الأقبية الملاذ الأخير لسكان الغوطة الشرقية.. نساء يروين معاناتهن في الحياة مع أطفالهن تحت الأرض



السورية نت - مراد الشامي

تنهمك أم جمال بالأعمال المنزلية من طبخ، وتنظيف أواني، وغسيل ثياب في قبو بارد مفروش بالحصى، حولته إلى منزل لعائلتها الصغيرة بعدما طال قصف قوات نظام بشار الأسد منزلها في بلدة مديرا في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق.

وعلى غرار أم جمال، انتقل الكثيرون من سكان مدن وبلدات الغوطة الشرقية، إلى الأقبية غير المجهزة، بعدما دمرت غارات الطيران ومدافع قوات النظام منازلهم، بينما يتخذ آخرون منها ملجأ مؤقتا لتفادي القصف الذي يستهدف أحياءهم وأسواقهم.

وانتقلت أم جمال (56 عاماً)، وابنها الشاب وابنتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى القبو قبل أكثر من شهر ونصف في محاولة للنجاة من التصعيد العسكري الكبير على الغوطة الشرقية.

وتقول أم جمال: "لم نصعد إلى البيت ولا مرة، نحن هنا ليلاً نهاراً". وتضيف "قُصف منزلنا فهربنا وأتينا إلى هنا، ثم ضرب مجدداً اثناء وجودنا هنا فانهار تماماً ولم يعد صالحاً للسكن".

ووضعت أم جمال وابنها ألواحاً من الزنك في وسط القبو ليأخذ شكل غرفة صغيرة، ورّوت جانباً من تفاصيل أجواء الخوف التي يعيشها سكان الغوطة، وقالت: "عندما تبدأ الطائرة بالتحليق، يأتي جيراني إلى هنا أيضاً. وحين يهدأ القصف، يعودون إلى بيوتهم، وأبقى أنا وولديّ هنا في القبو".

وتصعد أم جمال من القبو بين الحين والآخر وتقصد منزلها المدمر لجلب الأخشاب والمياه. وتقطع الحطب بفأس صغير، ثم تأتي ببعض العبوات الفارغة وتملأها بالمياه، قبل أن تعود مجدداً إلى ملجئها.

وتقول أم جمال: "نعيش بالصقيع والبرد تحت الأرض"، وتشير إلى حائط خلفها تتسرب منه مياه الصرف الصحي للمبنى فوق القبو، وتشير إلى خيمة خلفها قائلةً: "ننام كلنا في الخيمة محشورين، لا تتسع لنا".

ولم يبق لأهالي الغوطة سوى الأقبية تحت الأرض ملاذاً لهم، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين فيها غير قادرين على الخروج على وقع الغارات والقذائف المحيطة بهم.

وخلت كثير من المنازل من أصحابها بعدما لجأوا إلى الأقبية. ويستغل هؤلاء لحظات قليلة من الهدوء للبحث عن متجر يشترون منه بعضاً من المؤن أو ليتفقدوا منازلهم.

"معدومون عن الحياة"

في قبو آخر في مديرا، تجتمع نساء متشحات بالسواد وأطفال في غرفة صغيرة على وقع تحليق الطائرات.

وللفرار من القصف الذي اعتادوا عليه، أنشأ سكان الغوطة الشرقية مدارس وملاهي للأطفال تحت الأرض ليتيحوا للأطفال التعلم واللعب دون خوف. كما أنهم ينظمون العديد من فعاليتهم في الأقبية، من اجتماعات أو موائد إفطار خلال شهر رمضان.

وفي مدينة عربين التي تطغى عليها مشاهد الدمار من أبنية باتت ركاماً وأخرى سقطت جدرانها، اتخذت عائلات عدة من مدرسة تحت الأرض ملجأ لها.

ويتألف قبو مدرسة "دار السلام" من قاعات تدريس عدة طليت جدرانها بالألوان الفاتحة ورُسمت عليها الورود، فضلاً عن ساحة في الوسط تُستخدم عادة لاستراحة الطلاب.

ولكن المشهد تحول اليوم، وباتت المدرسة بمثابة منزل جماعي تنتشر فيه الفرش والأغطية ومواقد للطبخ، وتحولت ألعاب الأطفال إلى حبال لنشر غسيل.

وانتقلت أم عبدو (53 عاماً) إلى المدرسة منذ نحو شهر ونصف بعدما تدمر منزلها. وتقول: "نحن مقيمون حالياً في غرفة عرضها متران ونصف، يعيش فيها 14 امرأة وطفل ولا يوجد فيها حمامات للاستحمام".

ليس أمام أم عبدو حالياً خيار آخر، وتكتفي بالقول "بيتي تدمر، الحمد لله صابرون صبراً فوق صبر".

وفي غرفة صغيرة تكومت في زاويتها الأغطية، تجتمع أم عبدو ونساء آخريات للطهي فوق مدفأة لعدم توفر موقد، ويضعن عشبة الخبيزة في مياه مغلية على مدفأة، وتستطرد احداهنّ "نسلقها، لأن ليس لدينا زيت، حتى الخبز لم نتمكن من تأمينه".

وفي غرفة أخرى، يتكدس عشرات الأطفال في غرفة يستمعون لدرس في الرياضات.

وتغرورق عينا يسرى علي (46 عاماً) بالدموع وهي تتحدث عن معاناتها في ما تصفه بـ"حياة الأقبية".

وتقول المرأة التي تعاني من مرض في القلب وخضعت في السابق لعملية جراحية، "لا أجد الدواء (...) لا شمس ولا هواء، نشعر أن أنفاسنا انقطعت، نحن هنا معدومون عن الحياة".

يشار إلى أن الغوطة الشرقية تعيش منذ 4 فبراير/ شباط الجاري على وقع تصعيد غير مسبوق، أدى إلى سقوط عدد من الضحايا هو الأكبر منذ العام 2013 (عام ارتكاب النظام لمجزرة الكيماوي)، وقدرت الأمم المتحدة عدد المدنيين الذين استشهدوا منذ بدء التصعيد بـ 346 مدنياً وإصابة مئات آخرين.




المصدر