ماذا ينتظر “الجيش السوري” لدخول عفرين؟



التوقّعات والأجواء السائدة، لدى الرأي العام في تركيا، هي أن وحدات الجيش السوري الحر ÖSO المدعوم من القوات المسلحة التركية، ستدخل مركز مدينة عفرين، في مرحلة معينة من عملية (غصن الزيتون). لكن التطورات تشير إلى أن وحدات الجيش السوري [النظامي] التي تترقّب ذلك، ربما منذ عام 2012 هي أقرب إلى عفرين.

ولكن، إذا كان جيش النظام السوري قريبًا من عفرين إلى هذا الحد؛ فما الذي ينتظره لكي يدخلها وهي قطعة من ترابه؟!

يمكننا القول إننا اقتربنا جدًا من الوصول إلى جوابٍ لهذا السؤال، في الأسبوع الفائت، بل إننا وصلنا إليه، على الأغلب، كما سأوضّح ذلك أثناء سير الحديث. كيف ذلك؟ لنسرد ذلك في الحال:

وردت أنباء في النصف الثاني من الأسبوع الماضي، يستذكرها متابعو تطورات المنطقة عن كثب، أنYPG  سيضع منطقة عفرين تحت إشراف وحدات من “الجيش العربي السوري”، وأن الطرفان توصلا إلى اتفاقٍ بهذا الشأن. وأن أولى المزاعم في هذا الاتجاه، هو ما جاء على لسان أحد المسؤولين الكرد، لم يُفصَح عن اسمه، عبر قناة (الميادين) اللبنانية، يوم الخميس الواقع في 15 شباط/ فبراير.

وفي خبر، أسندته وكالة (سبوتنيك) الروسية إلى مصادر في المنطقة، وكتبت فيه أن من المتوقع أن تبدأ وحدات من الجيش السوري الدخول إلى عفرين، والتمركز فيها على الحدود مع تركيا، في غضون أيام. وجاءت أنباء أخرى من مصادر مطّلعة، عن بدء وحدات استطلاع تابعة للجيش السوري بالعبور إلى عفرين، بغرض الاستكشاف.

في غضون ذلك، لم ترد أي تصريحات رسمية تتعلق بهذا الخصوص، سواء من النظام في دمشق، أم من موسكو. ولكن في خبر لوكالة RT الروسية، في 15 شباط/ فبراير، أن النظام السوري لم يعقد أيّ اتفاقً مع الأكراد بعد، لأن YPG رفض ترك سلاحه. كما أن قناة (الميادين) اللبنانية ادّعت أن النظام في دمشق لم يطرح في المحادثات التي جرت أيّ شرط مسبق يتعلق بالاتفاق.

في 16 شباط/ فبراير، أكّد قائد قوات YPG في عفرين “روجهات روج”، عدم صحة الأنباء التي وردت في وسائل الإعلام، عن دخول الأطراف في أي محادثات. وقال في تصريحه بهذا الشأن: “إن ما ورد حول استعدادات الوحدات التابعة للحكومة السورية، للدخول إلى عفرين، ليس صحيحًا، ولم نعقد أي لقاء، ولم نتوصل إلى أي اتفاق مع الحكومة السورية بهذا الخصوص”.

ومهما حاول بعض المسؤولين الكرد في عفرين نفي وتكذيب الأنباء الواردة في الصحافة والإعلام عن إجراء لقاءات مع الحكومة السورية؛ فإنهم يحاولون بذلك، باحتمال كبير، رفع معنويات العناصر الحاملة للسلاح، المحاربة في الجبهة، وعدم تثبيط هممهم، إلى أن يتوضّح الوضع النهائي للاتفاقية. ولكن، تتدفق المعلومات من مختلف المصادر الإقليمية في المنطقة، عن وجود اتفاق بهذا الشأن بين الطرفين. وفي هذا السياق، قال المستشار الإعلامي لـ YPG في منطقة عفرين “ريزان حدو”، في تصريح لشبكة (روداو) الإعلامية، في 17 شباط/ فبراير: إن المحادثات مستمرة مع نظام دمشق، وبمجرد التوصل إلى اتفاق، سيتم الإعلان عن ذلك.

