في محاولة القضاء على الغوطة الشرقية



يفرض النظام السوري حصارًا على الغوطة منذ عام 2013، وذلك على أثر اسيتلاء المتمردين على أحد جيوب الغوطة الشرقية، الواقعة في ضواحي دمشق، حيث كانوا يعتقدون أنهم يخوضون آخر معاركهم من أجل نيل الحرية. وفي 19 شباط/ فبراير، بدأ النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه هجومًا كاسحًا على المنطقة، مع وابل من القصف المدفعي وقذائف الهاون والصواريخ، رافقته غارات جوية مدمرة من قبل الطائرات الحربية الروسية، على سبيل التخفيف من المقاومة المحتملة التي سيلاقيها، في حال اقتحامه المنطقة في الأيام المقبلة.

وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل يوم الإثنين 19 شباط/ فبراير، من جرّاء صواريخ النظام والغارات الجوية، ما لا يقل عن 98 مدنيًا، من بينهم نحو 20 طفلًا. وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار والضغط الدولي من جانب الأمم المتحدة لوقف الغارات، فإنّ قصف الغوطة الشرقية لم يقتصر على قصف مواقع وجود المدنيين فحسب، بل طال أيضًا الوسائل الكفيلة ببقائهم على قيد الحياة؛ حيث إنه استهدف المخابز والمستودعات والمباني التي تحتوي على أغذية ومواد أولية وأساسية. وأفاد عمال الإغاثة أنّ الطرق وغيرها من المقار الحيوية للمساعدات الإنسانية استُهدفت أيضًا؛ ما أدّى إلى تعطيل عمليات الإنقاذ وإعاقة حركة سيارات الإسعاف. وارتفع عدد الضحايا، بسبب استهداف المقار الطبية؛ إذ أصيبت أربع مستشفيات ميدانية، من بينها مركز توليد وحضانة أطفال.

وفي تعقيبه على هجوم النظام المتواصل على الغوطة، صرّح المنسق الإقليمي للأمم المتحدة، بانوس مومتزيس، بأنّ “من الضروري” وقف القتال، والحد من “المعاناة الإنسانية التي لا طائل منها”، في الغوطة الشرقية؛ حيث لا يملك الكثير من المدنيين سوى خيار الاختباء في الطوابق السفلى والملاجئ الأرضية مع أطفالهم. ولكن حتى هذه الملاجئ تبقى تحت رحمة القنابل الروسية وهجمات الغازات الكيميائية التي يشنّها النظام السوري، منذ بداية الشهر الجاري. من جانبه، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الجهات الدولية والأمم تبالغ بشأن سوء الأوضاع في الغوطة الشرقية، واستخف بالادعاءات حول سوء الأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية وإدلب، بالرغم من كثرة التسجيلات التي تشهد على شدة الفظائع المرتكبة.

يحظر القانون الإنساني الدولي صراحةً استهداف المدنيين، ويلزم الأطراف المتحاربة أن تميز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وهو الأمر الذي فشل النظام السوري وحلفاؤه الروس في مراعاته بشكل مستمر. وبموجب النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، فإنّ “توجيه الغارات المتعمدة ضدّ المدنيين” يُشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية. ومع ذلك، فإنّ محكمة الجنايات الدولية تمتلك صلاحية مقاضاة مرتكبي الجرائم الاشد خطورة، إذا ما أُحيلت القضية إليها من قبل مجلس الأمن. ولكن حتى الآن، لم تُظهر روسيا أي استعداد لمقاضاة حليفها الإجرامي وجرائمها المرتكبة في سورية، لكي تنال عقابها في ضوء العدالة الدولية.

يكرر برنامج الباحثين الزائرين الدوليين في مركز حرمون (IVRPH) دعوة المجتمع الدولي إلى العمل الجاد، من أجل حماية المدنيين في الغوطة الشرقية، وذلك من خلال تقديم المساعدة الإنسانية، بقدر ما يمكن، ومعاقبة المسؤولين عن الهجمات المروعة ضدّ المدنيين. كما يكرر البرنامج دعوة الدول إلى دعم ولاية الآلية الدولية لسورية التي أُنشئت في عام 2016، ودعم التحقيق، حيثما أمكن ذلك، في حصار الغوطة الشرقية، وسائر الجرائم المرتكبة في سورية، ولا سيما تلك التي تنتهك القانون الدولي؛ إذ لا ينبغي التسبب للمدنيين بالمعاناة جرّاء الحصار غير القانوني وعمليات القصف العشوائية. ومن المحتم وضع إطار واضح لمسار العدالة لمنع حدوث مثل هذه الفظائع في المستقبل.


برنامج الباحثين الزائرين الدوليين في مركز حرمون


المصدر
جيرون