روسيا والجيل الخامس من مقاتلاتها



هل كانت روسيا بحاجة إلى إدخال الجيل الخامس من طائراتها لإبادة أهل الغوطة؟

هل كانت روسيا بحاجة إلى قصف إدلب من أساطيلها في البحر؟

هل كانت روسيا بحاجة إلى قصف دير الزور من بحر قزوين؟

هل هناك في سورية جيوش نظامية حقيقية تحتاج من روسيا إلى كل هذا العتاد الحربي، وكل تلك الذخائر الفتاكة من الصواريخ الفراغية والقنابل الارتجاجية، لمقارعة مئات المقاتلين في هذه المدينة أو تلك؟

هل من العقل والمنطق والأخلاق أن تكون الحرب على الإرهاب براجمات الصواريخ والطائرات والبراميل التي لا تميّز بين طفل وكهل، ولا بين مقاتل ومدني؟

الإجابة على كل تلك الأسئلة هو: لا، روسيا لا تحتاج إلى كل ما سبق في سورية، وسورية ليست الهدف الأساس في كل ذلك العتاد والسلاح والذخائر، والهدف الحقيقي هو أن روسيا تقوم باستعراض عضلاتها أمام العالم، من أجل استعادة هيبة الاتحاد السوفيتي، وأن يعترف العالم من جديد بأن روسيا قوة عظمى. وبالتالي لا قيمة للإنسان السوري أو غيره أمام هدف القيصر الروسي القادم من أعتى وأشد أنظمة الاستخبارات العالمية قسوةً وإجرامًا، وهو لن يتوقف عند الغوطة، بل سيستمر بفعله الإجرامي إلى درعا، وبعدها إلى إدلب، كي يستعيد كامل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ووضعها تحت سيطرة النظام شكليًا، وتحت تصرفه عمليًا، بمساعدة إيران التي يستخدمها بوتين على الأرض، كي لا يستخدم قوات روسية، فيكون هناك خسائر بشريه تؤدي إلى هزيمة روسيا.

وجدت إيران من طرفها الفرصة مناسبة للانتقام، سواء أكان دينيًا، كما يصرخ رجال الدين الإيرانيين، أم قوميًا، كما يُفكّر الساسة الفرس، لحروب يزيد عمرها عن خمسة عشر قرنًا من الزمن، ولذلك استثمرت إيران ما يزيد عن إحدى وعشرين مليار دولار في هذه الحرب، وهنا نجد نقطة تلاق كذلك بين المحتلين الروسي والإيراني، وهي عدم السماح للعرب السُنة بحكم سورية، حسب ما صرّح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكثر من ثلاث مرات في ثلاثة مواقع مختلفة، ثم يعود ليصرح بوقاحة منقطعة النظير بأن السوريين وحدهم من يقرر مستقبل سورية.

إيران شأنها شأن النظام السوري، وهما يستمدّان الاستمرارية في جرائمهم من التناقض بين مصالح روسيا والغرب، ليس في سورية وحدها، وإنما في أوكرانيا والقرم وليبيا، حيث تريد روسيا من الجميع أن يتنازلوا لها في كافة الملفات الإقليمية والدولية. ومع وجود خلافات بين إيران وروسيا تظهر بين الحين والآخر، لكنّ الحلف بينهما مستمر، لأن تخلي أحدهما عن الآخر في سورية يعني خسارة الطرفين، وخروجهما مهزومين من سورية.

إيران مستاءة جدًا من استحواذ روسيا على أغلب وأكبر العقود الاقتصادية في سورية، لكنها تتمتع بصبر صانع السجاد الإيراني، ولم تتخلّ عن مشروعها، لذا قامت ببناء الحسينيات في دير الزور، وهي بصدد بناء جامعات إيرانية في كل المحافظات السورية، وتعمل الآن على تسوير دمشق بسور طائفي، وبعد أن تُخلي الغوطة من سكانها؛ سيكتمل الطوق الشيعي من داريا إلى الغوطة إلى القابون ووادي بردى والزبداني، وهذا ما فعلته في بيروت وبغداد، وتعمل على فتح واستمرار طريق طهران الموصل دمشق. كل ذلك يحصل أمام أعين الجميع دون خوف أو وجل، أما أكذوبة المقاومة والممانعة، فإيران الرسمية اعترفت بالأمس بأنها ليست بصدد محاربة “إسرائيل”، وآخر هذه التأكيدات أتت على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وبعد التأكيدات الإيرانية الرسمية بأن “إسرائيل” غير مستهدفة من التواجد الإيراني في سورية، يخرج تابعها حسن نصر الله بخطابات يتحدث فيها عن “تحرير القدس”، وكأنه لا يعلم ما يقوله أسياده.

لن تتوقف روسيا عند الغوطة، فهي ذاهبة بعد الغوطة إلى درعا، كما صرح علنًا القادة الروس، وبعدها إلى إدلب، وهذا ليس من باب التكهنات أو التحليل السياسي، ولكنه من باب كشف الحقيقة، حيث إن جميع اتفاقات أستانا محددة المدة بستة أشهر، وهذه المدة انقضت في كافة المناطق، وعلى هذه المناطق القبول بدخول قوات النظام وشرطته إليها، ورفع علم النظام السوري على كافة المباني الحكومية، وإلا؛ فإنها ستُعدّ مناطق يسيطر عليها “الاٍرهاب” ويجب تدميرها، وفق المفهوم الروسي.

الأمر المفجع أكثر مما سبق، هو أن جميع من ذهب إلى سوتشي، والزاعمين أنهم معارضة وطنية، قد وقّعوا على فقرة تقول: “كل سلاح خارج السلطة هو إرهاب، ويجب محاربته”، ولَم تستثن هذه الفقرة لا جيش حر ولا فصائل معتدلة، ولَم يخص (النصرة) و(داعش)، وفي فقرة أخرى كلّف المجتمعون جيش النظام بمحاربة الإرهاب، أي أنهم فوضوا جيش النظام بما يفعله اليوم في الغوطة، وسيفعل بباقي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

أمر عجيب أن يُراهن سوري شريف اليوم على الدور الروسي في المنطقة، والمراهنون هم أحد احتمالين، إما أنهم جهلة عميان بصر وبصيرة، أو عملاء ومرتزقة.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون