الفن السوري أين هو مما يجري في الغوطة؟



عبر سنوات الثورة السبع، وقف القليل جدًا من الفنانين السوريين إلى جانب شعبهم ضد الطاغية، وما زال هذا القليل وحده وسط عزوف الكثيرين عن فعل أي شيء أو إطلاق أي موقف، تعاطفًا أو تضامنًا مع ما يجري للشعب السوري، وبخاصة محرقة اليوم في الغوطة الشرقية، علاوة على أن الكثير من الفنانين السوريين راحوا يصطفون مع الطاغية، دون وازع من أخلاق أو ضمير. حول هذه المسألة سألنا بعض الفنانين السوريين الوطنيين، لماذا قصر الفن السوري والكثير من الفنانين في ذلك؟ ولماذا صمتوا أو انحازوا إلى جانب الطاغية والمجرم؟

الفنانة السورية واحة الراهب صاحبة المواقف الوطنية الجلية رأت، في حديث لـ (جيرون)، أن “عدد من وقف من الفنانين والفنانات مع الثورة لا يستهان به، رغم الثمن الباهظ الذي دفعوه من هجرة وتشرد وشبه توقف عن العمل، أي رغم انقطاع سبل العيش أمامهم، ومن وقف مع النظام هم القلة، لكن الرماديين هم النسبة الغالبة، رغم قناعتي بأن أيًا منهم صاحب ضمير هو بالعمق مع الثورة، ولا يمكنه إظهار موقفه، وذلك لأسباب عدة، أهمها ما سبق أن ذكرته من انقطاع سبل العيش أمام صاحب الموقف المبدئي والشجاع في كل مكان؛ إذ لا عمل له حتى في الدول المدعية صداقة الشعب السوري عمومًا، وثانيًا الخوف من إرهاب الدولة المطبق على كل صاحب موقف مع الثورة، إذا أراد البقاء في بلده، وهناك العديد من الفنانين المفقودين في سجون النظام، ممن وقف مع الثورة، وكذلك بسبب انتهازية البعض وارتزاقهم على حساب دماء شعبهم”. وترى أن “الأهم هو عدم امتلاك الثورة لمنبرها الإعلامي الخاص بها، وتبعيتها للآخرين الذين ساهموا في تشويه الثورة، وتسويق ما أراده النظام من سبغها بسمة التطرّف والأسلمة، وغير ذلك من سمات، تكرس ضياع هويتها التي انطلقت على أساسها الثورة من مبادئ الحرية والكرامة ودولة المواطنة، وأن يكون هذا المنبر صوت الثورة وأداتها الرئيسة، في تجميع وإطلاق كل الطاقات الفنية والفكرية الإبداعية التي كانت تزخر بها الثورة، ولم تجد لها متنفسًا ولا منفذًا للتعبير عن إمكاناتها بما يعكس حقيقة الثورة، ويصلح الصورة المشوهة التي كرسها الإعلام بمجمله، المحلي والعربي حتى العالمي”.

