صحيفة نوفايا غازيتا: رجال نفط بالحظ



الوحدة التي تعرضت للقصف الأميركي كانت تؤدي مهمةً خاصة وليس حكومية

ما الهدف من إرسال مقاتلي (فاغنر) إلى معركةٍ معروفٌ أنها مميتة مسبقًا؟

من وماذا كان عليهم أن يحموا على أراضٍ لم يعد لـ “تنظيم الدولة الإسلامية” وجودًا فيها، منذ وقتٍ بعيد” إنه الهدف العظيم: المال. حتى هذا المال لم يكن بالكمية الكبيرة: ربع دخل حقل غازٍ متوسط الحجم، وفق المعايير الروسية، حقل (كونيكو).

الصورة: Polaris/East News

سبق لصحيفة (فونتانكا. آر يو) أن تحدثت مرارًا عن تنظيماتٍ على شاكلة (فاغنر) ليس لها وجودٍ قانوني. في البداية، كان يتم التجنيد في الدونباس مقابل المال، ثم في سورية، حيث وقّع مقاتلو الشركة العسكرية الروسية عقودًا مع أشخاصٍ قانونيين آخرين. غير أن هذه الهياكل، بحسب مصادر (فونتانكا)، مرتبطة بـ “طباخ الكرملين” يفغيني بيروجني. فشركة (يورو بوريس) التي يهيمن عليها، بحسب معلومات (فونتانكا)، وقّعت في 2017 مذكرة تفاهمٍ مع الحكومة السورية، حيث تلتزم الشركة بانتزاع حقول النفط والغاز من أيدي “تنظيم الدولة الإسلامية”، ومن ثم تولي حمايتها لقاء تقاضيها 25 بالمئة من دخل كل من هذه الحقول.

ذهب مقاتلو هذه الشركة إلى (معركة 7 شباط) للاستيلاء على واحدٍ من حقول النفط هذه؛ فوقعوا تحت ضربات الطيران الأميركي. وكانت المقاتلون الدوليون قد وصلوا محافظة دير الزور منذ صيف 2017. وبدأ الصراع بين هذه القوى “الخيرة”؛ ليحصل الفائز على جائزة هي حقول النفط والغاز.

عمليًا، أصبحت محافظة دير الزور مقسمةً إلى جزأين: شرق وغرب نهر الفرات. ويقع القسم الأكبر من حقول النفط والغاز في الجزء الشرقي من الفرات، الذي كان حتى الخريف المنصرم بيد (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش). وقد أعطى النفط والغاز المستخرج من هذه الحقول لتنظيم (داعش) الجزءَ الأكبر من دخلها. فمن حقل (التنك) وحده، كانت (داعش) تحصل على 17 ألف برميل يوميًا، ومن حقل (العُمر) حتى 13 ألف برميل. في عام 2015، قامت القوات الخاصة الأميركية بالقضاء على “رجل النفط الأول” في تنظيم (داعش): “أبو سياف”، واستولت على وثائقه التي اتضح منها أن التنظيم كان يبيع المشتقات النفطية التي يحصل عليها من معالجة النفط الخام بطرقٍ بدائية، بسعرٍ أقل بثلاث مراتٍ عن سعره في السوق العالمية، وحصل التنظيم على دخلٍ يعادل 289.5 مليون دولار.

قام الأكراد بتنظيف محافظة دير الزور من الشمال الغربي، وكانوا أول من وصل إلى ضفة الفرات اليسرى. وقد حصلوا على عشرات الحقول الغنية بالنفط والغاز، وكذلك على مصانع التكرير. أما القوات الموالية للأسد التي يقاتل أعضاء (فاغنر) إلى جانبها، فتحركت من الجنوب الغربي ليصلوا إلى نهر الفرات، وليتمكنوا من تحرير ثلاثة حقول متوسطة والسيطرة عليها: (الخرطة، الشولا، التيم) التي كان تنظيم (داعش) يستخرج منها قرابة 600- 1000 برميل يوميًا. وربع هذه الكمية لا شيء! ويصبح الأمر مؤلمًا عندما ترى بالعين المجردة، على مسافة مئات الأمتار، وراء النهر حقلًا ضخمًا يسيل اللعاب له!

في نهاية أيلول، أجبر الأكراد مقاتلي (داعش) على التخلي عن حقلٍ جديد: (الطابية). وهو حقل غازٍ، كان السوريون قبل الحرب يستخرجون منه قرابة 2 مليون متر مكعب يوميًا، في ظروف هبوط الأسعار الحاد حينئذ، في حين تقدر الكميات التي يمكن استخراجها منه بـ 13 مليون متر مكعب يوميًا. لهذا الحقل تسميةٌ أخرى حقل (كونيكو): نسبةً إلى الشركة الأميركية Conoco Phillips  التي اكتشفته بداية الألفية الثالثة.

وقد قامت الشركة بتشييد معمل حديث لمعالجة الغاز. استولت القوات الكردية على الحقل في 23 أيلول/ سبتمبر، وفي اليوم التالي، حاولت القوات الموالية للأسد انتزاعه منه. أصيبت المعارضة السورية (قوات سورية الديمقراطية) بالصدمة من جحود دمشق، واتهمت روسيا بشن الهجمات الجوية، مدعيةً أنها في حين تقوم هي بمحاربة تنظيم (داعش)، “تقوم الطائرات الروسية بتوجيه الضربات لمقاتلي (قوات سورية الديمقراطية).. بالقرب من حقل الغاز الضخم، الذي حررته، يوم أمس”، كتبت صحيفة (واشنطن بوست) في كل الأحوال، لم تتمكن قوات النظام من الاستيلاء على الحقل.

في الوقت نفسه، قام الفنيون الروس بإقامة جسرٍ بيتوني بطول 210 أمتار، عبر نهر الفرات. وقد فسروا الأمر على النحو التالي: عبره ستعبر قوات الجيش العربي السوري إلى الضفة الشرقية من النهر، وكذلك المدرعات والآليات. فلماذا سيتم نقل القوات الحكومية إلى الأراضي التي استولت عليها المعارضة (قوات سورية الديمقراطية) على ما يبدو، كانوا يعرفون الهدف بالضبط! كان الجسر ممتازًا، يمكن أن يعبر عليه 8 آلاف مدرعة في اليوم. وأعلنت الحكومة السورية أن الوضع الإنساني قد تحسن على الضفة الشرقية، منذ لحظة إتمام بناء الجسر. ربما كانوا يعنون بذلك أن الحكومة السورية بمساعدة الجسر المعد لعبور المدرعات قد نقلوا الطعام للأكراد.

من ثم، جرت -على ما يبدو- مفاوضاتٌ بين الجانب الروسي والمعارضة الكردية، حيث نقلت صحيفة (المصدر نيوز) اللبنانية في 19 من تشرين الأول/ أكتوبر، أن الأكراد وافقوا على تسليم حقل (كونيكو) ومقر القيادة شرقي محافظة دير الزور لروسيا، وأن “قواتٍ روسية برية” وصلت إلى حقل الغاز بدعوةٍ من الأكراد. وكما نذكر، لم يكن لروسيا هناك قواتٌ برية، فمن وصل إلى الحقل في حقيقة الأمر؟ يمكننا التخمين فقط! غير أن نقل حقل الغاز إلى هؤلاء الروس قد امتد به الوقت، وتوقفت الزيارات الودية الروسية إلى هذا الحقل.

بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، انهار الجسر فجأةً؛ فقد ارتفع منسوب المياه في نهر الفرات بشكلٍ حاد ومفاجئ، فانجرف الجسر. وقد اتهمت صحيفة وزارة الدفاع الروسية (النجم الأحمر) الأميركيين بالتسبب بإحداث طوفان بشكلٍ متعمد لتحطيم الجسر”. جاء التغير المفاجئ في منسوب المياه بسبب فتح متعمدٍ لبوابات سد الطبقة، الواقع على أراضٍ تسيطر عليها تشكيلات معارضة، تحظى بدعم “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية”، قالت الصحيفة.

في العشرين من كانون الثاني/ يناير، بدأت تركيا عملية (غصن الزيتون) ضد (الأكراد) السوريين في منطقة عفرين. وكان الأكراد يعولون على دعم روسيا. ولكن روسيا وضعت شرطًا: نقل الجيب إلى سيطرة الرئيس بشار الأسد. وعندها ستتخلى تركيا عن مخططاتها، الأمر الذي يقبل الأكراد حتى مناقشته. بعد مرور 9 أيام، بدأ في سوتشي مؤتمر “حوار الشعب السوري”، الذي لم يكن الأكراد من ضمن المعارضة التي حضرته. وقد صرحوا بأنفسهم بأن موسكو لم توجه لهم دعوة. عمومًا، أصبح واضحًا أن العلاقات الروسية مع الأكراد السوريين قد تخربت تمامًا. وهذا يعني أنهم لا يعتبرون في الضيوف الذين أرادوا الذهاب إلى حقل (كونيكو)، “قوات على الأرض”.

في 7 شباط/ فبراير، قررت “القوات على الأرض” الاستيلاء على ما وُعِدوا به، ولم يحصلوا عليه. فهل كانت القيادة الروسية تعرف بعزم الطيران الأميركي على الرد؟ وهل قام من أعطى الأوامر بالتحرك بتحذيرهم؟ حتى اللحظة لا توجد إجاباتٌ، وكذلك لم يحدد بالضبط عدد الإصابات.

كلمات دالة: الحرب، الأكراد، شركة عسكرية خاصة، فاغنر، سورية

اسم المقالة الأصلية Нефтяники  удачи كاتب المقالة إيرينا توماكوفا مكان وتاريخ النشر صحيفة نوفايا غازيتا . 18 شباط 2018 رابط المقالة https://www.novayagazeta.ru/articles/2018/02/18/75543-neftyaniki-udachi ترجمة سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون