صحيفة فزغلياد: تحرير الغوطة الشرقية خلق موجة من الأكاذيب المعادية لروسيا



الصورة: بسام خبية/ رويترز

“قتل آلاف الجنود الأميركيين في ضربات القاذفات الروسية”.. صرّح لافروف بأن “وقت الانتقام قد حان”.. مقتل “مئات الأطفال”. كل هذا إشاعاتٌ أو حتى مقتطفاتٌ من وسائل الإعلام الغربية، حول ما يجري في الغوطة الشرقية. ما الذي يجري حقًا في ضواحي دمشق، وكيف نشأ وكر العصابات هناك، ولماذا أخيرًا أصبح تطهير هذه المنطقة مهمًا للأسد؟

كانت الغوطة الشرقية يومًا ما منطقة بساتين مزدهرة غنية بالمنتجات الزراعية، حيث كان سكان دمشق يتمتعون بالراحة فيها منذ أيام الخلفاء. ثم جاء الجفاف، انخفاض منسوب مياه الفرات، بعد تشييد الأتراك سدودًا على نهر الفرات، وأخطاء حكومة بشار الأسد الأب، أدت إلى أزمة اقتصادية-اجتماعية في مناطق شرق سورية. بعدها تدفق اللاجئون من فلاحي هذه المناطق إلى دمشق وحلب اللتين كانتا تنعمان بالرخاء.

امتلأت ضواحي المدن بالبدو الذين لم يعتادوا نمط حياة المدن، وراحوا يبنون منازل في مناطق عشوائية، ولكنهم لم ينجحوا بالاعتياد على حياة المدن. وبسرعةٍ، ارتفع عدد قاطني الغوطة الشرقية من 400 ألف إلى قرابة المليونين (والآن عاد عدد السكان إلى 400 ألف)، وأدى توسع البناء العشوائي إلى نشوء “أعشاشٍ” محلية. وفي الوقت نفسه، كان السكان المحليون يحصلون بصعوبةٍ كبيرة على العمل، إذا بحثوا عنه أصلًا. وأصبحت المساجد والجوامع المكان الرئيس، حيث يمضي الشباب أوقاتهم.

وبالنتيجة؛ تشكل وسطٌ اجتماعي متجانس في حلب والغوطة الشرقية، ترعرعت فيه عصيات بكتيريا “الإخوان المسلمين” أولًا، ثم التنظيمات الأسوأ بكثير. وفي الوقت نفسه، فإن هذه المناطق تقع على مسافةٍ ليست بالكبيرة عن مركز دمشق، حيث الدوائر الحكومية والسفارات. التناقض الاجتماعي كان صارخًا ويُرى بالعين المجردة. والآن تمر خطوط الجبهات بأحياء العاصمة الشرقية.

مع تطور التمرد؛ أصبحت الغوطة، بشكلٍ طبيعي، أحد أكبر المناطق السكنية التي انتقلت بالكامل إلى سيطرة الجهاديين. وبالمناسبة، لم يُشر قط إلى وجود معارضين “معتدلين” أو ليبراليين هناك. فالغوطة تقع تحت سيطرة “جبهة النصرة”، وكذلك حركة “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”. ربيع عام 2013، قامت القوات الحكومية بتطويق الغوطة، ولكنها كانت قد حُوّلت على أيدي “الجهاديين” إلى قلعةٍ حصينة. على خطوط الجبهات الأمامية، حفرت الخنادق بطول عشرات الكيلومترات مترابطة بممرات تمر تحت المباني المنهارة على الخطوط الأمامية. وببساطة، لم يكن لدى القوات الحكومية القوى اللازمة لمحاولة تحرير الغوطة، فترك الجيب واقتصر الأمر على الحصار، تتخلله صدامات بين الجانبين، كانت تتم طيلة السنوات الماضية عبر التراشق بقذائف المدفعية والهاونات ومحاولات التسلل إلى مواقع الخصم، عبر أنفاقٍ تحفر تحت الأرض.

تحولت المناطق السكنية العشوائية، منذ وقتٍ بعيد، إلى “مشهدٍ من القمر”، فالسكان الذين لم يتعايشوا مع قواعد الشريعة، هربوا إما إلى دمشق أو إلى مخيمات اللاجئين، أما من بقي فقد أصبح يدرك مصيره المحزن منذ عامٍ تقريبًا، عندما انتقل ميزان القوى إلى جانب القوات الحكومية، بمساعدة القوات الجوية والفضائية الروسية. عندها بدأت موجةٌ جديدة من مغادرة السكان المحليين. وجاءت ردة فعل الجهاديين بأخذ الرهائن واحتجازهم في الأقبية، في حيت اتخذ إخراج بعض العائلات من بعض مناطق الجيب المحاصر طابعًا حربيًا؛ لأن مفهوم العائلة -عند البدو- يعني مئات الأشخاص.

تحديدًا في عام 2013، وقعت في الغوطة الشرقية حادثة استخدام طرفٍ ما قذائف تحتوي مادة السارين السامة. وفي مفاوضات أستانا، أعلنت الغوطة الشرقية كواحدة من مناطق خفض التوتر. وكانت القوات الحكومية في السابق (في عام 2016) قد تمكنت من تقليص مساحة الجيب، بينما حجز بعض المقاتلين مقعدًا في “الحافلات” المتجهة إلى محافظة إدلب.

بدأ التصعيد قبل عدة أسابيع. ففي شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، دارت المعارك حول موقعٍ استراتيجي: مستودعات ذخيرة ومدرعاتٍ في حرستا. وفي سورية، تصبح المواقع العسكرية القديمة كالمطارات ومخازن الأسلحة نقاط ارتكازٍ للعمليات القتالية. لم تتسرع القوات الحكومية بالهجوم، وتابعت تكتيك الحصار على المنطقة. ولكن ليلة رأس السنة، قام الجهاديون بخرق الهدنة، واحتلوا حرستا بهذا الهجوم الذي شنوه على المواقع الحكومية. وبعد معارك متواصلة استمرت لأسابيع، استرجعت القوات الحكومية القاعدة، بعد تكبد الجانبين خسائر كبيرة. ومرةً أخرى، ظهرت الوحدات المؤلفة من المتطوعين السنّة بشكلٍ سيئ خلال المواجهات. وببساطةٍ يمكن القول إنهم فروا وقُتل قائدهم الجنرال حيدر حسان، في حين قام الجهاديون بقتل الفارين من الطائفة نفسها، وجددوا قصف مدينة دمشق بقذائف الهاون. وبمعنًى آخر: هناك تحت خاصرة الحكومة، تتخندق مجموعة كبيرة جيدة التسليح من الجهاديين، تتصرف بوقاحةٍ بلا ضمير.

أرسلت إلى منطقة الغوطة قوات النخبة الخاصة “النمر”، بقيادة العميد سهيل الحسن، الذي استدعي من إدلب لهذا الغرض بالتحديد. قبل أن تقوم قوات “النمر” بأي عملٍ، قام الجهاديون، في الـ 20 من شهر شباط/ فبراير، بقصفٍ مركزٍ على أحياء دمشق السكنية. وكان ذلك بمثابة القطرة التي طفح بها الكيل؛ فقامت القوات الحكومية المعززة بالمدفعية بالرد.

لم ير المقاتلون المتحصنون في الغوطة مثيلًا لهذه القصف. وعمليًا، دبت الفوضى بينهم على الفور، لتتحول إلى هستيريا على وسائل الإعلام الناطقة بالإنكليزية، ولدى منظمات حقوق الإنسان. ومنذ الـ 20 من شباط/ فبراير، وبالتنسيق مع “الخوذ البيضاء” أنفسهم، ومع “مراكز حقوق الإنسان”، راحت وسائل الإعلام الغربية تتناقل أرقامًا خرافية حول عدد الضحايا بين المدنيين في الغوطة. فكم تساوي الأخبار التي تتحدث “مقتل عدة مئاتٍ من الأطفال”! على الوتيرة نفسها، جاءت الأخبار عن “قصف المستشفيات”، وكذلك مقاطع الفيديو المأسوية. وكلما شعر الجهاديون بالضغط؛ ازدادت الهستيريا اتساعًا. ويتكرر السيناريو نفسه تقريبًا الذي رافق دخول القوات الحكومية إلى مدينة حلب.

لفهم الوضع هناك تفصيل مهم: في إطار الحرب الإعلامية يستخدم “الشهود” المزيفون و”المصادر” المجهولة كموادٍ خيالية موجهة للقارئ الأميركي والأوروبي. على سبيل المثال، قال متحدثٌ من الغوطة الشرقية لصحيفة (الغارديان) (وهو بالطبع طبيب من مستشفى قصفته الطائرات الروسية): إن “الوضع في الغوطة يشبه إلى حد بعيد مجزرة سريبرينيتشا”. وصل الوضع ذروته منذ عدة أيامٍ، عندما ظهر خبرٌ زائف معد بإتقان، ونشر على نطاقٍ واسع، يقول إن “الطائرات الروسية الأحدث (سو-57) سوّت بالأرض الغوطة الشرقية، في يومين، انتقامًا لأحداث دير الزور مع عناصر (فاغنر)”، مدعيًا في الوقت نفسه مقتل عددٍ كبيرٍ من الجنود الأميركيين، يقاربون الألفي جندي، كانوا يتواجدون سرًا في الجيب المحاصر منذ سنوات.

سمح مزيفو الخبر لأنفسهم بالاستناد إلى مصدرٍ في وزارة الخارجية الأميركية، التي يزعم أنها “حاولت الاتصال بموسكو، ولكن أحدًا لم يرفع السماعة هناك”. كما ينقل اقتباسٌ عن لافروف من ميونيخ: “مضى زمن المفاوضات، وحان وقت الانتقام”.  ويزعم مزيفو الأخبار أن لافروف قال أيضًا: “وهذا بالفعل هكذا، فروسيا لم تعد تحتمل تصرفات الولايات المتحدة لا في سورية، ولا في أي مكانٍ آخر. صدقوني إن الوضع في الغوطة أصعب مما كان في (ستالينغراد). لن يخرج من هناك جندي أميركي واحد حيًا”. بالطبع لافروف لم يقل شيئًا، حتى قريبًا من هذا.

ولكن ما الذي سيجري فعلًا في الغوطة الشرقية؟ صرح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أنه بتكليفٍ من الرئيس بوتين، سيبدأ في الغوطة فترة هدوء إنسانية يوميًا، اعتبارًا من 27 شباط، من الساعة 9 صباحًا ولغاية الساعة 14 ظهرًا. بهدف خروج السكان المدنيين سيتم فتح ممراتٍ إنسانية”. وقد جاءت هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الروسي، بعد اجتماعٍ عملياتي عقده الرئيس بوتين مع أعضاء مجلس الأمن القومي الدائمين، لمناقشة الوضع في سورية.

على الأرجح، يجري تخطيط العملية في الغوطة، بحسب “سيناريو حلب”؛ إذ ستؤمن القوات الروسية الممرات الإنسانية، ومن ثم سيتم التضييق على المقاتلين وإخراجهم من مواقعهم المحصنة خلال شهرين تقريبًا. والأكثر احتمالًا أن تقوم القوات الحكومية السورية بالقضاء تدريجيًا على حواف الجيب- منطقة النشابية في الشرق وحي جوبر في الغرب. ويقترح شويغو إقامة ممر إنساني آخر في منطقة التنف التي تسيطر عليها قوات أميركية وقواتٍ سورية معارضة مرتبطة معها.

كل هذا سيكون مترافقًا بحملة (بروباغندا) هستيريةٍ من جانب وسائل الإعلام الغربية. ومنذ الآن، تنقل (بي بي سي) عن طبيبٍ من الغوطة الشرقية قوله: “إنهم يضربون المستشفيات، الأسواق، المدارس والمساجد”. لاحقًا ستكون العناوين أفظع.

في الوقت نفسه، تقول وجهة نظر الولايات المتحدة الأميركية وحلف (ناتو) الرسمية إنه ليس هناك معنى لدعم “جبهة النصرة” وغيرها من أكلة لحوم البشر. ويقال هذا، فقط، بهدف تأخير هجوم القوات الحكومية، لأن تحرير الغوطة سيشكل نصرًا عسكريًا سياسيًا ضخمًا، كما كانت عملية تحرير حلب في حينها.

اسم المقالة الأصلية Освобождение Восточной Гуты породило массу антироссийских фальшивок كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر  صحيفة فزغلياد. 26 شباط 2018 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2018/2/26/910034.html ترجمة سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون