قراءة في القرار 2401



تتعدد القراءات وتختلف، حول فحوى القرار الأممي الخاص بإقرار هدنة في سورية، والجوانب الإيجابية والسلبية فيه، وأسباب موافقة روسيا عليه، بعد تقدّمها باقتراحات كبيرة لتغيير المسودة الأصلية، ولماذا لم تستخدم حق النقض لو لم يكن يخدم مشروعها؟

لا شكّ أن وقف إطلاق النار -ولو عبر هدنة محددة بزمن قصير- يعدّ أمرًا إيجابيًا، لحماية المدنيين من الدمار والموت اليومي ومن تدمير ما تبقى من البنية التحتية في الغوطة الشرقية. واقتران القرار بإيصال قوافل الإغاثة الأممية، وواجب السماح لها بالوصول، وإسعاف ونقل الجرحى، يعدّ أيضًا أمرًا مهمًا وضروريًا.

لكن هناك من يتوقف عند جوانب أخرى مُبهمة، وغير واضحة، ويعتبرها لصالح روسيا والنظام، إن كان بتوصيف ما يجري على أنه اقتتال بين أطراف، وليس عدوانًا يوجّه من طرف واحد: النظام وحلفائه ضد المدنيين، أو عمليات الحصار ونتائجها على حياة السكان، أو بالغموض الذي لم يحدد (جبهة النصرة) و(القاعدة) فقط، وإنما سحبها إلى “جميع المتحالفين معهما”، بما يبقي الباب مفتوحًا لذرائع واختلاقات سوف تُمارس، كما يحصل الآن، لاستمرار القصف والحصار، ومحاولات الاجتياح، بخاصة أن التصريحات الروسية تريد أن يشمل ذلك القوى العسكرية المحسوبة على الثورة كـ (جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن)، والادعاء بتشكيل غرفة عملية واحدة مع (جبهة تحرير الشام)، والتنسيق مع التنظيمات الإرهابية، وبالرغم من نفي مسؤولين في (جيش الإسلام) هذه الدعايات الملغومة، فإن روسيا تصرّ عليها.

ما يخيف أكثر الضغط على المواطنين لهجرة جماعية واسعة، وإفراغ المنطقة من السكان، فيما ينصّ عليه القرار على “فتح ممرات آمنة لخروج المواطنين”. وعلى الرغم من تمسك أغلبية سكان الغوطة بأرضهم وبيوتهم وبلداتهم، ورفضهم الخروج منها، فإن مواصلة الحصار، والضغط عبر القصف المُركّز، يمكن أن يجبر العديد على الخروج منجاة للحياة.

جرى الخلاف أيضًا حول مساحة تنفيذ القرار، حيث إن المصادر الروسية تعتبره عامًّا، يشمل جميع المناطق السورية بلا استثناء، ومنها إدلب وعفرين وريف حماة الجنوبي، وريف حمص الشمالي، بينما يرى آخرون أنه قرار خاص بالغوطة الشرقية فقط.

إلى جانب ذلك، فإن صدور القرار يعني إلغاء لاتفاقات خفض التصعيد التي حدثت في الغوطة، برعاية روسية ومشاركة مصرية، وتحويل المنطقة إلى خارج تلك الاتفاقات، وتحت رعاية الأمم المتحدة، وبما يطرح أسئلة عن مصير لقاءات أستانا، ودور الأطراف الراعية فيها لما يعرف بـ “مناطق خفض التصعيد”، والاتفاقات التي جرت في عديد منها.

لم يدخل القرار حيّز التنفيذ رسميًا، ومحاولات اقتحام الغوطة، وتحشيد القوى العسكرية، والميليشيات الإيرانية متواصلة، وقد تمكّن الثوار من صدها، وإيقاع خسائر كبيرة في قوات النظام المقتحمة، بينما تفيد التصريحات الروسية بالموافقة على هدنة لساعات محدودة، لا تتجاوز الخمس يوميًا. أي أن الوضع مفتوح على استمرار حرب الإبادة، والمحرقة.

في قراءات سياسية لخلفيات الموافقة الروسية، هناك من يرى أن الذي حدث يُظهر تباينًا كبيرًا بين المواقف الروسية، وكل من النظام وإيران، وأن ذلك يمكن أن يكون بداية تخل روسي عن النظام، وإعلان الخلاف معه ومع التمدد الإيراني، وأن النظام السوري عانى ويعاني من عزلة واسعة على الصعيد الدولي، وأن مجموعة من الأسباب تبرز في اختلاف المواقف الروسية عن مواقف النظام الذي يحتمي أكثر بإيران، ويحاول التملص من التزاماته مع الروس.

في حين تدل وقائع متلاحقة أن الوسط “العلوي” غير مرتاح للعربدة الإيرانية، وتدخل إيران القوي بالقرار، وباختراق المجتمع السوري، وأنهم لو خيّروا بين النفوذين الإيراني والروسي لاختاروا الأخير الذي يرونه أقرب إليهم، ومؤقتًا، وخارجيًا، بينما ينغل المشروع الإيراني في الداخل السوري، ويعدّ نفسه للبقاء زمنًا طويلًا بما يتجاوز الجانب العسكري، الميليشياوي إلى وجود مذهبي، يحمل معه جرثمة المجتمع السوري، وموضعة صراعات مذهبية يمكن أن تكون فتيل حرب أهلية طويلة.

يربط هؤلاء المهتمين بالشأن الروسي ما جرى، في مجلس الأمن، بنتائج لقاء سوتشي الذي سجل فيه الروس تمايزات واضحة عن حليفهم النظام، بما في ذلك تمرير “وثيقة المبادئ الأساسية” التي يرفضها النظام، والتي كانت بديلًا لورقته في هذا الجانب، وكذا حصص تشكيل اللجنة الدستورية، والعمل على توسيع حضور المعارضة المحسوبة خارج هيئة المفاوضات ومنحا جلّ الحصة الروسية.

وهناك كلام متواتر عن محاولات أميركية متصاعدة للجم الاندفاعة الروسية، والدخول على الخط بمواقف وتهديدات متلاحقة، تجعل الروس يحسبون حسابًا جديًا لها، بما في ذلك تقليم، أو تحجيم الوجود الإيراني على الأرض، وتطوير مشروع “اللاورقة” المتفق عليها من الدول الخمس، والمقدّمة من الخارجية الأميركية لتكون قاعدة، أو إطار الحل السياسي القادم، وبما يعني -لو حصل- تكريس بدائل للمشروع الروسي تمامًا، يضع روسيا في مساحة صغيرة مختلفة عمّا هو الآن.

مع ذلك، ما تزال المناورات السياسية الروسية متواصلة، وفجّة، ومنها محاولات عزل، أو إضعاف، هيئة المفاوضات تحت حجج التشدد، ووضع شروط مسبقة غير مقبولة من روسيا، والتي ترفض أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، وتحاول تدعيم وجود ودور “المنصات” التي تعتبرها معتدلة، والتي ساهمت في لقاء سوتشي.

يبقى القول إن صمود الغوطة، بأهلها والفصائل العسكرية التي فيها، وإخراج قوات (هيئة تحرير الشام) التي وجهت أبلغ الضرر للثورة ولوجود الجيش الحر، سيكون المعطى الإيجابي الأقوى الذي يخلخل خطط روسيا والنظام وإيران، ويرسم وقائع جديدة، يمكن لها أن تطيح بتلك الخطط، وأن تفرض وجود الثورة رقمًا مهمًا يتجاوز الغوطة إلى عموم سورية، وهو الأمر الذي يجب توفير مقومات نجاحه، خاصة في توحيد تلك القوى العسكرية، ولو عبر غرفة عمليات مشتركة، ومساهمة فصائل الجيش الوطني السوري، في إنجاد الغوطة عبر فتح جبهات أخرى، ومن خلال التنسيق المشترك مع فصائل وسكان الغوطة الشرقية.


عقاب يحيى


المصدر
جيرون