو طمسًا لحقيقة وطبيعة ما جرى أثناء معركة السيطرة على الطبقة والرقة، ورسالة واضحة تقضي بالموت على شهود هذه المجريات.

في الأحوال كافة، تبدو منطقة الجزيرة السورية سائرة في طريق يجهلها أهلها، لكن من الواضح أنها المنطقة التالية، بعد إدلب وشمال حلب، المرشحة لتكون ساحة الصراعات الأخيرة في سورية وعليها، عسكريًا وسياسيًا.


إبراهيم العبد الله


المصدر
جيرون