خمس ساعات روسية تكفي السوريين



الكذبة التي حددتها موسكو، بـ “هدنة” الخمس ساعات يوميًا، لن تخفف من موت السوريين، لكنها اعتراف بأن الأربعة وعشرين ساعة التي تمر عليهم تحمل قصفًا وموتًا ودمارًا، وتعني أيضًا هروبًا من القرار الدولي 2401 الذي أقره مجلس الأمن قبل يومين، وكما توقعنا، أو كما تفصح عقلية وسياسة المافيا التي تُدير موسكو، وتحتل دمشق، إنها لا تستطيع الامتثال لأي منطق إنساني أو أخلاقي، يخالف الطبيعة الجرمية لسياستها مع الجزار الصغير في دمشق.

الهجمة الأكثر وحشية وشراسة، على مدن وبلدات الغوطة، تكثفت بعد القرار الدولي، من استخدام الغازات السامة إلى النابالم، إلى تكثيف التصريحات الروسية المضللة والكاذبة بأن السوريين المحاصرين والمفجوعين يعملون على استخدام الأسلحة المحرمة، أي يقتلون أنفسهم، وأن طائرات العصابة مع المحتل بريئة من كل الجرائم، ولا علاقة لسفاح الممانعة بنشر هذه الوحشية على أجساد السوريين! السؤال: لماذا هدنة الخمس ساعات؟ هل للظهور بالمظهر الإنساني الحريص على أرواح المدنيين، مع أنه يواصل حصد مزيد من أرواح الذين يطالبهم بالرحيل عن أرضهم وتسليمها لعصابات الأسد؟! أليست المطالبة بفتح ممرات “إنسانية” هي اعتراف أيضًا بأن هناك ما هو إنساني، منذ ستة أعوام في الغوطة يتعرض لأبشع أنواع الجرائم!

عنجهية المحتل الروسي تظهر جليةً في القوة العسكرية، والتصريحات السياسية التي يتناوب قادة الكرملين رميها في وجه السوريين خصوصًا، بعد تصعيد الوحشية في الغوطة، وتهديد لافروف بمصير حلب للغوطة، مع أن مشهد غروزني الشيشانية هو الذي يُطبق، بفارق أن الغوطة شرقي دمشق، وغروزني الشيشانية تعتبرها موسكو إحدى خواصر، لكن “أهمية” كل ذلك تكمن في بسط الحالة الجرمية، لإعادة نموذج الخوف والرعب الذي هُدّم. حصيلة الاستبداد والطغيان التي بناها الأسدان تهاوت إلى غير رجعة، وتحاول غطرسة موسكو وصمت العرب، ونفاق المجتمع الدولي أن تعيدها من جديد إلى المجتمع السوري، لم تكفِ ستة أعوام من المذابح، لتضاف إليها خمس ساعات روسية، تهدد وترعد وتبشر برزنانة موت جديدة تنتظر سورية.

الخمس ساعات التي حددتها موسكو لسكان الغوطة، ليست هدنة، بل طلب استسلام ورحيل عنها، هكذا تدل تصريحات المحتلين. فإذا اعتدنا خلال العقود الماضية على سماع عبارات، مثل “غطرسة المحتل” الأميركي والإسرائيلي؛ فقد أصبح لدينا اليوم عنصر رئيس يدل على الغطرسة الروسية والأسدية التي هي امتداد طبيعي للاستعلاء الجُرمي المافيوي، الذي يحاول أن يستثمر، عبر وكيله في دمشق، نموذج الإبادة الجماعية الذي استخدمته موسكو في التاريخ القريب، فحادث احتجاز الرهائن في مسرح موسكو في العام 2002، أنهته موسكو بقتل الرهائن والمهاجمين باستخدام غاز مميت، لم يكشف عن هويته، نورد حادثة مسرح موسكو لنقول إن النظام السوري ينهل من مدرسة إجرام ترتكب الفظائع وتنكرها، تُكرر عشرات المذابح بالأداة نفسها، روسية وأسدية.

هل يا ترى أولئك الذين ذهبوا إلى أستانا وسوتشي، وهتفوا “تحيا روسيا”، ينظرون إلى مهلة موسكو، لأبناء بلدهم، على أنها فرصة أخيرة للنجاة من إبادة محققة وشاملة؟ أصلًا، تدخّل المحتل الروسي، إلى جانب طاغية السوريين، يكشف عن زيف كل ما يصدر من موسكو ومن يدور في فلكها، سواء أكان معارضة أم موالاة أم أولئك الذين لديهم عقدة الحنين إلى طغيان سوفييتي لن يعود. إذا كانت القرارات الدولية الأخرى المتعلقة بحماية السوريين، ومنع قتلهم، استُخدم لها 11 (فيتو) روسيًا وصينيًا، وسبع سنوات من الدعم والحشد، بجانب الطاغية، وثلاثة أعوام من الاحتلال المباشر، ورمي ملايين الأطنان من قذائف موسكو فوق رؤوس السوريين، لإعادة تأهيل الأسد، وذاك ضرب من المستحيلات؛ فإن ساعات موسكو الخمس للسوريين لن تُغيّر في مشهد الدمار والموت، ولن تُكسبها نصرًا تنسبه إلى طاغية الشام، الوقت المتبقي هو لسورية وللسوريين، من دون الأسد والمحتل، بعيدًا عن الساعات الروسية التي لا يثق أحد بها لثوانٍ.


نزار السهلي


المصدر
جيرون