روسيا تدفع السوريين خارج بلادهم وترفضهم كلاجئين في روسيا



تُعدّ روسيا الطرف الأكثر تورطًا في النزاع السوري، خاصةً بعد عمليتها الأخيرة في الغوطة الشرقية، والتي راح ضحية غاراتها الجوية مئات الأرواح البريئة من المدنيين جُلّهم من الأطفال، جرّاء استهدافها المتعمّد للمدارس والمراكز الصحية. ونتيجةً للعمليات العسكرية الروسية في سورية؛ أُجبر آلاف المدنيين على ترك منازلهم، واضطروا إلى النزوح الداخلي أو طلب اللجوء في بلدان أخرى. ومع ذلك، وعلى الرغم من مسؤولية موسكو النسبية عن هروب الأشخاص من سورية، فإنّ روسيا لم تمنح اللجوء سوى للاجئ سوري واحد؛ الأمر الذي لا يتعارض مع مبدأ تقاسم الأعباء بخصوص الّلاجئين فحسب، بل يخالف أيضًا المبدأ القانوني الدولي المتمثل في “عدم الإعادة القسرية”. وتُعّد روسيا دولة كبيرة ومتقدِّمة، لديها ما يكفي من الموارد لاستثمارها على نطاق واسع في العمليات العسكرية الخارجية، وبالتالي، فهي قادرة على قبول ومساعدة طالبي اللجوء السوريين الفارين من الصراع الدامي في بلادهم، الذي تلعب موسكو دورًا رئيسًا فيه.

منذ عام 2011، رفضت موسكو منح “حق الحماية”، الذي يحق لطالبي اللجوء السوريين مِمن عبروا الحدود الروسية الحصول عليه، بموجب القانون الدولي. منذ بداية الصراع السوري، لم تمنح إدارة بوتين أي حالة حق إعادة توطين واحدة، ولم تعترف سوى بلاجئ سوري واحد، في طول البلاد وعرضها.

أجرت منظمة “أوكسفام Oxfam” الدولية غير الحكومية دراسةً في عام 2016، بهدف حساب مقدار التمويل الإنساني الذي ينبغي لكل بلد أن يساهم به في معالجة الأزمة السورية، وذلك استنادًا إلى الدخل القومي الإجمالي للبلدان. وكشفت الدراسة أنّ روسيا تسهم فقط بنسبة 1 بالمئة من تمويلها الإنساني الخاص بالسوريين. وتُعدّ هذه النسبة أدنى نسبة من بين جميع البلدان المشمولة في الدراسة. وكجزء من هذا البحث، حدّدت “أوكسفام Oxfam” أيضًا، استنادًا إلى حجم البلد، أنّ روسيا يجب عليها توفير 33536 مكانًا لإعادة توطين السوريين، في حلول نهاية عام 2016. ورغم ذلك، حتى الآن لم تمنح موسكو سوى حقّ واحد لإعادة التوطين. وعلاوةً على ذلك، لم تلب روسيا منذ عام 2012 إلّا بنسبة 0.3 في المئة، من مجموع نداءات الأمم المتحدة الإنسانية.

ووفقّا لمنظمة (هيومن رايتس ووتش)، استخدمت القوات الروسية الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة في عملياتها في سورية، كما استهدفت منشآت مدنية، مثل المدارس والمستشفيات، إذ يُعدّ كل ذلك غير قانوني وشرعي كليًّا بموجب القانون الدولي. حتى في الآونة الأخيرة، على الرغم من قرار وقف إطلاق النار 2401 المُقر من قبل مجلس الأمن، فإنّ القوات الجوية الروسية تواصل هجماتها ضدّ مدنيي الغوطة الشرقية.

