مدونة: سورية: الأسد في مأزق استراتيجي. وروسيا أيضًا؟



تميزت الأسابيع الأولى من العام الجديد، بقصف مكثف من طائرات بشار الأسد على مواقع المنتفضين السوريين، في “مناطق خفض التصعيد” (أي مناطق الهدن) وهجوم المنتفضين على القاعدة الجوية الروسية؛ ما أدى إلى اندلاع القتال تقريبًا في جميع أنحاء البلاد. والأهم من ذلك هو مشاركة الدول التي حاولت حتى الآن البقاء في الظل، وتنفيذ أجندتها من خلال حلفائها وأدواتها الفاعلة داخل سورية. والحديث يدور أولًا عن الولايات المتحدة و(إسرائيل) وتركيا. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استعداده لمهاجمة مواقع جيش الأسد. بالرغم من أنها مخيبة لروسيا؟

في الواقع، للوهلة الأولى، ليس هناك خطر مباشر على روسيا. هناك حسابات دقيقة للقوى العسكرية تجري في الكرملين، حتى لا تتم الإساءة إليها: بعد الضربة الأخيرة لجزء كبير من وحدات الدفاع الجوي السورية والمستودعات الإيرانية في سورية؛ اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فورًا ببوتين، لتوضيح الموقف والتأكيد على عدم إلحاق أي أضرار جانبية للقوات الروسية في هذا البلد. الزعيم التركي رجب طيب أردوغان فعل الشيء نفسه في بداية غزوه لجيب عفرين السوري. أما المتحدث باسم البنتاغون، فقد أشار إلى “إجراءات دفاعية” للولايات المتحدة والتحالف الدولي في دير الزور، وعلى عدم وجود رغبة للقيادة الأميركية في “البحث عن أعداء جدد”، طبعًا المقصود (في المقام الأول، بطبيعة الحال، تجنب المواجهة مع روسيا)، وكذلك القيام بعمليات هجومية في سورية. بدت هذه الإشارات للكرملين أنها إيجابية. حتى لو مات المواطنون الروس من القذائف الأميركية (وفقًا للمعلومات المتاحة من الشركة العسكرية الخاصة فاغنر). أي رسميًا لا تتأثر مصالح الدولة “السيادية” لروسيا في سورية. جاء ذلك في بيان ممثلة وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا الذي اعترفت فيه بموت الروس من الضربات الأميركية. ولكن هذا هو فقط للوهلة الأولى.

مع العلم، على الرغم من الخلاف الشديد مع روسيا، لا أحد يسعى إلى مواجهة عنيفة معها في سورية، ولكن ما يؤرق الكرملين زيادة مستوى تورط الولايات المتحدة و(إسرائيل) وتركيا (فرنسا حتى الآن بعيدة)، في القتال في أراضي هذا البلد العربي، مع عداء واضح للأسد. وهذا يعني تهديدًا متزايدًا ومباشرًا بتقليل قيمة “النجاحات العسكرية” التي حققتها “الترويكا الموالية لأسد”: (دمشق – موسكو – طهران). ونحن نؤكد أن المواجهة العسكرية مع وحدات “الترويكا” مستبعدة في الوقت الحاضر (ولكن في المستقبل لا يمكن استبعاد الاشتباكات الفردية المباشرة، والضربة الأميركية الأخيرة في دير الزور على قوات الأسد والروس تؤكد ذلك)، كما أن الآفاق الضيقة وحجم الضغط، والعوائق الصعبة تحول دون تنفيذ مخططات دمشق، في فرض سيطرتها الإقليمية (وإعادة سورية تحت سيطرتها): في الشمال، دخول تركيا إلى القطاع المعادي للأسد بمساندة من المعارضة السورية. إلى الشرق من الفرات: الولايات المتحدة والتحالف الدولي القائم على المنتفضين والأكراد؛ في الجنوب: (إسرائيل)، فإن سلاحها الجوي يضغط بشدة على الإيرانيين وغيرهم من التشكيلات الشيعية؛ الأمر الذي يخلق ظروفًا في جنوب سورية تكون مواتية للجماعات المناهضة للأسد.

الآن، بعد أن اختفت تقريبًا ذريعة تكثيف العمليات العسكرية الهجومية ضد (داعش) الجماعة (المحظورة، كما هو معروف في روسيا)، فرضت معادلات جديدة على المدى الطويل: طبعًا ليس من المستبعد شن هجوم مباشر على قوات الأسد في وسط سورية، وعلى القواعد الروسية في الغرب، وحاليًا لا توجد مؤشرات واضحة لمثل هذه الهجمات، ولكن لتقويض استقرار نظام الأسد في المناطق الواقعة تحت سيطرته، ستعمل الولايات المتحدة والتحالف الدولي (على تقديم المساعدة للمنتفضين) و”إسرائيل” (ستهاجم المنشآت الأسدية الإيرانية). ناهيك عن المنتفضين السوريين الذين من غير المرجح أن يدَعوا القواعد الروسية في غرب البلاد في سلام. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يعرف بعد كيف سيتصرف أردوغان، في حالة تفاقم الوضع في المناطق القريبة من تركيا ذات الأهمية البالغة والتي أشار إليها.

بعبارة أخرى: حتى في حالة الجمود، أي في غياب العمليات الكبيرة، فإن استراتيجية الجمود للترويكا الأسدية ستقع في مأزق. أما المعارضون “للترويكا” فعلى استعداد للحفاظ على هذا الوضع الراهن طالما يريدون، دون الحاجة إلى تغييره بالقوة. أما “الترويكا” فعلى العكس من ذلك؛ إذ إن هذا الوضع هو خسارة استراتيجية، لأن أي تفعيل لأدوات قوتها خارج المناطق التي تسيطر عليها (نوع من الغيتو)، من أجل فرض هيمنتها والإعلان عن فوزها سوف تثير ردة فعل قوية (تذكروا الحادثة التي وقعت مؤخرًا في دير الزور).

أضف إلى ذلك أن المأزق الاستراتيجي “للترويكا”، من الناحية العسكرية، يكمله المأزق السياسي، وبطبيعة الحال، الاقتصادي: يبدو أن معارضي الأسد بين المنتفضين السوريين قد أدركوا حقيقة أنه في هذه الحالة، عندما يستمر المجتمع الدولي المطالبة برحيل الأسد كشرط لإعادة إعمار البلاد ودمشق ترفض؛ فإن الوقت يعمل لخصوم النظام السوري. وستبقى المطالبة بمغادرة الأسد في جميع الأماكن (جنيف وأستانا وسوتشي). إن المحاولات الأسدية بالحصول على منطقة غنية بالنفط أو الاستيلاء على مصنع صغير جاهز، تمامًا كمحاولته التصالح مع المنتفضين ببرميل متفجر (ناهيك عن الأسلحة الكيميائية)، كما أنه في “مناطق خفض التصعيد” سيلقى مقاومة شديدة من جانب الدور الجديد للولايات المتحدة و(إسرائيل) وتركيا (وفرنسا أيضًا على الطريق) أو المواجهة معهم مع نتائج معروفة مسبقًا. وفي ظل هذه الخلفية، تظهر آفاق قاتمة وغير سارة لروسيا في سورية. والخروج من هذا المأزق وحسب هو ضمان اتفاقات النظام مع المعارضة. هذا؛ إذا أرادت كل من دمشق وطهران.

العنوان الأصلي Сирия: Асад в стратегическом тупике. А Россия الكاتب اليكساندر شوميلين / Александр Шумилин المصدر مدونة الرابط https://echo.msk.ru/blog/shumilin/2148902-echo/ المترجم هادي الدمشقي


هادي الدمشقي


المصدر
جيرون