هل من مواجهة عسكرية دولية في سورية



ثمة مستجدات يُعول عليها بتغييرٍ ما في المشهد السوري. المستجدات تتعلق بالتدمير الذي تم للطائرات في قاعدة حميميم، وثانيًا في إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وثالثًا في القتل الكامل لكل المجموعات التي حاولت اختبار جدية الأميركيين في الدفاع عن “مناطقهم” في دير الزور، فحصد طيرانهم، وفق بعض الإحصاءات، ما يتعدى 500 قتيل، منهم أكثر من 200 مرتزق روسي من شركة (فاغنر) الأمنية، ورابعًا الطائرة الروسية التي أُسقطت في إدلب، والخوف من وصول صواريخ مضادة للطيران. يضاف إلى ذلك الحروب المتفق عليها بين الدول الضامنة لمناطق خفض التوتر وأميركا، والتي تمت في ريف حماة وإدلب وعفرين وأخيرًا الغوطة.

هذه المعطيات تدل على أن هناك مواجهات أصبحت مباشرة، فأميركا تواجه روسيا، وروسيا تسمح لإيران بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وتركيا تسحب بعض الفصائل من أمام الجيش الروسي والسوري، وتتوافق مع روسيا على معركة عفرين، وهكذا.. وبالتالي هناك رسمٌ واضحٌ لمناطق النفوذ، بإشراف تلك الدول وبتدخلها المباشر. تدخلها المباشر أصبح بمثابة “احتلال”، فهناك قواعد عسكرية لكل الدول المذكورة أعلاه، وأميركا أكبر ضامن للمصالح الإسرائيلية في جنوب سورية، وضد الوجود الإيراني في سورية خاصةً. هذه المستجدات تشير إلى أن هناك مناطق سيتم الانتهاء منها تباعًا، كعفرين وإدلب، والآن الغوطة، ولاحقًا منبج، وسيتم ترحيل قوات (ب ي د) إلى شرقي الفرات، وبالتالي تتوضح حينئذ مناطق النفوذ بدقة، ويصبح الطريق معبّدًا لحلٍ سياسي ما، يحافظ على مصالح تلك الدول. إذًا ليست هناك سيطرة روسية كاملة ولا تسليم سورية لها! وهناك احتلالات متعددة على سورية، وفقًا للمرحلة القادمة؛ مؤتمر سوتشي فشل، واللاورقة من الدول الخمسة ورقة جديدة، وهي تُصنّف بين بين، أي ليست مع سوتشي حيث يراد إعادة إنتاج النظام، وليست متوافقة مع رؤية مبادئ (جنيف 1) حيث الحكم الجديد لسورية سيكون بيد هيئة كاملة الصلاحيات. الكلام عن أستانا وجنيف، كما الجلسات السابقة، عديم القيمة وهو تمضية للوقت. التركيز يُفترض أن يتم وفقًا لما توضعت عليه سوتشي واللاورقة والتقارب الأميركي-التركي الأخير، وتوحيد تحركاتهم بشأن سورية. وبغياب التوافق الأميركي الروسي الأوروبي، على أي مما ذكرت، فهذا يعني أن حدود الدول لم تُرسم جيدًا حتى اللحظة، ولم تنته المعارك بعد، وإن وصول مستوى الحرب إلى التهديد المباشر للدول الأخرى لن يتطور إلى حربٍ مفتوحة، رغم خطورة المستجدات أعلاه.

لن تتطور الحرب، لأن مصالح الدول تتأمن تباعًا والحدود ما تنفك تُرسَم! وأما السوريون فأصبحوا يحاربون بعضهم خدمة لهذه المصالح، وبالنهاية هناك تدميرٌ مستمرٌ لسورية، وستصبح أرضًا بلا شعب، ولكن فيها ثروات كبيرة. وبخصوص الفكرة الأخيرة، فهناك كلام كثير عن سيطرة روسيا على الغاز السوري، وعل طرق إيصاله إلى أوروبا، لا سيما أنها حصلت على عقود استخراجه، وهناك سيطرة للأميركيين على نفط الشمال والشرق السوريين، وبالتالي، وكأن هناك صفقات تطبخ جيدًا على النار السورية. تركيا ستكون حصتها في وضع حد نهائي لمشروع كردي في سورية أو تركيا، وإيران التي تُحاصَر مصالحها تدريجيًا، لن تستفيد كثيرًا، رغم كل ما بذلته لإبقاء النظام حيًا، ورغم مطالبها المتكررة بحصصها في سورية، باعتبارها دفعت ثمن ذلك بشرًا ومالًا ونفطًا وسوى ذلك كثير. إذًا ليس هناك أسباب كبرى لحربٍ مباشرةٍ بين الدول، بل هناك اختبارات تجريها لمعرفة الحدود الممكنة للعلاقة بينها على الأرض السورية، ومعرفة حصتها من الكعكة السورية “الدسمة”.

المشكلة التي تتعمق أمام السوريين أخيرًا، هي أنهم كانوا يواجهون نظامًا شموليًا؛ فإذا بهم لاحقًا أصبحوا تحت أنظمة شمولية للفصائل، وبتطور الصراع إلى إقليمي ودولي؛ تحوّلت الفصائل والنظام إلى أدواتٍ تقمع الشعب لصالح الخارج. هذه المشكلة تمنع أي تواصل حقيقي بين السوريين. يضاف إلى ذلك أن الوعي الذي يترسخ وهو وعي طائفي أو قومي أو عشائري لكنه غير نهائي وقابل أن يتحول إلى وعي وطني يعترف بالآخر، ويعترف بأن ما حدث في سورية كان ثورة شعبيةً، استغلها النظام وحوّلها إلى حرب بين “الطوائف والقوميات”، وكذلك فعلت المعارضة الشيء ذاته. وبالتالي، السؤال الأساسي هو: كيف يستعيد السوريون مصيرهم، وينتجون مشروعهم الوطني، وهي القضية التي كُتبَ عنها مؤخرًا كثيرًا في الإعلام؟

لنُعِد رسم المشهد، هناك هيمنة إقليمية ودولية على المشهد السوري، وتحديدًا على الفئات المسيطرة داخليًا؛ النظام والفصائل من جهة، وهناك شعب مهمش ومغيب من جهة أخرى، الشعب متضررٌ بشكلٍ كبيرٍ مما يحدث، ولكن وعيه محكومٌ لنتائج ما حصل، ورافضٌ في الوقت ذاته لها، أي أنه ينتظر مشروعًا وطنيًا، لا أحد يعرف كيف سيظهر، رغم الكلام الكثير عنه؟

لن أجيب عن الفكرة المطروحة أعلاه، إذ لا أحد لديه سوى التمنيات والرغبات بحدوث ذلك! ما يمكن الكلام عنه أن الأطراف السورية -رغم التحكم الخارجي- ما زالت مصدرَ خوفٍ وخشيةٍ للخارج، وبالتالي ما زالت الحروب تُشن هنا وهناك، للوصول إلى تطويعٍ كاملٍ للسوريين، وإجبارهم على الانصياع الكلي. والحرب مستمرة أيضًا لغياب التوافق الروسي الأميركي المتكامل.

ما هو ضروري معرفته، أن لا حرب إقليمية أو دولية مباشرة في سورية، والفصائل -كما النظام- مارست ديكتاتورية وعمالة للخارج، وهي أدوات الحرب هذه، والائتلاف الوطني لقوى المعارضة و(ب ي د) أصبحوا أدوات للخارج. التعويل الممكن والوحيد هو على الشعب وعلى القوى المستقلة، في الداخل وفي الخارج. قبل أي شيء. إن كل تحليل لا ينطلق من حاجات هذا الشعب سيُرمى في سلة القمامة؛ أي أن مهمة أي مشروع وطني، يستهدف نظامًا جديدًا، أصبحت طرح كل مشكلات السوريين، أينما كانوا، ورفض كل تسييس لتلك المشكلات، وكذلك رفض كل تطييف أو قومنة من ناحية أخرى. وهذا يعني أن سورية في أسوأ مراحلها؛ فلا الخارج يجلس وراء طاولة في غرفة، ولا يبرحها دون اتفاقٍ يُفرض على الجميع، ولا الشعب يمتلك مشروعًا وطنيًا يتحرك وفقه.


عمار ديوب


المصدر
جيرون