وعلى الرغم من كلّ المأساة التي لحقت بالمدنيين السوريين، فإنّ موسكو لا تزال ترفض تحمّل أي أعباء ومسؤولية في مساعدة اللاجئين السوريين، فوفق منظورها أنّها تساعد السوريين، من خلال “محاربة الإرهابيين” في بلادهم. الأمر الذي اعتادت على استخدامه الحكومة السورية والروسية كلتاهما، كذريعة لاستهدافهما المستمر للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

يعاني طالبو اللجوء السوريون، في أثناء رحلتهم في طلب اللجوء في روسيا، من سوء معاملة الإدارة الحكومية غير المتعاونة والمعادية لهم. فهي لا تمنعهم من الحصول على مركز أو سكن اللاجئ فحسب، بل لا تمنحهم أي نوع من الحماية، خلال مدّة انتظارهم في معالجة طلباتهم. ووفقًا لمقابلة أجرتها قناة (الجزيرة) مع الناشطة الحقوقية “سفيتلانا غانوشكينا”، العاملة في إحدى المنظمات غير الحكومية الروسية، فإنّ الحصول على لجوء في روسيا يُعدّ من المستحيلات، بالنسبة إلى السوريين الفارين من الحرب، وهذا ما يُجبر الأغلبية منهم على مغادرة البلاد من جديد؛ بحثًا عن دولة أخرى قد تستجيب لطلبهم.

ووفقًا لمكتب الهجرة الاتحادية، فإنّه في عام 2016، كان هناك 12 ألف سوري يقيم في روسيا، قبل بدء النزاع في سورية، بمن في ذلك الطلاب أصحاب التأشيرات الدراسية، وأصحاب تأشيرات العمل. ومن بين هذا العدد للسوريين الموجودين في روسيا، لم يحصل سوى سوري واحد على مركز اللاجئ، بينما تلقى 1300 سوري آخر حالة “اللجوء المؤقت” التي تمنحهم مستوًى بائسًا جدًا من الحماية. أمّا الباقون فيترَكون من دون وضع قانوني وحماية؛ الأمر الذي لا يُخوّلهم مزاولة العمل أو الاستكمال الدراسي وحتى الاستفادة من الخدمات الصحية. ناهيك عن خطر الاعتقال والاحتجاز في مراكز الشرطة، ومن ثمّ الترحيل الذي يلاقيه الفرد بسبب وجوده غير الشرعي والقانوي في البلاد. وغالبًا ما يجري ترحيل الموقوفين إلى تركيا أو إلى بلدان أُخرى. وفي بعض الأحيان، يُعتقَل السوريون وهم في طريقهم إلى وزارة الداخلية لتقديم طلب اللجوء، ولا يُطلق سراحهم إلّا بعد دفع غرامة مالية عالية. ولا يُستثنى السوريون المتزوجون من مواطنين روس من المعاملة السيئة هذه.

وعلى الرغم من عضوية روسيا الدائمة في مجلس الأمن، فإنّها على الأرجح هي البلد الوحيد الذي يرُحّل طالبي اللجوء السوريين الفارين من بلد مزقته سبع سنوات من الصراع العنيف.

سبق لقناة (الجزيرة) أن أجرت مقابلة مع “بيبرس سليمان”، وهو لاجئ سوري من أصل شركسي، يعيش حاليًا في (مايكوب) في جمهورية أديغيا في روسيا. وأديغيا هي إحدى الجمهوريات الروسية الواقعة في الوطن التاريخي للشركس، في منطقة القوقاز الشمالي. وصل بيبرس وزوجته إلى أديغيا، في أيلول/ سبتمبر 2016، وحصلوا على وضع اللجوء المؤقت، بدلًا من حصولهم على وضع اللجوء بموجب القانون الدولي للاجئين. يُعدّ بيبرس وزوجته من “المحظوظين”؛ لأنّهم استطاعوا الحصول على حالة اللجوء المؤقتة، بمساعدة سلطات أديغيا بفضل أصوله الشركسية. حالف الحظ بيبرس، أمّا البقية فمن الصعب للغاية حصولهم على حق اللجوء، ولو كان مؤقتًا، من دون إثبات أصول إثنية تربطهم بروسيا.

اسم المقالة الأصلي Russia Pushes Syrians Out Of Their Country, But Refuses Them As Refugees الكاتب                        إيما كابرول / Emma Cabrol المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين ترجمة وحدة الترجمة والتعريب


إيما كابرول


المصدر
جيرون