“يا إلهي! كم هي بائسة روسيا!”



بعد الحرب العالمية الثانية؛ عُقد على التوالي مؤتمران، بحضور ملوك الحرب: ستالين، روزفلت، تشرشل. وناقشا كيفية تقسيم ألمانيا المهزومة، ومقاضاة قادتها النازيين، بتهمة ارتكاب جرائم غير مسبوقة! فهل يستطيع بوتين أن يفعل ما فعله ستالين في مؤتمر “يالطا” التي تقع –أيضًا- على البحر الأسود، ولا تبعد كثيرًا عن منتجع سوتشي، ومؤتمر “بوتسدام” المدينة التي لا تبعد إلا قليلًا عن برلين الألمانية؟

الجواب -حتمًا- لا، ليس فقط لأن الظروف التاريخية والدولية اختلفت؛ بل لأن جدار برلين سقط، وسقطت معه الحرب الباردة والاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي.

يومها، خرج ستالين من الحرب منتصرًا على النازية، فعلى مَن انتصر السيد بوتين، منذ توليه السلطة في عام 2000، إن لم يكن على شعبه الروسي والشيشاني، وجيران شعبه القوقازي والأوكراني ثم السوري..!

طالب ستالين بنزع السلاح و”تحويل السيوف إلى مناجل”، بينما تحول بوتين إلى تاجر سلاح، وراح يجربه علينا، كما فعل من قبلُ في غروزني وجزيرة القرم وغيرها!

دعَم ستالين حركات “التحرر من الاستعمار”، وساند “كفاح الشعوب من أجل استقلالها”، ووقف إلى جانب “الدول النامية ودول عدم الانحياز”… فمَن يدعم السيد بوتين اليوم، ومع من يقف، وضد من؟؟

كانت الشيوعية الستالينية، في أوجها التنظيمي والأيديولوجي، مهيمنة على أوروبا الشرقية، صديقة لأكثر من نصف آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، والأحزاب الشيوعية التابعة لها… فمن هم أصدقاء روسيا اليوم!؟ آلصين التي باتت تحلق في عالم آخر من التطور التكنولوجي والصناعي، أم مافيات النفط والغاز، المحلية والدولية، أم كوريا الشمالية التي آثرت أن تتحول إلى مملكة، وتحوّل “مناجلها إلى سيوف”، وتقايض القمح والأرز بالسلاح الفتّاك، أم إيران الخمينية الطائفية التي استبدلت الدولة المدنية بالدولة الدينية، أم كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، وغيرها من بقايا الدول الـ “معادية للإمبريالية”، والتي يحكمها -كلها دون استثناء- طغاة مستبدون معادون لشعوبهم فقط، وأصدقاء لروسية البوتينية؟

كانت الشعوب السوفيتية التي ضحت بأكثر من عشرين مليونًا من أبنائها -في الحرب الثانية وحدها- ترزح مثل نطع، تحت نصل المنجل وفولاذ المطرقة الستالينية، وعندما أرادت -بعد أكثر من سبعين عامًا- الحصول على حريتها؛ حصلت على استبداد ثنائي خبيث، بمؤخرتين ورأس واحدة (بوتين/ مدفيدف)، يتبادلان الأدوار على كرسي القيصر ورئاسة الوزراء “مرة من فوق ومرة من تحت”!! أليس هذا مضحكًا وأشد مرارة من نطع الأمين العام للحزب ودكتاتورية البروليتاريا؟

منذ أن اتخذ النظام السوري قراره بـ “رمي العربة مع الطفل”، المدن السورية العريقة تدمّر “عربة تلو عربة”، ويُهجّر سكانها “تغريبة تلو تغريبة”، بـ “الفيتو” الروسي والسلاح الروسي، والطائرات والصواريخ التي تطلقها البوارج الحربية الروسية..

أسس ستالين البنية التحتية للصناعة، وكان أول من أمر بصناعة قنبلة نووية، وأول من حلّق في الفضاء الخارجي، وأول من دار حول الكرة الأرضية، وجعل بلاده ثاني قوة عظمى في العالم. فهل نلقي التحية والسلام على ذلك الرفيق الذي أسس -كذلك- البنية الفوقية للاستبداد والطغيان الفج! هل نترحم على من أخفق في النّيل من جمال الشاعرة آنا أخمتوفا، وجوزيف برودسكي، وقتَل وطارد الآلاف من المبدعين والمفكرين والعلماء والفلاسفة، أمثال أوسيب مندلشتام، وبوريس بسترناك، ومارينا تسفيتايفا، وفسيفولد ميرخولد… أم أن ذلك الجد المؤسس للطغيان، لو بقي حيًا؛ لفعل ما يفعله حفيده، ولوقف –كما كان يفعل دائمًا- ضد الشعوب التواقة للحرية والكرامة؟

عندما اطّلع ألكسندر بوشكين، على فصول ملحمة (النفوس الميتة)، لـ نيقولاي غوغول؛ قال عبارته الحزينة: “يا إلهي! كم هي بائسة روسيا!!“، وما تزال صرخة أعظم شعراء روسيا تدوّي في سمائها، منذ مئتي عام حتى اليوم.


غسان الجباعي


المصدر
جيرون