الصراع الدولي على سورية على ضوء قرار مجلس الأمن
28 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
لم يكن متوقعًا من مجلس الأمن الدولي إصدار قرارٍ ينصف الشعب السوري، بوقف القصف والتدمير والتشريد، وفرض الحل السياسي، وفقًا لمنطوق القرارات الدولية ذات الصلة، لذا ها نحن أمام قرار آخر 2401، هشّ ومحدود، يتضمن مجرد إنشاءات عامة عن وقف القتال، من دون تحديد الجهة المسؤولة عن القصف، ومن دون ضمانات دولية لوقفه.
في الحقيقة، إن كل المعطيات كانت تفيد أن المجلس المذكور كان يقف، في نقاشه للمسألة السورية من مدخل وقف القصف على الغوطة، إزاء ثلاثة خيارات: أولها الفيتو الروسي، في حال استمر المشروع الكويتي-السويدي (رغم ضعفه) على حاله. وثانيها القبول بالاشتراطات الروسية لتحوير القرار وإفراغه من مضمونه، وهو ما حصل. وثالثها فشلُ المجلس في التوصل إلى أي شيء، وطيّ القضية، بعد أن تظهر الدول الكبرى المعنية، وكأنها فعلت ما عليها.
في السياق ذاته، قد يجدر التنويه إلى وجود خيارين آخرين: الأول يتمثل بالعمل من خلال المنظمة الدولية، بذهاب الدول المعنيّة نحو الدعوة لعقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت بند “الاتحاد من أجل السلام”، على غرار ما فعلت القيادة الفلسطينية (أواخر العام الماضي)، في مواجهتها الموقف الأميركي بخصوص اعترافها بالقدس عاصمة موحدة لـ (إسرائيل)، لاستصدار قرار بشأن وقف القتال والقصف في سورية. والثاني يتأسس على العمل من خارج المنظمة الدولية، وهو ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، بتصديها قبل أسابيع لهجمات، قامت بها ميليشيات روسية وأخرى إيرانية، بهدف اقتحام منطقة شرق دير الزور، دون أن ننسى الغارة، أواخر الشهر الماضي، على مطار حميميم، وتدمير عدة طائرات روسية فيه.
هكذا، بين ما حصل، أو ما فعلته الولايات المتحدة، في مجلس الأمن الدولي، وما حصل، أو ما فعلته على الأرض السورية، في صدّها الميليشيات الإيرانية والروسية؛ تظهر لنا مسألتان: المسألة الأولى تفيد أن ثمة لا مبالاة من قبل الولايات المتحدة، حتى الآن، لما يحصل في سورية، وأن ما يهمّها هو فقط منطقتان: أولاهما شرق الفرات، والحدود السورية-العراقية التي تريد إغلاقها أمام الإمدادات الإيرانية من طهران إلى لبنان. وثانيتهما الجنوب السوري، حيث فرضت منطقة “خفض تصعيد”، وهي مثالية حتى الآن، بالتوافق مع روسيا والأردن (وإسرائيل ضمنًا)، ما يفسر الهدوء الحاصل فيها. وينتج عن ذلك المسألة الثانية، وهي أن الولايات المتحدة لم تحسم أمرها إزاء مستقبل سورية، أو إزاء صراعات القوى على سورية، وأنها ما زالت على استراتيجيتها القديمة المتعلقة بالحفاظ على معادلة، مفادها أن لا خاسر ولا رابح في الصراع السوري، لا النظام ولا المعارضة، والمتعلقة، أيضًا، باستمرار الاستثمار الأميركي للصراع السوري؛ لوضع القوى المناكفة لها في مواجهة بعضها، والحديث يدور عن استدراج أو توريط كل من روسيا وإيران وتركيا في هذا الصراع؛ الأمر الذي حصل فعلًا على ضوء ما شهدناه في السنوات الماضية.
يجدر لفت الانتباه هنا، أيضًا، إلى أن ليس مطلوبًا من الولايات المتحدة التدخّل العسكري، وهي فعلت ذلك مباشرة، كما ذكرنا، وبواقع تواجدها في ثماني قواعد عسكرية شرقي الفرات، وسيطرتها على نحو 40 بالمئة من الأرض السورية، بطريقة أو بأخرى، شرقي سورية وجنوبها، إذ المطلوب العمل على وضع حد للتدخلات الوحشية الروسية والإيرانية، ولا سيما وقف القصف بالصواريخ الارتجاجية والفراغية وبالبراميل المتفجرة، ووقف تشريد السوريين، وهذه يمكن أن تحدث بوسائل الضغط السياسي والدبلوماسي، وبحكم الوجود بالقوة.
القصد من ذلك القول إن ما حدث في مجلس الأمن مؤّخرًا إنما هو تحصيل حاصل لتردّد الولايات المتحدة، ونتاج للاستراتيجية التي تعتمدها، حتى الآن، في استثمار الصراع السوري، وليس فقط إدارته.
هكذا، فإن كل ما تقدم يفسر عقم مجلس الأمن الدولي، بخصوص إصدار قرارات ملائمة في الشأن السوري، منذ إصدار قراره الأول، في هذا الخصوص، في مطلع العام 2012 (القرار 2042) حتى إصداره القرار الجديد مؤخرًا (2401)، إذ كل تلك القرارات صدرت وفقًا للباب السادس (غير الإلزامي)، وليست وفقًا للباب السابع (الإلزامي)، من ميثاق الأمم المتحدة، وكلها ناقشت جوانب جزئية من الصراع السوري، وارتبطت باتفاقات لوجود مراقبين دوليين أو بعثات تفتيش دولية أو إدخال معونات إنسانية إلى المناطق المحاصرة، وحسب.
وللعلم، إن القرار الوحيد الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي، بخصوص الصراع السوري، وفقًا للباب السابع، هو القرار 2118 (2013)، فقط، الذي صدر في ظروف فريدة، اضطرت فيها روسيا إلى قبوله وتمريره؛ لأنه أتى في سياق مقايضة يجري من خلالها وقف الاستعدادات الأميركية لتوجيه ضربة للنظام السوري، عقابًا له على استخدام السلاح الكيمياوي في الغوطة، آب/ أغسطس 2013، مقابل تخليه عن مخزونه من سلاحه الكيمياوي في ظل مراقبة دولية. أما القرار 2254 الذي صدر أواخر العام 2015 بعد مباحثات فيينا، وهو في غاية الأهمية بعد بيان جنيف 2012، فقد جاء وفقًا للباب السادس، وتم تمريره من قبل روسيا، لأنه اعتبر نكوصًا عن بيان جنيف، ولأنه يشرعن بقاء الرئيس، على الأقل في المرحلة الانتقالية، أو في بدايتها.
باختصار، إن قرارات مجلس الأمن هي محصلة لصراعات أو لإرادات الأطراف الدولية الفاعلة في الصراع على سورية، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا، ومن دون الحسم فيها؛ لا يمكن توقع قرارات حاسمة في مجلس الأمن، كما لا يمكن توقع وقف الصراع الجاري في سورية أو عليها.
ماجد كيالي
[sociallocker]
جيرون