نيو يورك تايمز: من تلطخت أياديه بدم السوريين الأبرياء؟



أنتوني روسو

يتضح الآن، بشكلٍ مأسوي، أن هزيمة (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) لم تخلق مجالًا للسلام في سورية. وبدلًا من ذلك؛ استغل رئيس البلاد الهمجي بشار الأسد وشركاؤه في روسيا وإيران النجاحات في ساحة المعركة ضد (داعش)، لإطلاق جولةٍ جديدة من المذابح على المدنيين، بينما يقف قادة الولايات المتحدة، والقوى العالمية الأخرى، متفرجين، غير راغبين في فعل أيّ شيءٍ لوقف القتل، أو غير قادرين على ذلك. العار عليهم جميعًا.

القصف الذي يقوده الأسد على الغوطة الشرقية -وهي إحدى ضواحي دمشق ويبلغ عدد سكانها حوالي 400 ألف شخص، وتُعد من آخر المناطق التي يسيطر عليها المتمردون- هو أحد أشد الهجمات عنفًا في حرب السبع سنوات؛ منذ يوم الأحد 18 شباط/ فبراير، قُتل ما لا يقل عن 310 أشخاص، معظمهم من الأطفال، ناهيك عن مقتل ما يقرب من 500000 سوري في جميع أنحاء البلاد، منذ عام 2011.

ظلّت الغوطة محاصرة منذ سنواتٍ، على الرغم من أنها جزءٌ من منطقة خفض التصعيد الناتج عن المفاوضات، وقد تركها هذا الحصار تواجه نقصًا مزمنًا في الغذاء والدواء والعاملين في المجال الطبي، وغيره من الضروريات.

أدى الهجوم الضخم، في هذا الأسبوع، إلى زيادة حدة البؤس؛ حيث اشتمل على إطلاق الصواريخ، وقذائف المدفعية، والغارات الجوية، والبراميل المتفجرة من المروحيات التي دمرت المستشفيات وغيرها من البنى التحتية المدنية. ويبدو أنه يهدف إلى إجبار المتمردين على الاستسلام، حتى تتمكن الحكومة من استعادة المنطقة. وكما قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: إن معظم الخسائر في صفوف المدنيين نجمت عن غاراتٍ جوية على المناطق السكنية، ويبدو أن هناك دلائل على أن الهجوم البري الحكومي قد يحدث قريبًا.

الصور التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي موجعةٌ: أطفال مرعوبون، وجوهٌ وأجسادٌ مغطاة بالدماء، وجثثٌ مكومة على أرضياتٍ خرسانية وسخة.. المرضى الجرحى على عربات المشافي يئنون من الوجع، بغياب العناية الطبية أو حتى الأدوية المخدرة لتخفيف آلامهم؛ ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يصف الغوطة بأنها: “الجحيم على الأرض”.

إذا كان هناك أيّ شكٍّ حول بربرية القوات الموالية للأسد، فقد تبددت بفضل العميد “سهيل الحسن”، قائد قوة النمر الحكومية. الذي قال متوعدًا، في شريط فيديو نشرته وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة: “أعدكم بأنني سألقنكم درسًا في القتال وفي النار، أنتم لن تجدوا مغيثًا. وإن استغثتم فستغاثون بماءٍ كالمُهل (الحمم)”.

هذا النوع من الأدلة التي يجب استخدامها- عاجلًا وليس آجلًا- لبناء قضيةٍ قانونية لمحاكمة الأسد على جرائم الحرب. وينبغي أن يتم الأمر نفسه مع القادة الروس الذين يساعدون في إبقاء الأسد في السلطة، بدعمٍ سياسي وعسكري جوي، والقادة الإيرانيين الذين يقدّمون المشورة التكتيكية والقوات البرية. وكان رئيس منظمة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، زيد رعد الحسين دعا أمس الأربعاء 21 شباط/ فبراير ما يجري في الغوطة بأنه: “حملة إبادة فظيعة”.

اتهمت الولايات المتحدة وحكوماتٍ أخرى الأسدَ، باستعمال الأسلحة الكيميائية -المحظورة بموجب القانون الدولي- في الغوطة وفي أماكن أخرى من سورية، ولكن القوى العالمية لم تفعل شيئًا، سوى غارةٍ جوية أميركية في نيسان/ أبريل الماضي أمرَ بها الرئيس ترامب بموجب سلطةٍ مشكوك فيها. تتحمل روسيا مسؤوليةً خاصة، لأنها ضمنت أن الأسد قد تخلى عن أسلحته الكيميائية كجزءٍ من صفقة مع الولايات المتحدة في عام 2013، والتي من الواضح أن الزعيم السوري لم يتخلَ عنها.

ما يزال مجلس الأمن عاجزًا بشكل خاص عن إنهاء القتل بين الأسد، وهو عضوٌ في طائفةٍ شيعية، والمعارضة السورية التي تتألف في معظمها من السنة، حيث أفشلت روسيا تمرير 11 قرارًا لمجلس الأمن ذا صلة بسورية، بسبب حق النقض.

هناك قرارٌ سويدي كويتي جديد، يطالب بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا في سورية، بحيث يمكن إعادة إمداد المدنيين، أو السماح لهم بالخروج من منطقة الحرب، ويبدو أنه سيلاقي المصير نفسه، حيث رفضت روسيا القرار بحجة أنه “غير واقعي”، وهي ردة فعلٍ تسلط الضوء على كيفية تآكل مبدأ حماية المدنيين في زمن الحرب، المبدأ الأساسي في القانون الدولي.

مع تعقيد الأمور أكثر فأكثر، فإن الحرب الأهلية بين الأسد والمعارضة، التي يُنظر إليها على أنها جوهر عدم الاستقرار في سورية، ليست سوى عنصرٍ واحد فقط في شبكة الصراعات التي تمزق سورية. إضافة إلى روسيا وإيران، هناك تركيا والولايات المتحدة و(إسرائيل) في سورية، حيث تثير مصالحهم المتنافسة شبح حربٍ أوسع، يجب تجنبها.

ماذا عن الحلول الدبلوماسية؟ روسيا، بعد تظاهرها لقيادة مثل هذا الجهد، فقدت الصدقية بسبب الانحياز إلى جانب الأسد وطريقته بالمزيد من المجازر. وبينما دانت وزارة الخارجية الأميركية عنف النظام، وقالت إن روسيا تتحمل “مسؤولية فريدة” عن المعاناة، فإن السيد ترامب تخلى فعليًا عن دور أميركا القيادي الدولي في هذا الشأن.

في هذا الأسبوع، كما كشفت التقارير عن وقوع ضحايا سوريين جدد، دانت جماعات الإغاثة والقادة السياسيون العملَ من جديد، وأعربوا عن أسفهم ودعوا إلى اتخاذ إجراءٍ ما. وقد تكون منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أكثر صدقًا، وبعدم قدرتها على حشد المزيد من الملاحظات المبتذلة، أصدرت بيانًا قالت فيه: “لا توجد كلماتٌ تحقق العدالة للأطفال الذين قُتلوا، ولأمهاتهم، ولآبائهم ولأحبائهم”.

اسم المقالة الأصلي Who Has Innocent Syrians’ Blood on Their Hands? الكاتب هيئة التحرير، The Editorial Board مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 21/2 رابط المقالة https://mobile.nytimes.com/2018/02/21/opinion/syria-ghouta-russia-isis.html?hpw&rref=opinion&action=click&pgtype=Homepage&module=well-region®ion=bottom-well&WT.nav=bottom-well&referer=http://m.facebook.com/ عدد الكلمات 760 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون