كلية “المذاهب الإسلامية” بدمشق.. لماذا اليوم؟
5 آذار (مارس)، 2018
أعلن محمد عبد الستار السيد، وزير أوقاف النظام السوري، قبل عدة أيام، عن تأسيس “كلية المذاهب الإسلامية” في دمشق، بالتعاون مع (المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الإيرانية) الذي يتبع لعلي خامنئي. وهي مسألة تأتي في سياق الهيمنة الفكرية الأيديولوجية المتواصلة للإيرانيين على كل مفاصل الحياة السورية، ومن ثم ربط الواقع التعليمي والتثقيفي بآليات موضوعة من قبل ولاية الفقيه، وواضح أن النظام السوري وأدواته ينفذون ذلك بلا وازع من أخلاق أو ضمير. حول إقامة كلية جامعية طائفية إيرانية في دمشق، سألنا بعض المختصين والمتابعين الدمشقيين عن رأيهم في ذلك، ومدلولات هذه المسألة في هذا الوقت؟ وهل يمكن أن يكون ذلك متقبلًا من قبل السوريين ولا سيما الدمشقيين؟
الكاتب الدمشقي عبد الباسط حمودة قال لـ (جيرون): “إن الإعلان جاء من طهران عن تأسيس (كلية للمذاهب الإسلامية) في العاصمة دمشق، وذلك بعد فتح فروع لما يسمى الجامعة الإسلامية الحرة الإيرانية (آزاد)، في كل من سورية والعراق ولبنان، وهو ما نعتبره تمددًا وتكريسًا للنفوذ الإيراني، وهذا انعكاس وتتويج لمرحلة طويلة من التعاون والتنسيق مع نظام الشبيحة الأسدي، وذلك قبل ثورة الحرية بكثير، وكان التركيز على التأهيل العسكري متلازمًا مع الحقن المذهبي والشعبوي، ضد العرب والمسلمين، مع تأهيل لكثير من طلاب الجامعات، وهو يمثل انعكاسًا لمضمون وشروحات كتاب (الشاهنامه) للفردوسي، نهاية القرن العاشر الميلادي، والذي سارت على نهجه النظم الفارسية عبر قرون، وما يزال يسير وفقها نظام ما يسمى “الولي الفقيه”، بعد ثورته المزعومة عام 1979. ولا ننسى الدور المشبوه الذي قامت به المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق ودورها التخريبي الممنهج للبنيان الثقافي السوري، وفق خطة نُسقت مع “محمد ناصيف خير بيك”، منذ عقود وعلى كامل التراب السوري”. أكّد حمودة أن كل ذلك جرى تمريره “عبر ادعاء المقاومة والممانعة (الحزبالاتية) الكاذبتين، وصولًا إلى حاجتهم للتغيير الديموغرافي والمذهبي اليوم، الذي سعى إليه نظام الهمجية الأسدي، مدعومًا بالخطط الصهيونية والتنفيذ الإيراني، إن شعبًا ثار على حثالات متسلطة ومرتهنة للصهاينة والفرس، لن يرضى بغير كنسهم ومعتقداتهم خارج آمال وحياة شعبنا المكافح والثائر، مهما طال المدى، ولن يقبل الإملاءات والاختراق الهمجي للمجتمع المفروض من المحتل الإيراني والروسي وغيرهما”.
سمير الصالح، عضو رابطة العلماء السوريين، قال لـ (جيرون): “الحقيقة أن المعركة بيننا وبين الفرس معركة قديمة كل القدم، وليست معركة حديثة أبدًا، فمن ينسى كيف كان الفرس يسيطرون على بلاد الرافدين، وكانت بلاد الشام مستعمرة من قبل الروم، وكانت المعارك بين الطرفين مستمرة للسيطرة على بلاد الشام تحديدًا، وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة من القرآن، اسمها سورة (الروم) حيث قال تعالى {ألم. غُلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبِهم سيغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعدُ ويومئذٍ يفرح المؤمنون. بنصر الله..} نعم إن السيطرة على بلاد الشام حلم يراود الفرس، منذ التاريخ البعيد، ولكن الله قدر أن تفسد أحلامهم يوم أفاق العرب من رقدتهم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاموا وانتزعوا الشام من يد الروم وحرروا العراق من يد الفرس، ودخلوا بلاد فارس فاتحين، فقهروا الأكاسرة وحرروا العبيد ونشروا الإسلام في بلاد فارس، ومنذ تلك الأيام انصهرت دولة الفرس، وتحولت إلى أرض للعدل والحرية والكرامة، وتحول الكثير ممن كانوا عبيدًا إلى علماء ومحدثين، ولكن نزعة العداء عند بقيتهم للإسلام وأهله لم تخفت نارها في يوم من الأيام، فكادوا للدولة الإسلامية وقتلوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم أدخلوا بعض الزنادقة منهم ليشوهوا جمال الإسلام ونقاء صورته، فألفوا في تكفير الصحابة التصانيف، وجعلوا التكفير دينهم وديدنهم، واتهموا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأبشع أنواع