الكاتب الدرامي السوري محمد منصور تحدث لـ (جيرون) قائلًا: “لأن الفن السوري كان ارتباطه بالنظام وبنيته السلطوية أكبر من ارتباطه الحقيقي بقضايا شعبه ونسيجه المجتمعي. وأنا أعرف شخصيًا أن الغالبية العظمى من الفنانين، حتى الذين كانوا يدعون المعارضة أمثال بسام كوسا وجمال سليمان، كانوا لا يترددون حين تسنح لهم فرصة التقرب من أي ضابط أمن كبير. ناهيك عن فنانين آخرين، طالما افتخروا بمقابلة (العميد ماهر الأسد) أو سواه لإلقاء النكت أمامه وإضحاكه، كما كان يفعل باسم ياخور وأيمن رضا، على سبيل المثال لا الحصر. فما بالك بأولئك الذين جاؤوا من بيئة مخابراتية وبعثية، وكانوا يهددون الناس علنًا، ويتبجحون بصلاتهم الأمنية كزهير رمضان وبشار إسماعيل وأحمد رافع؟”. وتابع منصور: إن “النفاق والتلون الحرباوي حسب الحالة، وتضخم الأنا والاستعلاء على عامة الناس، هي قيم سائدة بعمق، في الوسط الفني السوري. وهي الوجه الآخر للتواضع الكاذب والعبارات المنمقة أمام الكاميرات، وهي غالبًا ما تأتي مصحوبة بكم من الجهل والضحالة الفكرية التي تجعل الكثير من الفنانين، ولو أعجبتك أصواتهم وأشكالهم ومواهبهم الفنية، طبولًا فارغة. إن الفن الذي هذا هو حاله، والذي كان يوظف تطور حرفيته وضخامة إنتاجه، من أجل أن يحقق مجدًا شخصيًا لبعض صناعه من جهة، وتصدير صورة عن انفتاح النظام ورعايته للفن التقدمي العلماني الذي يواجه المجتمع المتخلف، لن يقف مع ثورة الانضمام إليها ليس نزهة ولا دورًا تمثيليًا.. بل يستوجب دفع أثمان باهظة، يدعمها إيمان عميق بالانتماء إلى هذا الشعب. وهو ما لم يستطع دفعه إلا قلة من الفنانين”.

الفنانة السورية نسيمة ضاهر تحدثت لـ (جيرون): “حقيقة، إن الفنانين جزء من المجتمع، بعضهم آمن أن الفن رسالة وأنهم من الناس، وليس الناس مجرد جمهور يصفق لهم، والبعض الآخر اعتبر أن الجمهور هو الناس الذي يحكي آلامهم، ولأننا في مجتمع مقموع ليست لديه أبجدية ألف باء السياسة؛ فإن الناس تنحاز إلى القوي، لأننا تعلمنا أن القوي (سوبرمان) لا يمكن القضاء عليه”. ثم تابعت: “في كثير من الأعمال الدرامية، هناك خط أحمر ممنوع تجاوزه يسمح ببعض التنفيس، ولكن لا يسمح بأن يتحول الفن والفنانون إلى طليعة، والناس اعتقدت في ذلك التنفيس أن في الفن حرية”.

من جانب آخر، يعتقد فنان الكاريكاتير خالد قطاع أن “أغلب الفنانين في الدراما السورية لديهم ارتباطات وعلاقات معلنة وغير معلنة مع المتنفذين في السلطة، وخصوصًا من نجوم الصف الأول، وهذه العلاقة إما تبعية، وهي على الأغلب، أو شراكة في الإنتاج، أو في أعمال أخرى مشبوهة غير أخلاقية، كون هذا الوسط فيه من الانحلال الشيء الكثير، وأجد أن وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة الثقافة في سورية المحتلة، هي جهات مدجنة بمتابعة الأجهزة الأمنية، مثلها مثل وزارة الأوقاف التي تُخرج مدعي مشيخة ودين، دورهم الرئيس تخدير المجتمع باسم الدين وفصلهم عن الواقع والسياسة”. وأضاف قطاع: “المطلوب من الفنانين المدجنين في عهد الأسد إلهاء الشعب وتسليتهم عن واقعهم، ولو تمّ النقد قليلًا في فترة الأسد الابن كنموذج (مسلسل بقعة ضوء)، ولكن ضمن حدود ومتطلبات ما يُدعى (انفتاح) في ذلك الوقت، ومع ذلك نجد أن أغلب فناني هذا المسلسل الذين نقدوا سلوكيات النظام حتى هويته الطائفية، انحازوا إلى النظام في ظل الثورة، هذا يعني أنهم يمثلون على الشعب ولا يمثلون من أجل الشعب، وذلك من أجل مصالحهم، وهم الأغلبية، وبعضهم الآخر بسبب خوفهم على حياتهم وأمنهم الشخصي، وبالتالي من انحاز مع الثورة من الفنانين هم أبطال حقيقيون؛ لأنهم انتصروا لقيمهم على مصالحهم”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون