خُلبية القرارات الدولية تُريح الأسد



لا شيء يُجبر نظام بشار الأسد على تنفيذ أي من القرارات الدولية، خصوصًا المتعلقة بالجوانب الإنسانية، أو تلك التي تُحاول منعه من تنفيذ جرائم ومجازر بحق الشعب السوري؛ لأن راعي جرائمه قوة عظمى، عضو دائم في مجلس الأمن، يوفر حماية مطلقة لهوسه ومرضه، وبالتالي يُرضي هذا الهوس والجنون نزعةَ استعادة الهيبة الروسية المقترنة مع جرائم لا تتوقف.

حين كان أعضاء مجلس الأمن يرفعون أيديهم بالموافقة على القرار 2401، كانت قذائف الفوسفور الأبيض تنزل على قرى وبلدات الغوطة الشرقية، وعندما طلع فجر اليوم التالي، كانت القاذفات الروسية والأسدية تتسبب بمقتل عشرات المدنيين، في حين تشن عصابات الأسد وحليفها الروسي هجمة متعددة المحاور على الغوطة، تنفيذًا لسيناريو حلب الذي روّج له لافروف؛ فما جدوى صدور القرارات الدولية التي يسهم عدم تنفيذها بإزهاق مئات آلاف الضحايا؟

منذ القرار الدولي الأول الذي نجح مجلس الأمن في تمريره، في 14 نيسان/ أبريل 2012، وحمل الرقم 2042 لإرسال مراقبين عسكريين غير مسلحين إلى سورية لمراقبة الأنشطة العسكرية، نجح المجلس بتمرير عدة قرارات دولية، منها القرار الشهير 2139 الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية، مع أن مداولات هذا القرار أخذت شهرين داخل أروقة الأمم المتحدة، وتم إقراره في 22 شباط/ فبراير 2014، أي قبل أربعة أعوام، فإن القرار الذي فاقت أهميته وشهرته ما سبقه من قرارات، هو المتعلق باستخدام السلاح الكيميائي والذي حمل الرقم 2209، وأدان بموجبه استخدام السلاح الكيميائي وهدد باستخدام القوة؛ إذا استُخدمت الأسلحة الكيميائية مرة أخرى في الصراع.

بالأمس، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2401، وهو لا يختلف عن القرار 2139، في نصوصه التي صيغت قبل أربعة أعوام، ففضلًا عن عشرات البيانات الرئاسية الصادرة عن المجلس، وبعض القرارات التي مررت بعد تدخل (فيتو) موسكو وبكين عليها منذ ستة أعوام، ما تزال القرارات الدولية مصدر عجز بغياب الأدوات التنفيذية؛ فالقرار 2209 في آذار/ مارس 2015 الذي يدين استخدام السلاح الكيميائي، ويُهدد باستخدام القوة مثل القرار الذي تبعه وحمل الرقم 2235، ويشير إلى إنشاء لجنة تحقيق تتقصى حول استخدام السلاح، أجهض تنفيذه مع بقية القرارات، بفعل ممارسات الاحتلال الروسي.

هناك قرارات تشابه وتطابق القرار 2401 حول وقف النار مثل القرار 2254 و2268، وكلاهما صدر في العامين 2015 و2016، بمعنى أن الأعوام الستة الماضية، بمداولاتها الدولية ومناشداتها وقراراتها، كانت تعني شيئًا ثابتًا للنظام السوري: المضي قدمًا بتنفيذ وإكمال الجرائم لا وقفها. وإذا كانت المسائل الإنسانية تحتاج إلى قرارات دولية، لتشجيع قاتل وسفاح على أن يكون إنسانيًا في تقديم الغذاء والدواء، والسماح للمرضى والأطفال والنساء بالحصول على الأمن والصحة، وتحتاج إلى جهد متواصل على مدار الساعة، لمناشدة مهووس الامتثال لإنسانية هو يفقدها ويحاربها؛ فأي خير سيأتي من هذه القرارات!

توثيق السوريين لآلاف الانتهاكات، ومشاهدة العالم كله لحرب الإبادة المتواصلة، في كل المناطق السورية، وعجز المجتمع الدولي عن محاسبة مجرم وفاشي بحجم الأسد، له تفسير واحد: أن المطلوب تنفيذه من سفاح السوريين لمّا يُنجز بعدُ، بما يناسب المصالح الدولية. تكفي مشاهدة مندوب السفاح في جلسة مجلس الأمن، أو في كل الجلسات السابقة، محاججًا ومدافعًا عن جريمة نظامه، أمام مجتمع دولي يفترض أن يطرد أي ممثل للقاتل، ويعمل على استصدار قرارات فورية، تبيح لكل العواصم الدولية إنشاء محاكم تعمل على إدانة مسؤولي النظام المشاركين في الجرائم والمدافعين عنها، على غرار محاكم (نورمبيرغ). السوريون بحاجة إلى محاكمة الأسدية، وليسوا بحاجة إلى قرارات خُلبية تحمي سفاحهم، لن يتوقف المهووس بالأبدية عن قتل المزيد، هذا ما أثبتته تجارب السنوات السابقة، ويثبته السفاح كل لحظة.

لن يحمي السوريين سوى قرارهم بمحاكمة الأسدية، يعرف الطاغية أن عداوته ليست مع مجلس الأمن أو المجتمع الدولي، بل هي عند مَن يريد أن يحاكم الطاغية، في كل ميادين سورية التي تنزف دمًا، ثمنًا لجرأة الجهر بحرية سورية دون أن يكون للأسدية أبدُ، جرأة كلفت ملايين الضحايا. وما تلك الوحشية المستمرة سوى رد بائس لأوهام، لن ينفع معها بعد كل هذه الجرائم أي من الفرص الممنوحة للأسد الصغير، ولن يحمي أخلاقَ الإنسانية وضميرها سوى العمل على محاصرة الأسدية ومحاكمتها.


نزار السهلي


المصدر
جيرون