في يوم الجمعة، 18 شباط، ورد خبر آخر من المنطقة، وبحسب التصريح الذي أدلى به في ساعات المساء، ممثل (حزب الاتحاد الديمقراطي) لأكراد سورية PYDKS، شيخ بيلو، لشبكة (روداو) الإعلامية، فإن الاتفاق بين الأكراد ونظام دمشق، كان قد تمّ، وبموجب هذا التفاهم، كانت وحدات الجيش السوري ستدخل عفرين، ابتداءً من يوم الإثنين 19 شباط. لكن الخبر المذكور (حتى ساعات المساء التي كتبت فيه هذه المقالة)، لم يُؤَيد من طرف نظام دمشق.

ترك كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة

من جانب آخر، وبحسب مصادر موثوقة في المنطقة، فإن الأكراد اتفقوا على التنازل عن إدارة المنطقة للحكومة السورية، وعلى تسليم 52 نقطة مراقبة عسكرية، وكافة الأسلحة الخفيفة والثقيلة، لوحدات الجيش السوري. وبالنظر إلى الادعاءات، فقد بقيت مسألة أو مسألتان فقط لم يتم الاتفاق حولهما.

في الصفحة الأخيرة من هذا الاتفاق، بين نظام سورية والمسؤولين الأكراد، يجري الآن التفاهم على قضايا تسليم الأسلحة الخفيفة والأسلحة الفردية التي بحوزة المدنيين، للجيش السوري، ووضع كافة شبان المنطقة الذين هم في سن الجندية، تحت إمرة الجيش السوري.

وأعتقد أن الموضوع الذي يجري وضع لمساته الأخيرة، ستتوضح معالمه في الأيام القليلة المقبلة. وبطبيعة الحال، فإن نظام دمشق يرغب في العودة إلى عفرين التي أجبرت وحدات الجيش السوري على مغادرتها، في ربيع عام 2012 والدخول إليها مجددًا! كما يأمل، في المرحلة الأولى على الأقل، التمركز في مركز مدينة عفرين وتل رفعت وقاعدة (منغ) العسكرية، إن لم يكن في المنطقة برمتها. وهو يريد بالطبع إظهار ذلك على أنه نصر له، سواء في داخل البلاد وخارجها.

ولكن في مطلق الأحوال، من الخطأ الاعتقاد بأن الجيش السوري، بدخوله عفرين، واستلامه المواقع التي تركتها قوات YPG، سيلجأ إلى القتال ضد وحدات الجيش السوري الحر ÖSO المسنود من تركيا، عبر هذه المواقع. ولكن لماذا؟

أولًا: إن تطورًا كهذا، قبل كل شيء، هو آخر ما يرغب فيه الجيش السوري الذي يعاني منذ بداية هذه الحرب من قلة الموارد البشرية في صفوفه، ويحتاج إلى عناصر النخبة من المقاتلين احتياجًا كبيرًا، من اجل إدلب وريف حماه والغوطة الشرقية.

ثانيًا: يجب ألا ننسى أيضًا أن ترك YPG إدارة وأمن المنطقة لنظام دمشق، فقط عبر اتفاق سطحي بين الطرفين، لن يكون كافيًا. ذلك بأن الحرب في سورية، خرجت منذ فترة ليست بالقصيرة، عن كونها حربًا محلية، لتتحول إلى حرب إقليمية ودولية. إضافة إلى ذلك، فإن تفاهمًا كهذا سيتطلب وقفًا لإطلاق نار مؤقت ودائم. وربما سيتم اللجوء إلى تحديد وتعريف نقاط المراقبة ومناطق خفض التصعيد. وفي هذه الحالة، فإن القوى التي سيتم الاتفاق بينها لن يكون مقتصرًا على هذين الطرفين فقط. وسَيُطلب من موسكو التي ستقوم بتنسيق أي وقفٍ لإطلاقِ نارٍ محتمل، سحب جنودها من المنطقة. كما ستتولد الحاجة إلى موافقة أنقرة على الاتفاق أيضًا. وإن الاتفاق الذي سيحتاج إلى موافقة أنقرة، بالقدر الذي يحتاج إلى موافقة موسكو عليه، لا بد أن يكون من نوع الاتفاق الذي يتضمن شرطًا لنزع YPG وتركه سلاحه بشكل من الأشكال. وخلاصة القول أن نظام دمشق يدرك تمامًا أن مصالحه لا تتحقق بالمجابهة والمواجهة مع أنقرة، بل بالابتعاد عنها.

