طبيب من الغوطة: غارقون في الدماء



بعد مرور نحو 3 أشهر على التصعيد العسكري، في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، ما زالت آلة قتل قوات النظام وروسيا مستمرة في حصد أرواح المدنيين، لا سيما خلال اليومين الماضيين. حيث لم يتوقف التدمير والقصف والقتل تجاه قرابة 350 ألف مدني محاصرين في الغوطة الشرقية. وإزاء هذا الوضع لم يجد أحد الأطباء العاملين في الغوطة من وصف للوضع سوى: “إننا غارقون في الدماء”.

بحسب إحصائية للدفاع المدني السوري في ريف دمشق، استشهد بالأمس نحو 100 شخص، بينهم أكثر من 20 طفلًا وأكثر من 500 جريح (الأرقام في تزايد حتى هذه اللحظة)؛ من جراء استهداف قوات النظام بالغارات والصواريخ والمدافع مدنًا وبلدات عدة في الغوطة الشرقية المحاصرة. وذلك تزامنًا مع تعزيزات عسكرية تُنذر بهجوم بري وشيك على المعقل الأخير لفصائل المعارضة قرب دمشق.

دموية الأحداث في الغوطة الشرقية أحالت مدنها وبلداتها إلى مسرح للأزمات الإنسانية على كافة الأصعدة، وخصوصًا الطبية والغذائية؛ فالمشافي تعج بعشرات المصابين والجثث، والأهالي الذين يبحثون عن ذويهم المفقودين. ففي مدينة حمورية، حيث قُتل 20 مدنيًا جراء الغارات، باتت المستشفيات مكتظة بالجرحى، والعاملون الطبيون لا يقوون على معالجة جميع الجرحى. وقد اضطر الكادر الطبي إلى تحويل الحالات الوافدة للمشفى إلى مراكز طبية أخرى.

ويواجه عمال الإنقاذ والمسعفون والأطباء، في عموم الغوطة الشرقية، صعوبة في إتمام مهماتهم، جراء ارتفاع أعداد الضحايا والنقص في الامكانات والمعدات، نتيجة الحصار المحكم الذي تفرضه قوات النظام منذ العام 2013.

الدكتور باسل، من اتحاد الأطباء السوريين الأحرار، لم يجد جوابًا للوضع الكارثي الذي يحصل في مشافي الغوطة الشرقية سوى القول: “إننا غارقون في الدماء”، وأضاف في حديث مقتضب مع (جيرون): “توفي العديد من الأشخاص منذ ساعتين حتى الآن، دون أن نتمكن من إنقاذ حياتهم.. نحن نصارع من أجل البقاء ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك. ربما إذا بقينا على قيد الحياة، بعد هذه الحملة العسكرية؛ فسأشرح للعالم ما يحصل هنا”.

تزامنًا مع نقص الإمكانات الطبية وعجز الأطباء عن إنقاذ أرواح المدنيين، تشهد الغوطة الشرقية أزمة غذائية كبيرة. فقد أعلنت منظمة (عدالة) للإغاثة والتنمية عن عدم تمكنها من توزيع الخبز في بلدة مسرابا وباقي بلدات ومدن الغوطة الشرقية؛ بسبب خروج مجموعة من الأفران عن الخدمة بعد استهدافها بغارات جوية.

محمد عدّاس، ناشط من بلدة مسرابا، تحدث لـ (جيرون) عن الوضع الإنساني في بلدة مسرابا ليلة أمس قائلًا: “الوضع أشبه بيوم القيامة.. الهلع والخوف يخيم على كل البلدة، والكثير من السكان ليس لديهم خيار سوى اللجوء إلى الطوابق السفلى والمخابئ تحت الأرض مع أطفالهم، وسط ظروف سيئة للغاية، فالأقبية أغلبها بحاجة إلى صيانة، وبعضها تتدفق مياه الصرف الصحي داخله. هذا عدا عن نقص المواد الغذائية وخاصة مستلزمات الأطفال”.

في مواجهة هذه الأزمة الإنسانية وشح المساعدات الدولية؛ أطلقت لجنة الطوارئ في مجلس دوما المحلي، بمشاركة عدد من الناشطين، حملة (إرادة البقاء)، بهدف دعم الأهالي وتقديم العون للمنكوبين، وذلك من خلال تأهيل منازل لإيواء العائلات، وفتح الطرق وإزالة الأنقاض، وتخديم الملاجئ بأهم الاحتياجات الأساسية كالماء والطعام.

تقوم الحملة بجمع التبرعات من المنظمات أو الأفراد، سواء داخل سورية أو خارجها، على شكل أسهم، وتبلغ قيمة كل سهم 1000 ليرة سورية (2.5 دولار أمريكي). وقد تمكن القائمون على الحملة من جمع 2000 دولار أميركي و1200 جنيه إسترليني، حتى الآن. وتُقدم التبرعات لمراكز الجباية داخل الغوطة الشرقية، في المجلس المحلي لمدينة دوما، وفي جمعية الصحة الخيرية. أما في الخارج فتم افتتاح مركزي جباية، في كل من تركيا والسعودية وليبيا.

وكان بانوس مومتزيس، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، قد أعرب في بيان عن قلقه العميق من التصعيد الشديد في الأعمال العدائية في الغوطة الشرقية، وقال: “كثير من المدنيين فقدوا أرواحهم أو أصيبوا بغارات جوية، إضافة إلى تدمير المخازن والمستشفيات والمدارس”.

أضاف المسؤول الأممي أن “عدم إمكانية وصول قوافل المساعدات أدى إلى نقص حاد في الأغذية، وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، حيث بلغ سعر الخبز اليوم 22 ضعفًا من المعدل السابق”.

وتابع: “وصلت معدلات سوء التغذية الآن إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، حيث إن 11.9 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو أعلى معدل سجل في سورية، منذ بداية الأزمة”. واختتم قائلًا: “إن الوضع الإنساني للمدنيين في الغوطة الشرقية يخرج عن نطاق السيطرة. ولا بد من إنهاء هذه المعاناة الإنسانية التي لا معنى لها الآن. ويجب أن يتوقف الآن استهداف المدنيين الأبرياء والهياكل الأساسية”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون