جدليات الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة



يُعنى هذا الكتاب بموضوعين أساسيين: الأول جدليات الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة والأمة، والثاني العدالة ومفاهيمها في العالم العربي اليوم. وتغطي البحوث التسعة عشر التي شارك في مناقشتها ثمانون أكاديميًا عربيًا، نحو خمسين عامًا، انتقلت البلاد العربية فيها من الرابطة العثمانية إلى نظام الدول الجديدة، ثم من مرحلة الانتخاب والاستعمار إلى مرحلة الدول المستقلة، لتنتقل بعد ذلك من المرحلة شبه الليبرالية القصيرة إلى مرحلة النظم التسلطية.

يتناول جاد الكريم الجباعي موضوع (الاندماج الاجتماعي في بلد واحد: من المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني، من الرعوية إلى المواطنة)، ويتوقف عند مشكلات تحديد المفاهيم والعوامل الجاذبة والنابذة التي تتحكم بعملية الاندماج الاجتماعي، محاولًا الإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن يتحقق الاندماج الاجتماعي في بلد واحد، كسورية أو لبنان أو العراق أو غيرها، متجاوزًا الخطاب الذي ينفي أي مظهر من مظاهر الاندماج، والخطاب الذي يغالي بدرجات الاندماج.

ويبحث عبد الحميد هنية في (بناء الدولة المجالية في البلاد التونسية والمغرب الأقصى وآليات الاندماج فيها في الفترة الحديثة)، مبينًا أننا إزاء تركيبتين ذواتي مركزة سياسية عالية نسبيًا، لكنها كشفت عن وجود نمطين مختلفين لبناء الدولة؛ ففي تونس تقوم المركزة على نخب أعيانية مدينية مندمجة تتركز في العاصمة أساسًا، وهي التي كونت قاعدة اجتماعية متينة للنفوذ المركزي، وأما في المغرب فتبنى على أساس اتفاق يحصل بين مكونات التركيبة، في شأن اختيار السلطان الذي يمثل رمز الإجماع والضامن لتواصله، وهو بمنزلة الثقل المضاد للخصوصيات المحلية التي تجنح بطبعها إلى الانفكاك والانقسام.

وتتناول مي مجيب عبد المنعم مسعد (جدليات الاندماج الاجتماعي للأقباط في مصر الثورة)، وأهم العوامل المؤثرة في الاندماج السياسي والاجتماعي لأقباط مصر بعد الثورة، محاولة تحليل أهم المستجدات التي أثرت في “الملف القبطي”، ولعل خصوصية الوضع المجتمعي المصري بعد ثورة يناير قدّمت معطيات جديدة بشأن الاندماج عمومًا، والاندماج السياسي والاجتماعي للمصريين الأقباط خصوصًا.

ويرى علي عبد الرازق جلبي في بحثه (الاندماج الاجتماعي والمواطنة النشطة مصر بعد ثورة 25 يناير نموذجًا) أن الاندماج الاجتماعي يتعلق بقضايا المواطنة والانتماء والمشاركة الكاملة والمتساوية، في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ويحول دون التمييز والاستبعاد الاجتماعي والإقصاء.

ويحاول نيروز ساتيك، في بحثه (الحالة الطائفية في الثورة السورية المسارات والأنماط)، التعرف إلى الظاهرة الطائفية في مجريات الثورة السورية (15 مارس 2011 صيف 2012) لا بوصف الطائفية ملازمة للثورة بل بوصفها عرضًا من أعراضها، وتفهم في ضوء العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا في ضوء العوامل الدينية في حد ذاتها، وإن استخدمت بعض القوى الطائفية العامل الديني لتعطي الصراع بعدًا طائفيًا في صيغة “نحن وهم”.

بُنيت دراسة نيروز ساتيك على ثلاث فرضيات بحثية، استخلصت من التاريخ السوري: دور العوامل الاقتصادية في توليد الحالة الطائفية، العلاقة بين السياسات الخارجية الاستعمارية وتسييس الهويات الفرعية، ودور النخب المحلية في إسقاطها، فضلًا عن تجليات أزمة الهوية، مع عدم ترسخ مفهوم الدولة الوطنية في المشرق العربي.

وعرضت الدراسة معظم الحالات الطائفية التي حدثت في مسار الثورة السورية، وتجلت بنمطين: الوعي الطائفي البدائي، والعنف الطائفي (جرائم الكراهية والانتقام الجماعي والهجرة والخطف).

ويحلل أحمد بعلبكي، في بحث بعنوان (عن ليبرالية موعودة تدمج الأفراد في طوائفهم كنموذج متبلور في لبنان)، حالة طائفية مكرسة وممأسسة عرفت بدورها انفجاراتها الدامية هي الحالة اللبنانية، وقد نطلق منظور البحث من واقع الانتفاضات العربية والمخاض الطويل الذي أطلقته، وما باتت تطرحه من هواجس تتعلق بأشكال وأطر للاندماج الاجتماعي التعددي، أو هواجس تهوين رجوع العوام المنتفضة إلى أشكال تقبل أطر الاندماج التقليدي، والوقوع في غواية إعلان منفلت في ليبراليته المتخلفة، يذهب إلى حد الإقرار بديمقراطية تفكيك التعددية الثقافية المألوفة في مجتمعاتنا، وشرعية العودة إلى أطر الانتماء إلى الطوائف.

وتمت معالجة عدة قضايا أخرى في سياق الكتاب الذي يشكل دراسة اجتماعية تاريخية للمجتمعات العربية، بقلم كتّاب وباحثين أكاديميين لهم باع طويل في مثل هذه القضايا البحثية المهمة جدًا.

الكتاب: جدليات الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة والأمة في الوطن العربي

المؤلف: مجموعة مؤلفين

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- بيروت


حواس محمود


المصدر
جيرون