أرادوهـــا هكـذا



… وليست كحذوة البغل حتى

يتألف الحذاء بالضرورة من فردتين اثنتين متطابقتين حتمًا، إن كان في الشكل أو في المضمون، فتكمّلان بعضهما بعضًا جمالًا وراحة مداس، أو يتكاملان اهتراءً ووضاعة وتقهقرًا. في حالة التكامل والتطابق فقط، تستطيع أن تطلق عليه اسم حذاء، فإن لم يكن كذلك وظهر التباين والاختلاف؛ يصبح الاسم فــــــردة حــــــذاء، فردة حذاء وحسب.

… هذا وقد ابتليت الأحذية بوحدة المصير المشترك!

فالبشرية عمومًا، والأمة العربية على وجه الخصوص، والمواطن السوري حصريًا، كأوضح مثال على ذلك، حتى الآن، يستطيع أن يُمضي حياته كلها بعين واحدة دون الأخرى، أو بأذن واحدة دون أختها، قدم واحدة، يد واحدة، كِلية واحدة. خِصية واحدة، مبيض واحد.. قائد واحد.

يستطيع استخدام فردة جراب واحدة، أو فردتين مختلفتين، أو فردة قّفاز واحدة، ولعل الموضة تمنحه فرصةً لاستخدام فردتين مختلفتين في آن معًا، ولكن المعضلة الكبرى تبقى… في الحذاء!! في إشكالية… وحدة مصير الفردتين.

مهما يكن الحذاء جميلًا، مهما بلغت جودته ورفعته، وأصالته، مهما علا نسبه، لا يمكن لذي عقل وإدراك ووعي أن يعتمد استخدام فردة حذاء واحدة دون الأخرى. بمعنى، إن سقطت الفردة الأولى أو ضاعت، باتت الأخرى ساقطة بالضرورة، وبلا نفع.

وتتجلى مشكلة البديل في الأحذية!! فمن غير الممكن أن تعتمد فردة حذاء دون الأخرى، إما أن تقبل الحذاء بفردتيه أو تتركه بفردتيه، ومن غير المقبول –أيضًا- أن تأخذ فردتي حذاء مختلفتين! بهذا ستسقط عنهما صفة الحذاء وستبقيان فردتين. إذًا لا بديل ولا تبديل ولا خيار آخر متاح.

وحيث نجول في الأوطان العربية حفاة كي تتضح الفرضية، سننتعلُ أفكار قادتها الملهمين كي يكتمل البرهان. الوطن وقائد الوطن… لاحظ!… وحدة عضوية، مصير مشترك، توائم سينيّة، صنوان تمامًا كفردتي حذاء.

بسقوط أو ضياع أحداهما يتحول كل منهما فورًا إلى فردة، إن الوحدة العضوية والمصير المشترك، والوظيفة المنشودة لفردتي “الصبّاط” معًا، والتي تجعل منهما وتكسبهما صفة الحذاء الواحد المتكامل، تتطابق على نحو مثالي، مع المصير المشترك والوحدة العضوية بين الوطن كشعب وسيد، الوطن كعبقري! كيف يستوي أن يكون وطنًا حرًا مستقلًا ذا سيادة، بلا قائده المُلهم باعتباره الفردة الأخرى؟! هكذا سيصبح اسمه فردة وطن! فردة وحسب، وكيف لسيد قائد عبقري عظيم، لا يتكرر ولا يتبدّل، أن يكون بلا فردة وطن! في هذه الحالة سيصبح فردة قائد ليس إلا.

بوضوح أكثر، عندما نقول سيادة وطنية، هذا يعني -وجوبًا- توفّر فردتين متطابقتين في الشكل والمضمون، مرتبطتين عضويًا، يجمعهما مصير مشترك. من هنا وجب الحرص على الشعب كفردة أولى وعلى سيد الشعب كفردة ثانية، كي يبقى لدينا سيادة وطنية متكاملة، أي سيادة وطنية بفردتين. هنا -تمامًا- يكمن جوهر مفهوم السيادة الوطنية، وفق النظرية الثورية للحزب الخازوق.

فالقائد بلا فردة الوطن، سيصبح فردة نعل مدقوق بمسمار، كمكبح مثبت في طرف عربة خشبية مستطيلة، لنقل الكوسا والبطاطا في سوق الهال، تدوسه أقدام العتالين، كلما ازداد الاندفاع الوطني للعربة.

كذلك الوطن بلا فردة قائد، سقفه أن يصبح فردة تعويذة ورقية مكتوبة باللحم والدم، معلقة بخيط قنّب فوق مدخل كرخانة تحمي قدود العاهرات الروسيات، من حسد باقي المومسات متعددات الجنسيات.

تقول التعويذة المعلقة: “يستمد الوطن قيمته من ذاته، من عمقه الإنساني الحضاري، من بعده التاريخي الزماني والمكاني، لا من شخص محدد، ولا من حزب معين، ولا من جهة أو فئة أو جماعة عابرة. لا تربط وطنك وأهميته وسلامته وحبك له بقيمة زائلة، فتجعل منه فردة، مجرد فردة فقط… حتى لو أرادوها هكذا”.

من الآخر: نظرًا للوحدة العضوية والمصير المشترك بين الفردتين؛ الكل للحذاء والحذاء للكل، “عاجبك منيح مو عاجبك فِل”.

اللوحة للفنان العالمي فان غوغ


جهاد عبيد


المصدر
جيرون