التهم التي يندى لها الجبين، وذلك في محاولة يائسة منهم لزعزعة حقيقة الدين في قلوب المؤمنين”. ويضيف الصالح: “نعم، لقد كان الفرس الخاصرة الرخوة للدولة الإسلامية عبر التاريخ، ومن ينسى حروب إسماعيل شاه الصفوي على الدولة العثمانية، يوم كانت جيوشها تحاصر(فيينا)، وماذا كلفت تلك المعارك من انتكاسات تاريخية على الفتوحات الإسلامية العظيمة أيام العثمانيين، وفي العصر الحديث، قامت دولة إيران على يد الخميني وبدعم دولي ليكون الفزاعة التي تضرب المنطقة العربية، في كل مرحلة تفكر فيها أن تتحرر من الهيمنة الدولية، وفعلًا انطلق الخميني من خلال المستشاريات الثقافية في البلاد الإسلامية للترويج لفكرته الخبيثة، فكرة تصدير الثورة الخمينية، للهيمنة على المنطقة العربية كلها، وقد فتح المجرم حافظ الأسد أبواب سورية الشام على مصراعيها لتلامذة الخميني، وتحت الضغط الأمني الشديد على أبناء الشام، فتحت المشافي والمدارس والحسينيات الإيرانية، إلا أن أهل الشام كانوا يعلمون أن هذه المعركة جزء من المعركة القديمة مع الفرس، لذلك لم يكن هناك استجابة كافية لتحقيق المشروع الإيراني في تلك المرحلة، وأما في عهد المجرم الابن الذي قام بتهجير أهل الشام وأريافها، وأحلّ محلهم الفُرس المجوس، أمام نظر العالم وسمعه، من دون أي اعتراض أو تدخل، ولو بقرار واحد، ويأتي اليوم قرار وزير الأوقاف إقامة كلية الدراسات الإيرانية تأكيدًا علنيًا ومباشرًا بأن البنية السكانية لمدينة دمشق وريفها تغيرت، وصار فيها من الإيرانيين أو المتشيعين أعداد كافية لتكريس فكرة احتلال بلاد الشام، وتشييع من بقي من أهلها أو تهجيرهم، كما يجري اليوم في الغوطة الشرقية، وما حولها من حرب إبادة، ثم فتح ممرات لتهجير الأهالي دون نكير من هذا العالم الرجعي والمتخلف، والذي يفتقر إلى أبسط القيم التي تجعله مجتمعًا إنسانيًا أو أخلاقيًا”. وأجاب عن سبب الإعلان في هذا الوقت، بالقول: “إن الساحة الآن مهيأة أكثر من أي وقت آخر، لانشغال العرب بالمعارك الجانبية في الخليج وغيرها، إرضاءً للإدارة الأميركية التي قررت وبشكل واضح إعلان (إسرائيل الكبرى) من خلال ( صفقة القرن) المتمثلة ببيع القضية الفلسطينية، من خلال الحكام العرب، وتأييد التطبيع مع اليهود، والرضوخ للإرادة الدولية الخبيثة، وقد وجدت الدول العربية المنهكة، بسبب صراعاتها الداخلية ومنازعاتها الجانبية، نفسَها أمام خيارين اثنين: إما تأييد اليهود للحصول على الحماية الأميركية، أو العيش تحت نار إيران وميليشياتها المدعومة من أميركا والمجتمع الدولي، مع العلم أن أهل الشام لم ولن يتقبلوا العدوان الإيراني العسكري والثقافي، بأي حال، لكن القوة العسكرية الضاربة، فضلًا عن سلاح التجويع والإذلال والتهديد بالتهجير، كان لها الدور الأبرز في إغلاق الأفواه من أناس، صار حكمهم حكم المكرهين”.
في الموضوع ذاته، قال الأكاديمي السوري سليمان طعان لـ (جيرون): “الفرق بين إيران وأي دولة سنية أخرى، أن إيران تمتلك (الحسينية)، في حين أن (الدولة السنية) لا تمتلك الجامع. هذا فرق جوهري يجب أن نضعه نصب أعيننا، ونحن نتابع التمدد الإيراني عبر الحسينيات والكليات المذهبية. من هذا المنظور؛ فإن بناء أي (مكان عبادة) من جانب إيران يحوله إلى قطعة أرض إيرانية، وهذا ما يجب الوقوف في وجهه”. وتابع: “الكلية التي تزمع إيران إنشاءها لن تخرج على هذا السياق الذي ذكرناه، غير أنها -في نظري- خطوة متعجلة من جانب إيران، التي تحاول الإيهام بأنها انتصرت، فيما الحقيقة أننا نقف على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع، ستكون إيران فيها الطرف الأضعف”. أما عن نظرة السوريين، فقال: “إن سورية اليوم بلد محتل، ولكن الناس قادرون على المواجهة السلبية، فلن يكون لهذه الكلية تأثير كبير، ولا سيّما أن النظام السوري غير معني أصلًا بهذا الخطاب الديني. في المحصلة، فإن كل المراكز الدينية التي تبنيها إيران داخل سورية سيكون تأثيرها محدودًا، ولا سيما مع تنامي حدة الصراع الطائفي الذي رسم خطوطًا حمراء، لا يمكن للفرد أن يتجاوزها عبر الانتقال إلى الطرف الآخر، مهما قدمت له من مغريات”.
أحمد مظهر سعدو
[sociallocker]
جيرون