كارنغي/ مركز موسكو: ما الذي يُخشى منه بعد مقتل الروس في سورية!



على خلفية عدم الثقة السائد بين الوسطاء، يصعب تصديق إمكانية وجود بحثٍ فعال عن حل سياسي للأزمة. فأي استفزاز يمكن اتخاذه ذريعةً لقيام التحالف الدولي بعمليات عسكرية ضد قوات النظام السوري. فهذا السيناريو المؤجل مؤقتًا، بسبب الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية”، أصبح يناقش بكثافةٍ على وسائل الإعلام استنادًا إلى مصادر أميركية وفرنسية.

طيلة هذا الأسبوع، كان الموضوع الأهم هو كم قُتل من الروس، في محافظة دير الزور من جراء الهجمة الأميركية 7-8 شباط. سقوط قتلى روس أمرٌ لا يرقى إليه الشك، والحديث يدور فقط عن العدد الذي يراوح بين خمسةٍ إلى بضع مئات. ولكن هناك عدة أسئلةٍ مهمة تراجعت أهميتها على ضوء مقتل الروس. ومن بين هذه الأسئلة: ما مدى تنسيق العمليات في سورية بين موسكو وواشنطن، ومدى سيطرة كل منهما على حلفائها؟

عبور نهر الفرات

بحسب معلومات الأمم المتحدة، قُتِل أكثر من ألف مدني في سورية، من جراء الضربات الجوية خلال الأسبوع الأول من شهر شباط فقط. وهذا من أعلى معدلات الموت خلال السنوات السبع للنزاع السوري. كما تم خلال الأسبوع نفسه إسقاط طائرة روسية وطائرة إسرائيلية، إضافة إلى إسقاط مروحية تركية وطائرة إيرانية موجهة.

حول جميع هذه الأحداث، أعلن المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا أن الوضع الحالي هو الأسوأ خلال سنوات الأربع من وجوده في مهمته. وبرأيه، فإن تصعيد العمليات العسكرية يهدد الاستقرار الإقليمي، ويقوض جهود تسوية النزاع سلميًا.

تؤكد وسائل الإعلام أن سبب اندلاع المعارك التي سقط فيها مواطنون روس، يعود إلى الصراع للسيطرة على حقول النفط، التي انتزعتها (قوات سورية الديمقراطية) من تنظيم (داعش) في أيلول/ سبتمبر من العام الفائت. وهناك رواية يتم تداولها تقول إن أحد شيوخ قبائل المنطقة وعد بتسليم الحقول للحكومة السورية أو لرجال أعمالٍ مقربين من دمشق. فهل كان الأمر كذلك، أم أن الرغبات قد جرى تصويرها على أنها حقائق؟

يقول الأميركيون: إن “الهجوم على مقر (قوات سورية الديمقراطية) في محافظة دير الزور هو عمل استفزازي”. كما تقول رواية العسكريين الأميركيين إن مجموعة من 500 مقاتلٍ، تدعمها الدبابات والمدفعية، عبرت إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، وبدأت التحرك باتجاه مواقع (قوات سورية الديمقراطية)، وقد قتل منهم 100 شخص نتيجة الضربة الأميركية.

أشار قائد عمليات القوات الجوية الأميركية في سورية الجنرال جيفري هاريغان، إلى أن طائراتٍ حربية وموجهة تابعة للتحالف كانت في الأجواء تقوم بدورياتٍ روتينية، عند بداية هجوم القوات الحكومية؛ “عبر خطوط التواصل المخصصة لتسوية الأوضاع الطارئة، اتصلنا فورًا بالروس لإبلاغهم عن الهجوم الاستفزازي على مواقع (قوات سورية الديمقراطية) والتحالف. بعد هذه الاتصالات، صادقت قيادة التحالف على إنزال ضرباتٍ بالقوات المعادية”، قال الجنرال في إيجازٍ صحفي عُقد في البنتاغون في 13 شباط/ فبراير. وأوضح هاريغان أن الهجوم لم يكن مفاجئًا، إذ كان التحالف يتابع زيادة العناصر والآليات طيلة أسبوع، وأخبرنا الروس بوجود (قوات سورية الديمقراطية) والتحالف في المنطقة.

بدأ عبور الفرات قبل يومين من هذه الأحداث، ولكن التحالف لم يتدخل إلا عندما اجتازت قوات الأسد خطًا أحمر ما، قرب بلدة الخشام، بمشاركة مجموعات مختلفة موالية للنظام، من ضمنها الموالية لإيران، بحسب وسائل إعلام عربية.

وقد أكدت وزارة الدفاع الروسية مشاركة جيشٍ غير نظامي في الحادثة، ولكن منطق الوزارة بشأن ذلك مختلف تمامًا وكذلك بخصوص عدد القتلى. فموسكو تقول إن الهجوم شن على القوات الحكومية، عندما كانت تهاجم خليةً نائمة تابعة لـ (داعش)، في منطقة معمل تكرير النفط في (الحسبة) في المحافظة. عدا ذلك، تقول وزارة الدفاع أن العملية لم تنسق مع القيادة العسكرية الروسية. أي أنها نأت بنفسها على الفور.

إحصاء القتلى

في الوقت نفسه، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أنباءٌ عن مقتل مواطنين ناطقين بالروسية (روس، أوكرانيين وربما من جمهوريات سوفيتية سابقة)، وأوردت أرقامًا: من 100 إلى 600 مقاتل من الشركة العسكرية الخاصة (فاغنر). فيما بعد ظهرت تسجيلات صوتية، تتحدث عن المعارك وعن مئات الجرحى الذين نُقلوا إلى مشافٍ عسكرية في موسكو، بطرسبرغ وغيرها من المدن الروسية.

قال أحد مقاتلي (فاغنر) السابقين لصحيفة (كومرسانت) إنه تواصل مع بعض الجرحى الراقدين في أحد المستشفيات والذين شهدوا المعركة. وبحسب كلامه، تعرضت للقصف مجموعة من 600 مقاتل من (فاغنر) غالبيتهم من الناطقين بالروسية، وقسم من صائدي “داعش” (ما يشبه القوات الخاصة) والذين لا ينتمون رسميًا للجيش السوري.

في وقتٍ لم يؤكد الأميركيون حتى الآن مقتل الروس، وصفت وزارة الخارجية الروسية الأنباء عن مقتل عشرات ومئات الروس، بالأنباء “المضللة”. أما وسائل الإعلام العربية فقد تناقلت وكررت المعلومات حول مقتل الروس استنادًا في الغالب إلى مصادر روسية وغربية.

بعد مرور أسبوعٍ على هذه الأحداث، أصبحت أسماء 8 قتلى معروفةً. وأكدت مصادر صحيفة (كومرسانت) مقتل 11 شخصًا من الناطقين بالروسية، بينما تقول مصادر صحيفة (نوفايا غازيتا) أن العدد 13. من جانبٍ آخر، انتشرت أنباءٌ عن توقيع عناصر من (فاغنر) على عقودٍ مع شركة (يورو بوليس). وبحسب موقع “фонтанка .ru “، وقعت الشركة، في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2016، عقدًا مع الحكومة السورية، تتعهد الشركة بموجبه باسترجاع المواقع النفطية من الإرهابيين، ومن ثم تولي حمايتها مقابل تقاضيها 25 بالمئة من عائدات النفط والغاز المستخرج. كما ينص العقد على حصول الشركة على تعويض للنفقات التي تتطلبها المعارك. بالطبع، لم يتم تأكيد هذه الأقوال رسميًا. من المعروف فقط، أن وزير النفط السوري علي غانم قد زار موسكو، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، حيث تطرقت المباحثات إلى مشاريع الشركات الروسية مع التشديد على أمن أنشطتها.

وبالعودة إلى أحداث دير الزور، وبحسب مدير المرصد السوري، فإن الشركة “تقوم بحماية الحقول النفطية الوقعة تحت سيطرة القوات الحكومية”، وأن وجودها قد يكون مرتبطًا بـ “محاولات النظام الاستيلاء على حقل النفط (كوريكو) الذي تسيطر عليه (قوات سورية الديمقراطية). وكان المرصد السوري قد تحدث عن مقتل 45 شخصًا من جراء ضربات التحالف الأميركي، من دون تحديد جنسياتهم، غير أن صدقية المركز كانت عرضةً للتشكيك عدة مرات من قبل المسؤولين الروس وكذلك من دمشق.

لم يحصل اتفاق

إلى جانب التساؤلات المحيطة بمقتل المواطنين الروس في سورية، والوضع القانوني للشركة العسكرية الخاصة، تبرز تساؤلات أخرى. من بين هذه التساؤلات مدى قدرة روسيا في السيطرة على أفعال حلفائها في النزاع السوري؟

ليس هناك ما يدعو إلى الدهشة، في كون التشكيلات المسلحة حليفة النظام لا تنسق مع القيادة السورية والروسية. فهذه التشكيلات تحصل على تمويلها من رجال أعمال محليين، وتحرص على تحقيق مصالحهم. كما تعدّ الكتائب الشيعية الموالية لإيران كتائب مستقلة، تعمل بتعليماتٍ إيرانية. غير أن هذا لا يعني غياب التنسيق بالمطلق، ولكن وسائل التأثير وإمكانية الاتفاق قد لا تتوفر على الدوام.

يؤكد الأميركيون أنهم نقلوا تحذيراتهم للجانب الروسي، خلال الأسبوع الماضي. فهل كان بإمكان موسكو التدخل؟ وهل كانت لديها الرغبة في ذلك؟ وهل أبلغت الحكومة السورية روسيا بمخططاتها؟ وما صحة الرواية التي ساقتها سورية بخصوص استهداف العملية التي بدأتها لخلايا نائمة تابعة لتنظيم (داعش)؟

في موسكو، كانوا يرون، على الدوام، أن حقول النفط وكافة المواقع الاستراتيجية المهمة يجب أن تعود إلى سيطرة الحكومة السورية الشرعية. ولهذا لم يكن من قبيل الصدفة، عندما أشارت وزارة الدفاع الروسية، في تعليقها على الهجوم الأميركي، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تحارب (داعش) على الأراضي السورية، ولكنها تستولي على “أصول البلاد الاقتصادية”.

ومن هنا، يمكن القول إن تصرفات القوات الموالية للنظام تبدو منطقية، من وجهة نظر السلطات الروسية التي تعاملت بهدوءٍ شديد مع الواقعة، خلافًا لما كان متوقعًا. تؤكد موسكو أنه لم يجر التنسيق معها بشأن العملية، ولكن الجدل مستمر بين الدبلوماسيين الروس والأميركيين حول ما جرى: هل كان التصرف الأميركي دفاعًا عن النفس أم أنه هجومٌ استفزازي.

يدور جدل بين موسكو وواشنطن، حول من يستطيع السيطرة على حلفائه في سورية. تُوجه الانتقادات لروسيا، بسبب هجوم القوات الموالية لدمشق في دير الزور وفي مناطق خفض التصعيد، وتطلق اتهاماتٌ ضد إيران، وخاصةً إطلاق الطائرات الموجهة نحو (إسرائيل)، الذي كاد أن يكون سببًا في فتح جبهة قتالٍ جديدة. كما أن روسيا تطالب الأميركيين وغيرهم من أطراف الصراع، بالـضغط على المعارضة لتوقف عملياتها القتالية وللتوقف عن استفزاز القوات السورية.

اسم المقالة الأصلي Бесконтактные бои. Чего опасаться после гибели россиян в Сирии كاتب المقالة  ماريانا بيلينكايا مكان وتاريخ النشر كارنغي/ مركز موسكو. 15 شباط 2018 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/75552  ترجمة  سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون