في سورية، هل تتصادم إيران و”إسرائيل” في النهاية؟



في أعقاب اشتباكات لم يسبق لها مثيل في سورية، وصل التوتر بين “إسرائيل” وإيران إلى مشارف مواجهة محتملة؛ ما زاد القلق على نطاق الشرق الأوسط برمته خوفًا من الانزلاق في صراع جديد في المنطقة. ومع ذلك، فإنّ توقّع مجابهة كهذه يَفترض أن يكون كِلا البلدين في حالة مواجهة فعليًا. فهل الحال كذلك فعلًا؟

كثيرًا ما تُصَوَّر إيران على أنّها الطرف المعتدي، الأمر الذي من شأنه إثارة الصراعات في المنطقة، بالرغم من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية في مرتفعات الجولان. ومع ذلك، لا يأتي هذا التصور من فراغ. فعلى مدى السنوات السبع الماضية، دعم النظام الإيراني الدكتاتور السوري بشار الأسد؛ الأمر الذي أدّى إلى إغراق البلاد بالميليشيات الشيعية؛ الأفغانية والباكستانية والعراقية، إلى جانب مقاتلي “حزب الله” اللبناني، وخبرائها في الحرب بالوكالة مثل “فيلق القدس” وقوات “الحرس الثوري” الإيراني. ولطالما عمل السياسيون الإيرانيون بصورة منتظمة على إغضاب الإسرائيليين، حيث طالب محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق لإيران، بمسح “إسرائيل” من على الخريطة، كلماتٌ جرى الاعتراض عليها، على الرغم من توافق طهران الضمني لها.

تعتقد “إسرائيل” أنّ إيران التي شجعتها انتصارات الأسد، ستحوّل قواتها ضدّها قريبًا. يأتي هذا الاعتقاد بناءً على تجاهل إيران “خطوط إسرائيل الحمراء”، في الوجود العسكري الدائم لها في سورية، والعزم في نقل التكنولوجيا الفتاكة إلى “حزب الله” اللبناني، مرارًا وتكرارًا. إذ يشعر المحللون العسكريون الإسرائيليون بقلق خاص إزاء بناء منشآت لإنتاج الأسلحة في سورية، تهدف إلى توفير صواريخ بعيدة المدى موجّهة بدقّة إلى “حزب الله”، لاستخدامها ضدّ “إسرائيل”. وفي كانون الأول/ ديسمبر، دمّرت طائرات إسرائيلية هذا المرفق الواقع في منطقة “الكسوة”، بالقرب من دمشق. وارتفعت حدّة التوترات في كانون الثاني/ يناير الماضي، حينما أطلقت إيران طائرات موجّهة في المجال الجوي الإسرائيلي، وعندما أسقطت البطاريات الإيرانية طائرة حربية إسرائيلية؛ استُهدفت المنشآت الإيرانية للقذائف والصواريخ في سورية.

لا يزال من الصعب التحقق من أهداف إيران. إنّ المواجهة والتصعيد مع “إسرائيل”، المدججة بالسلاح والمدعومة دوليًا، لا تتناسب مع البيئة السياسية الإيرانية الحالية. في حين حركة قوية مثل “الحرس الثوري” الإيراني المدعومة من قبل “آية الله علي خامنئي”، مقيدةٌ من قبل المعتدلين في المجال السياسي الإيراني. كثيرًا ما نجحت الفصائل البراغماتية التي يُمثلها الرئيس الشعبي المنتخب لدورتين متتاليتين، حسن روحاني، في التوسط في سياسات الأكثر عدوانية التي يُمثلها الحرس الجمهوري. وعلاوةً على ذلك، إنّ الاحتجاجات المندلعة مؤخرًا في إيران مؤشرٌ واضح على أنّ النظام الإيراني ليس بمنأى عن عواصف الرأي العام. وعلى الرغم من تركيز التظاهرات إلى حدّ بعيد على المظالم الاقتصادية، وردّات الفعل ضدّ السياسات الاجتماعية المحافظة، فإنّ الانخراط المكلف في اليمن وسورية ما يزال في صميم المشكلات الاقتصادية الإيرانية. إنّ حربًا إقليمية جديدة لن تحظى بشعبية التيار الإيراني المعتدل، وستكون بالتأكيد بمثابة انتحار سياسي للنظام في طهران.

