قرار مجلس الأمن 2401 بين مسؤولية الحماية ومواصلة إدارة النزاع في سورية



صادق أعضاء مجلس الأمن الدولي، يوم السبت 24 شباط/ فبراير، بالإجماع على مشروع القرار الذي تقدمت به كل من دولة الكويت والسويد، بشأن وقف إطلاق نار شامل في سورية لمدة 30 يومًا. وقد اعتمد القرار تحت الرقم 2401، وهو يقضي برفع الحصار عن كافة المناطق المحاصرة، وتسهيل مهمات منظمات الإغاثة الإنسانية في إيصال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين. ومن شأن التزام أطراف النزاع بتطبيق بنود القرار أن يفضي إلى رفع الحصار عن جميع المناطق، بما فيها الغوطة الشرقية التي يحاصرها النظام منذ عام 2013. وقد تضمن القرار نصًا واضحًا، حول عدم سريان وقف الأعمال العدائية على العمليات العسكرية ضد الجماعات التي صنفها مجلس الأمن بالإرهابية، كـ (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام/ داعش)، و”القاعدة”، و”جبهة النصرة”، وكافة المشاريع والكيانات المرتبطة بـهذه التنظيمات. هذا الأمر، بحد ذاته، يبقي الباب مفتوحًا للذرائع حول انتهاك المتحاربين لوقف إطلاق النار.

يُطالب القرار كافة أطراف النزاع في سورية، بوقف الأعمال العدائية على الفور، وضمان الوصول الآمن لمساعدات الإغاثة الإنسانية والخدمات الطبية إلى المدنيين، وإجلاء المرضى والجرحى، وفق قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني. وأكد القرار 2401 على واجبات جميع الأطراف، وبخاصة النظام، بالوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، وتحديدًا القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بشكل فوري وغير مشروط، وتأمين الحماية للمدنيين، وموظفي منظمات الإغاثة الإنسانية والطواقم الطبية، ووسائل نقلهم ومعداتهم وللمستشفيات وللمرافق الطبية الأخرى.

إلا أن تصريحات بعض مندوبي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تدلل على تضارب مصالح القوى العظمى، وبالمحصلة تبرير تجاهل واجباتها والتزاماتها الإنسانية تجاه الأبرياء السوريين. ففي حين أبدت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هالي تشككها بالتزام نظام الأسد بوقف إطلق النار، قال المندوب الروسي فاسيلي نيبنزيا إن بلاده وافقت على القرار لدواع إنسانية، وشكك في إمكانية تطبيقه، داعيًا الجماعات المسلحة إلى التوقف عن وضع القواعد العسكرية في المناطق المدنية والمدارس والمستشفيات.

يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية حماية المدنيين والأبرياء، إذ يؤكد قرار المجلس 1674 على مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة، وزجر أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بوصفها تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين. وانطلاقًا من مبدأ مسؤولية الحماية، ينبغي على المجتمع الدولي استخدام الوسائل الدبلوماسية والإنسانية المناسبة لحماية السكان من هذه الجرائم. وفي حال عجزت أي دولة، أو تقاعست، عن حماية سكانها؛ يتعين على المجتمع الدولي المبادرة لحماية السكان وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.

لكن التدخل الدولي الإنساني ينطوي على إشكالية مثيرة للجدل. فممارسات الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية، منذ انتهاء الحرب الباردة المتمثلة بالتدخل العسكري بدعوى حماية حقوق الإنسان، كان مردها مصالح سياسية لا اعتبارات إنسانية، فضلًا عن استخفاف هذه القوى بحقوق الإنسان، وإجهاض بناء نظم ديمقراطية لا تتماشى مع مصالحها السياسية والاقتصادية. ففي رواندا مثلًا، تقاعس المجتمع الدولي عن التدخل لحماية الأبرياء، بسبب رفض الولايات المتحدة، بالرغم من العلم المسبق بأن ثمة فضائع ستحدث. ولذلك، هنالك اعتقاد راسخ بأن التدخل الإنساني يستغل في أحيان كثيرة كوسيلة للتسلط، الأمر الذي يزيد من الفوضى الدولية. وما من شك أن التدخلات العسكرية التي حدثت، خلال العقود السابقة، كانت لمصلحة الدول الكبرى القائمة بالتدخل، أكثر منها لوقف الفظائع وحماية السكان أو المساعدة في الاستقرار وإعادة البناء، حيث تعسف المتدخلون في استخدام القوة، في معظم الحالات (العراق، ليبيا، البوسنة، أفغانستان، كوسوفو، اليمن)، وكانت الكثير من التدخلات التي تمّت، تحت غطاء الإنسانية، بمثابة ذرائع لحماية مصالح الدول المتدخلة.

رغم أهمية وضرورة التدخل العسكري الإنساني، فإن الإزدواجية في المعايير تجعله أمرًا شائكًا، من حيث إقامة الحد بين الاعتبارات الإنسانية والمصالح السياسية. وعلى ضوء استمرار غياب سلطة مركزية في النظام الدولي للنظر في سلوكيات الدول بتجرد وبموضوعية، يبقى التدخل الإنساني غطاء لغايات سياسية واقتصادية، ويستخدم ضد الدول الضعيفة بصورة انتقائية عند غياب مسوغات أخرى لاستخدام القوة. من هنا لا بد من تخليص التدخل الإنساني من الاعتبارات السياسية، وإتاحة التدخل الإنساني، بموجب قرار صريح ومسبق من مجلس الأمن، لأسباب إنسانية بحتة، يقتضيها واجب ومسؤولية الحماية.

إن درجة العنف في سورية، والفظائع المرتكبة بحق الأبرياء، باتت تستدعي من المجتمع الدولي التحرك الفوري والجاد، لحماية السكان من الفظائع والجرائم الخطرة التي يرتكبها طرفا النزاع. ولكي يكتسب التدخل مشروعية، يتعين أن يتم بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، يقتصر على حماية المدنيين، ووقف الحرب، ومساءلة جميع الضالعين بارتكاب جرائم خطيرة أمام محكمة الجنايات الدولية، والمساعدة في إعادة بناء سورية.

إن الأساس القانوني للتدخل العسكري في سورية، بموجب الفصل السابع، لغرض الحماية متوفر بقوة، لكن تحقيقة مرتبط بتطبيق القانون الدولي بعيدًا عن المصالح السياسية. غير أن هذا الأمر هو في غاية الصعوبة، بسبب الدوافع السياسية للقوى العظمى والإقليمية. ولذلك يجري تبرير (الفيتو) الروسي والصيني الوضع في سورية، بذريعة عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، لكن ليس لهذا التبرير ما يسنده في القانون الدولي، لأن استخدام الفيتو هو لمصالح سياسية أيضًا.

يحتاج قرار التدخل العسكري في سورية إلى موافقة جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وعلى ضوء رفض روسيا والصين؛ فإن مشروعية التدخل -من دون موافقة صريحة من مجلس الأمن- ستكون محل شك، وفي هذه الحالة ليس هنالك من ضمانة بأن التدخل الأحادي سيوقف المعاناة الإنسانية للسكان، بل من المحتمل أن يفاقمها، على غرار ما يحدث في سائر أنحاء سورية، من جراء التدخلات الأحادية للقوى العظمى والإقليمية بدافع المصلحة لا الإنسانية.


نزار أيوب


المصدر
جيرون