الوعد “بالنصر” للجميع

مهما بدا الأمر متناقضًا؛ فإن التوصل إلى اتفاق كهذا، في هذه المرحلة، سيمنح الفرصة لجميع الأطراف التي “تكشّر عن أنيابها” لبعضها، لكي تعلن انتصارها من جانبها.

قبل كل شيء، سيتمكن نظام دمشق من إعلان النصر بتأسيسه مجددًا السيادة التي فقدها على الأراضي الواقعة في شمال غرب البلاد، منذ عام 2012. أما أنقرة التي قالت: “سنعمل على تسليم عفرين لأصحابها الحقيقيين”، فستتمكن من تقييم انسحاب YPG الذي ترى فيه تهديدًا لها من المنطقة بتسليمه سلاحه، على أنه نصرًا لها. وأما موسكو التي يمكن أن نطلق عليها اسم “مُيسّرة” اللقاءات، فستأخذ نَفَسًا عميقًا، بإفسادها ألاعيب الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى لإثارة مزيد من الفوضى في سورية، وتجعلها تتقوقع على الأقل في شرقي نهر الفرات.

إذا استطاع الأكراد الذين فقدوا آلاف المقاتلين في الاشتباكات، ودونما تأخير، خطو الخطوات اللازمة؛ فسيمكنهم إقناع أنصارهم بأن عدم تخليهم “بفضل المقاومة التي أبدوها”، عن أماكن التوطين الحرجة التي يمكن أن تنشأ في منطقة عفرين، للجيش السوري الحر، هو نصر مشرف ومكسب كبير لهم. ولكن في مطلق الأحوال، فإن تطورًا كهذا، يجب أن يُعتبر نصرًا أكبر لأصحاب المنطقة الحقيقيين: أهل “عفرين” أنفسهم.

فنجاة المنطقة من مخالب الحرب والدمار الذي لحق بالبلاد، من أقصاها إلى أقصاها، سيوفر للناس النظر إلى المستقبل بأمل أكبر، وبخاصة عند مشاهدة المآسي الإنسانية الكبرى التي سُجّلت في باقي مناطق البلاد.

وبالطبع، فإن هذا التطور المستجدّ، سيكون “خبرًا غير سارّ” لإدارة واشنطن التي ترغب في إطالة أمد التواجد العسكري التركي في المنطقة؛ ذلك أن الإدارة في واشنطن أعطت الضوء الأخضر لتواجد القوات المسلحة التركية، في عفرين، ليس من أجل “المخاوف الأمنية المشروعة” التي كانت تطلقها مرارًا وتكرارًا، في الآونة الأخيرة، بل لأن وجودًا عسكريًا كهذا، كان سيساهم، في حقيقة الأمر، في أكبر قدر ممكن من عدم استقرار سورية.

والآن، إذا انسحبت قوات الجيش السوري الحر المدعومة من القوات المسلحة التركية TSK من المنطقة، خلال مدة معلومة، في أعقاب اتفاق محتمل، بين الكرد والحكومة في دمشق؛ فإن واشنطن ستكون في موقع القوة العسكرية المحتلة الوحيدة المنتشرة والمتمركزة في البلاد، من دون موافقة الدولة. وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة الأميركية أبدًا.

طرحنا في البداية السؤال التالي: ماذا ينتظر الجيش السوري لكي يدخل عفرين؟ فلنصحح، إذن، السؤال على الشكل الآتي: ماذا ينتظر الجيش السوري لكي يُفسد على الولايات المتحدة الأميركية ألاعيبها؟

خلاصة القول يمكن تعديل الجواب على هذا النحو أيضًا: أن تقوم قوات YPG /YPJ في المنطقة بتسليم كل سلاحها إلى الإدارة في دمشق، وإفساد هذه اللعبة ذاتها، قبلها!

Suriye ordusu Afrine girmek için ne bekliyor? العنوان الأصلي للمقالة Akdoğan Özkan اسم الكاتب T24 gazetesi- 19.02.2018 المصدر وتاريخ النشر http://t24.com.tr/yazarlar/akdogan-ozkan/suriye-ordusu-afrine-girmek-icin-ne-bekliyor,19170

رابط المقالة علي كمخ المترجم 1120 عدد الكلمات


علي كمخ


المصدر
جيرون