كما تعارض دولٌ أخرى، من التحالف الموالي للأسد، الحربَ مع “إسرائيل”. فروسيا مثلًا لا مصلحة لديها في إثارة “إسرائيل”. وفي واقع الأمر كان فلاديمير بوتين قد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وقف التصعيد، قبل تطور الوضع وخروجه عن السيطرة. وكذلك الأسد، إذ يُشرف شخصيًا بنفسه على تدمير ما تبقى من مناطق المتمردين في إدلب والغوطة الشرقية، ويُفضل إعادة بناء مدن، مثل دمشق وحلب، عوضًا عن فتح جبهة جديدة ضدّ عدو من شأنه أن يمثّل تحديًا وجوديًا أكبر بكثير من تلك التي يواجهها في الوقت الحاضر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى “حزب الله”، الذي يُركّز حاليًا على الانتخابات اللبنانية، بدلًا من مجابهة رئيس جيش الدفاع الإسرائيلي.. على الأقل في الوقت الراهن.

هل تتطلع “إسرائيل” إلى مزيد من التصعيد في المنطقة؟ هذا الاحتمال غير مرجح به كثيرًا، لأنّها تعاني من أزمة سياسية داخلية، حيث يواجه نتنياهو قضية جدية على خلفية فساد ورشا، تلقاها في أثناء تأديته لوظيفته، ومن غير المرجّح أيضًا أن تُهدد “إسرائيل” مكتسباتها جرّاء الاحتلال غير المشروع في الجولان. ولكن يبدو أنّ هناك دائمًا من يتربّص بفرصة سانحة ليضغط على “إسرائيل”، كي تستخدم قوتها العسكرية. على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، شنّت “إسرائيل” أكثر من 100 غارة ضدّ سورية وقوات “حزب الله” هناك، واستهدفت مؤخرًا مواقع إيرانية في سورية. وعلى الرغم من خسارة الطائرة الإسرائيلية، التي هي الأولى منذ عام 1982، ادّعى اللواء عاموس يادلين أنّ “إسرائيل أظهرت قدرات قتالية ممتازة في الدفاع عن مجالها الجوي، وأثبتت قدرتها على مغادرة دمشق، بعد تدميرها المواقع الرئيسية لأنظمة الدفاع الجوي للنظام السوري”. وهذا يشير إلى استعداد “إسرائيل” للانخراط في صراع قصير المدى، سريع وفعّال في المنطقة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من القرع المستمر لطبول الحرب الإسرائيلية، من المتوقع في حال نشوب الحرب أن يتحول الصراع إلى عملية وحشية متعددة الأطراف، تمتد بين إيران وسورية ولبنان وقطاع غزة و”إسرائيل”. وعلى الرغم من أيّ مواجهة مباشرة ومستقبلية ضدّ إيران، فإنّ من غير المحتمل أن تعتمد “إسرائيل” على دعم “أصدقائها” في الرياض. كما أنّ من غير المتوقع أن يتدخل ترامب بصورة مباشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي، في صراع مفتوح في الشرق الأوسط. وكما كان الحال في الماضي، ستضطر “إسرائيل” إلى أن تقاتل وحدها. في هذا السيناريو تحافظ إيران على موقع الأسد. ما قد يُفتقر إليه في هذا الصراع هو السلاح النوعي المتطور؛ الأمر الذي يُعوِّض عن عدد المقاتلين وعن الحماس الأيديولوجي، وهو ما تمثله “إسرائيل” فعليًا.

بالنسبة إلى كِلا البلدين، فإنّ الحرب غير واردة. ومع ذلك، في حال رفضِ إيران مغادرة سورية، بعد انتهاء الصراع الدائر هناك، وفي حال عزمها على توسيع دائرة نشاطها في المنطقة، مقابل استفزاز “إسرائيل”، فمن المرجح أن تستجيب “إسرائيل” لذلك. مع الأسف يبدو أن المنطقة وصلت إلى شفير انفجار جديد قريبًا.

العنوان الأصلي In Syria, are Iran and Israel finally coming to blows? الكاتب ألكساندر آستون- وارد  Alexandre Aston-Ward المصدر برنامج الباحثين الدوليين الزائرين في مركز حرمون للدراسات المعاصرة المترجم وحدة الترجمة والتعريب


ألكساندر أستون-وارد


المصدر
جيرون