صحيفة يني شفق: الغوطة الشرقية “سربرنيتشا الأسد”!



وأخيرًا، قرر مجلس الأمن في الأمم المتحدة، البحث والاطلاع على الأوضاع غير الإنسانية التي تعيشها الغوطة الشرقية، ليعلن بشكل مستَغرَب عن وقفٍ لإطلاق نارٍ (هدنة) لمدة ثلاثين يومًا، يوضع موضع التنفيذ خلال اثنتين وسبعين ساعة. غير أن أغرب ما في الأمر، هو عدم استخدام روسيا حقّ النقض (الفيتو) هذه المرّة، كما في المرّات السابقة، بالصورة التي كانت تحمي فيها نظام الأسد، وتغض الطّرف فيها عن جرائمه.

مع كل أسف، إن الأسد يستمدّ شجاعته في الجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها في سورية، من روسيا صاحبة حق (الفيتو)، التي تعمل على حمايته في كل الأحوال والظروف. ولكن مشروع القرار المتعلق بإيقاف الجرائم المرتكبة في الغوطة الشرقية، والتي وُصفت بـ “سربرنيتشا الأسد”، والتي تجري أمام أنظار العالم، وحرّكت صور عذاب جهنّم في ضمير ووجدان كل من كان شاهدًا عليها، لاقى الموافقة بعدم إعاقته بـ (الفيتو) الروسي هذه المرّة.

كانت الغوطة الشرقية في الحقيقة، من المناطق التي اتُّفِق على أن تكون بموجب اتفاقية أستانا من مناطق خفض التصعيد. وبذلك فإن قيام النظام بهجمات على وحدات المعارضة المتواجدة في هذه المنطقة، هي مخالفة صريحة وخرق واضح لهذه الاتفاقية. فنظام الأسد الذي يلجأ إلى تدمير حيّ بأكمله من أجل تحييد عنصر مسلح واحد، يكون قد سجل وحشية جديدة وضعت حقوق الإنسان مرة أخرى تحت الأقدام، بقتله ما لا يقل عن 400 شخص من المدنيين، خلال أيام، أكثرهم من الأطفال.

صُور مجازر الأطفال التي تصدرت مواقع الإنترنت بشكل وافر، تظهر قذارة الحرب التي يشنها الأسد ضد شعبه، بكل اشمئزازها وقبحها. وبالتالي، ألا يخجل الذين يشاهدون هذه الصور بعد هذا، من الحديث عن اللقاء بالأسد؟

فأي حسابات وأي مخططات يمكن أن تُرتجى باللقاء بالأسد، بعد ذلك؟ أيجب حمل الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها، أو التي سيرتكبها، معه، لأنه لم يعد قادرًا على حملها بما يكفي؟! هل يمكن، بهذا اللقاء، الحدّ من ارتكابه الجرائم؟ فلتتمعّنوا، إن ارتكاب هذه الجرائم لم يتوقف حتى في إطار الاتفاق الذي تمّ في أستانا، بين روسيا وإيران اللتين تحميانه وتتبنّيانه.

الأمر الوحيد الذي يمكن به إيقاف الأسد، هو فناء كل المعارضين له. فموت ما يقارب مليون إنسان حتى الآن، وإصابة الملايين وتهجير ثمانية ملايين خارج البلاد، إضافة إلى تبديل سبعة ملايين إنسان يقيمون في الداخل أماكنَهم باستمرار، لكيلا يقعوا هدفًا لآلة القتل التي يُعمِلها… وبالمحصلة؛ لم يتبق أحد سوى قلة قليلة من المحيطين به والمتعاونين معه، لم تتضرّر من أفعال الأسد. فالدولة قاب قوسين أو أدنى من أن تصل إلى مستوى دولة بلا شعب، ليس فيها سوى الأسد ومن يغض الطّرف عنه. روسيا وإيران اللتان ليس في متناولهما، في دولة كهذه، ما يمكن الاعتزاز به، سوى آلة قتل وقوة تدميرية، أستشعران بالفخر لأنهما تحافظان على موقع وجبهة ضد الإمبريالية الأميركية أو الصهيونية؟ وإن وجد هذا الموقع، فهل سيتمّ الحفاظ عليه عبر الأسد؟!

تعاون الأسد –PYD: من يخدع من؟

الأسد نفسه، يعمل الآن بالتعاون مع عناصر تعدّ كتائب للصهيونية ولأميركا في سورية، مثل PKK–PYD–JPG. كما أن عناصر الشبيحة التابعة لقوات الأسد، هرعت إلى عفرين، لتقديم المدد والعون لـ PYD من أجل الوقوف في وجه عملية (غصن الزيتون) التي أطلقتها تركيا فيها. وبطبيعة الحال، فإن ترك كل من عفرين والقامشلي وحتى منبج، لعناصر PYD كان تمامًا بتخطيط وموافقة من الأسد.

والآن، هل هناك من معنًى أو تفسير لسؤال مَن يخدع من؟

إن كان نعم؛ فلنسأل: ألا يستلزم أن تشعر إيران التي تدعم الأسد، بأنها مخدوعة، عندما يتعاون الأسد مع كتائب الولايات المتحدة والصهيونية “تنظيم PYD”، وهي تدعي أنها تقف ضد محور الولايات المتحدة والصهيونية؟ أم أن لجميعهم حسابات يخفونها عن العالم، وبالتالي هم يعملون على خداع العالم أجمع؟! ومهما كانت هذه اللعبة؛ فإن الخاسر فيها دائمًا هو الطرف المناهض لمحور الصهيونية. وبالعكس، فإن سياسة إيران مع الأسد تؤدي إلى إراحة الجبهة الصهيونية، وتعمل على تقويتها في نهاية اليوم [في النتيجة]، وضحايا هذه السياسة هم، في النتيجة، الأطفال والإنسانية.

وفي ظل هذه الظروف، فإن قرار مجلس الأمن، مع الأسف الشديد، لا يقدم الضمانات الكافية تجاه ما يرتكبه أو ما سيرتكبه الأسد من جرائم بحق الإنسانية. فالجرائم التي ترتكب في الغوطة الشرقية أمام أعين الإنسانية، وصور أشلاء الأطفال الممزقة، تضعنا أمام سؤال لا معنى له، وتنقلنا إلى مرحلة إلهاء ومراوغة بكل غضب وانفعالية، ألا وهو: هل تمّ ارتكاب هذه الجرائم بالأسلحة التقليدية، أم بالأسلحة الكيمياوية؟!

حتى في مرحلة عدّ فيها أوباما أن استخدام الأسلحة الكيمياوية هو من خطوط الولايات المتحدة الحمراء، كان عدد القتلى نتيجة قصف الأسد للمدنيين ودونما تمييز، بالبراميل المتفجرة، قد وصل إلى ثلاثمئة ألف إنسان. وكان عدد الضحايا في المجزرة التي ذاع خبرها باستخدام الأسلحة الكيمياوية، لا يقل عن 1500 شخص، في ذلك الحين.

في ذلك اليوم، كان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، قد طرح هذا السؤال المهم: إذا كانت النتيجة موت غير محقّ، وكان هذا الموت موتًا جماعيًا ومجازر؛ فما الذي يهمّ بأي وسيلة، وبأي نوع من السلاح تم ذلك؟ أيُسأل من أجل اتهام قاتل ثلاثمئة ألف مدنيّ أكثرهم من الأطفال والنساء، بغير حقّ، بأي نوع من السلاح قتلهم؟! أي وجدان هذا؟ وأي بصيرة هذه؟

يمكنكم أن تصلوا إلى صور الجرائم والمجازر التي ترتكب اليوم في الغوطة الشرقية، في وسائل التواصل الاجتماعي، بالقدر الذي تريدونه، فأجساد عشرات الأطفال والنساء، الممزقة والمصفوفة إلى جانب بعضها، هي نتاج الأسلحة الجرمية، التي تعدّ أسلحة تقليدية.

إن كانت هذه الصور والمشاهد لا تحرّك الوجدان والضمير العالميين اليوم؛ فتبًّا ليد وضمير من لا يزال يبحث عن “شرط السلاح الكيمياوي”.

العنوان الأصلي Doğu Guta Esad’ın Srebrenitsa’sı الكاتب Yasin Aktay المصدر صحيفة يني شفق الرابط https://koseyazari.xyz/kose-yazilari/yasin-aktay/dogu-guta-esedin-srebrenitsasi-160779/ المترجم علي كمخ


علي كمخ


المصدر
جيرون