‘صحيفة اللوموند: سورية، وعاء تعقيدات الشرق الأوسط اللامتناهية’
26 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
حروب سورية الثلاث
نظام الأسد ضد المتمردين الإسلاميين، والأتراك ضد الأكراد، والإسرائيليون ضد الإيرانيين
بعد الحرب يأتي السلام، بصورة عامة. وأحيانًا، هناك التصالح أيضًا. بهذا المعيار، تعتبر سورية أكثر من أي وقت مضى في حالة حرب. وبقاء نظام بشار الأسد، قيد الحقن الروسي-الإيراني، بات على وجه الاحتمال مضمونًا.
سوى أن السوريين كل يوم يُقتلون بالعشرات، ويجرحون بالمئات، ويقذف بالآلاف منهم على طرقات البلاد. فإلى نيران الصراع الرئيس التي لا تزال وهّاجة -الصراع القائم بين دمشق وبقايا تمرد يسيطر عليه الإسلاميون- يُضاف صراعان آخران: المعركة التركية-الكردية والصدام الإيراني-الإسرائيلي. وهو ما يعني ثلاث جبهات حرب من أجل سورية، التي تبدو في هذا المجال وعاء تعقيدات المنطقة اللامتناهية.
لم تكن روسيا، بوصفها قوة الوصاية على القضايا السورية، تطلب كل ذلك. إنها تقدِّر مسؤولياتها، وها هي تقوم بدور الحكم. لكنها تخاطر مخاطرة كبرى: أن تتجاوزها لعبة القوى المحلية التي تهيمن عليها أقل مما تظن.
في الغوطة وفي إدلب، سيل من النار
الجبهة الأولى، والأكثر دموية، هي هذا السيل من النيران الذي يتساقط منذ عدة أسابيع على آخر الجيوب المتمردة: الغوطة الشرقية، بالقرب من دمشق، ومنطقة إدلب، في الشمال الغربي من البلاد. قصف جوي، روسي وسوري، وقصف كثيف بالمدافع، يستهدف المستشفيات، والسكان المدنيين الذين وقعوا في الفخ. تقول الأمم المتحدة إنه “أسوأ وضع إنساني منذ عام 2015″، “معاناة إنسانية غير معقولة”، “مذبحة”.
خلال شهر كانون الثاني/ يناير وحده، قتل 744 مدني -من الرجال والنساء والأطفال- كما يؤكد مصدر من المنظمات الإنسانية. والذين استطاعوا، هربوا من حصار الغوطة حيث يخيِّم الجوع، كي يلجؤوا إلى إدلب التي تعيش على إيقاع قصف القنابل. مأساة لا متناهية، تستأنف باستمرار منذ عام 2012، كانت أيضًا مأساة الموصل في العراق، إذ يبدو أن تواجد الجهاديين وحده يبرر عذاب المدنيين.
في هذه المعركة، يقف الروس والإيرانيون إلى جانب محميِّهم: بشار الأسد. استعاد النظام السيطرة على كل المدن الكبرى، وعلى نصف البلد، وعلى أكثر من 60 بالمئة من السكان. وكان بودّ الكرملين فتح مرحلة أكثر سياسية: بداية حوار بين دمشق وقسم من المتمردين. إلا أن مؤتمر سوتشي الذي عُقد في نهاية كانون الثاني/ يناير كان، في غياب التفاهم حول تمثيل المعارضة، فاشلًا، ولا سيما بالنسبة إلى من نظمه، أي روسيا التي يبدو أنها عاجزة عن التأثير على عناد دمشق.
“روج آفا” وقد صارت قطعتين
أما الجبهة الثانية، فقد فتحت من قبل تركيا في كانون الثاني/ يناير. تخاف أنقرة من أن تتواجد على امتداد حدودها مع سورية منطقة كردية كليًّا: “روج آفا” التي شكلها الأكراد السوريون، ولا سيما ميليشياتهم (وحدات حماية الشعب)، خلال الحروب التي تمزق البلد منذ عام 2011.
إذ يمكن لهذه المنطقة أن تمنح قاعدة خلفية للمقاتلين الأكراد من الأتراك (حزب العمال الكردستاني) الداخلين في صراع مع أنقرة، لا بفعل الجغرافيا فحسب، بل أيضًا بفعل التاريخ: فـ (وحدات حماية الشعب) قريبة من (حزب العمال الكردستاني). على أن “روج آفا” في الوقت الحالي تنقسم إلى قسمين: مقاطعة عفرين، في الشمال الغربي، المنفصلة -بمنطقة جزء منها تحت سيطرة دمشق، وجزء تحت سيطرة متمردين عرب سوريين يشرف عليهم الأتراك- عن المقاطعتين الكرديتيْن الأخريين، في الشمال الشرقي، مقاطعتي كوباني ومقاطعة الجزيرة.
تريد أنقرة منع التواصل بين عفرين والمقاطعتين في الشرق. وتجهد الدبابات والطيران التركي، منذ ثلاثة أسابيع، بدعم كثيف من الميليشيات الإسلامية العربية، إن لم تكن من (القاعدة)، من أجل احتلال منطقة عفرين.
تخلط هذه الحرب بالذات كل الأوراق. فهناك نحو 2000 جندي أميركي إلى جانب حلفائهم من الأكراد السوريين في مقاطعتي الشمال الشرقي، ولكن ليس بعفرين، حيث لن تتدخل الولايات المتحدة، لكيلا تغضب أكثر مما فعل حلفاؤها الأتراك في الـ (ناتو).
وباعتبارهم يسيطرون على السماء السورية، أعطى الروس الطيران التركي الضوء الأخضر، من أجل المحافظة على علاقاتهم مع أنقرة. لكن دمشق، من ناحيتها، تعارض العملية التركية بقوة، وتدعم الأكراد على الرغم من الحلف القائم بين هؤلاء الأخيرين والولايات المتحدة. أهلًا بكم في الشرق الأوسط: هنا، عدو صديقي لا يصير بالضرورة عدوي!
إيران-إسرائيل: أول صدام مباشر
الجبهة الثالثة هي التي تواجه فيها “إسرائيل” إيرانَ والميليشيات التي نشرتها طهران في سورية (حزب الله اللبناني، الشيعة الأفغان والباكستانيين والعراقيين). إذ من دون هؤلاء الأخيرين ما كان بوسع موسكو أبدًا تحقيق طموحها في سورية: إنقاذ نظام دمشق من دون خسائر روسية وفرض عودتها إلى الشرق الأوسط.
تمَّ إنجاز المهمة من قبل الكرملين، وهو يحافظ على علاقاته الطيبة مع “إسرائيل”؛ فالروس لا يتدخلون حين يقصف الإسرائيليون في سورية شحنات الأسلحة الإيرانية المرسلة إلى “حزب الله”.
لكن الإيرانيين يريدون جمع أرباح التزاماتهم في سورية. في شكل عقود تجارية، وأكثر من ذلك أيضًا، في نظر “عتاة” طهران، في شكل تسهيلات عسكرية دائمة في البلاد. لكن هذه النقطة الأخيرة هي خط أحمر في نظر “إسرائيل”.
سجل يوم 11 شباط/ فبراير أول صدام مباشر بين الإيرانيين والإسرائيليين. فبعد أن اجتازت طائرة موجهة (بلا طيار)، كانت قد انطلقت من إحدى قواعدهم في سورية، حدود “إسرائيل”، انطلقت الطائرات الإسرائيلية تقصف مواقع الجمهورية الإسلامية في سورية. وعند عودتها من هذه العملية، أصيبت إحداها، طائرة (إف-16)، بصاروخ من قبل الدفاع الجوي السوري. كان الروس قد تركوا الجميع يتصرفون.
في لحظةٍ ما، يجب على موسكو أن تختار: هل تستسلم لتجاوز تركيا لها حول المسألة الكردية وأن تلعب دور الحكم بين أنقرة ودمشق؟ هل تستسلم لتجاوز طهران لها وتخاطر بصراع إيراني-إسرائيلي كبير ينسف المكتسبات الروسية في سورية؟ من دون حسبان مواجهات محتملة، مفتعلة أو غير مقصودة، بين الأميركيين والروس على الأرض. يا لأفراح الوصاية!
العنوان الأصلي
La Syrie, réceptacle des infinies complexités du Moyen-Orient
الكاتب
آلان فراشونAlain Frachon
المصدر
صحيفة اللوموند Le Monde
المترجم
بدر الدين عرودكي
بدر الدين عرودكي
[sociallocker]
جيرون