“المرأة التي في فمي” لـ سوزان علي: يوميات الحب والحرب



من البديهي أن يلقي “الحدث” السوري بظلاله على الكتابة الإبداعية، سواء داخل البلاد أو خارجها، ما يشير إلى نزعة جديدة في الكتابة والأدب السوريين، تخص اللحظة الراهنة وما لها من معطيات مؤلمة؛ “القتل، الرصاص الطائش، الدبابة، النهاية، السكين، الحرب، المرضى، الغياب الطويل، المشنقة، وغيرها الكثير”، مفردات تتسلل إلى جسد النص، على مرأى ومسمع المبدع نفسه.

“نم سعيدًا، أيها الحب/ يا قشرة الضلال الأخيرة فوق هذه الأرض/ أنا قطة خطواتك حين يطردونك من العمل”. بهذه اللغة الحميمة والهادئة، تفتتح الشاعرة السورية سوزان علي، باكورة أعمالها الشعرية (المرأة التي في فمي)، الصادرة حديثًا عن منشورات المتوسط (ميلانو- 2018)؛ لكنها ليست النبرة الوحيدة دون شك، إذ ثمة وجع مدفون بين ثنايا كلماتها، بحيث نجد -جنبًا إلى جنب- الحب والحرب، كلاهما في درفة واحدة.

المجموعة الواقعة في ثمانين صفحة من القطع المتوسط؛ جاءت متحررةً من أسر “العنونة”، إذ تكتفي الشاعرة بتقنية المقطع، بحيث كل مقطع يأخذ مساحة صفحة أو أكثر قليلًا، ما سهل للقارئ عملية التلقي، حيث أتاحت له الانتقال بسلاسة من قصيدة/ مقطع/ صفحة لأخرى: “يأخذني الرصيف إلى البيت/ يأخذني البيت إلى الفوضى/ تأخذني الفوضى إلى الشجرة/ تأخذني الشجرة إلى جسدي/ عميقًا عميقًا/ رائحتي تحوم حول جذر رمانة في أعالي الجبال”.

ما نجده هنا، في هذا المقطع، من انسيابية وديناميكية في اللغة أو تلاعب بالمفردات، ومن ثم رصفها هكذا ببراعة وإدهاش، ينسحب على معظم قصائد المجموعة، حيث الجمل تتوالد واحدةً تلو الأخرى؛ ما يضفي المزيد من الربط والليونة على أجواء المجموعة، حتى تكاد أن تكون أشبه بقصيدة واحدة، طويلة.

ولعل ما يلفت الانتباه -أيضًا- لدى سوزان علي، هو ذلك الأداء الشعري المحكم في تناول المتناقضات التي تذخر بها الحياة، النقيض بوصفه الوجه الآخر والمتمم للنسخة الأساسية؛ تقول: “أحلم بدبابة والقليل من الرصاص في جعبتي/ لأدخل الحقول المهجورة، وأدربها على النسيان/ وإن اهتزت الريح في حضن الشجر/ سأخرج من الدبابة باسمةً/ وأرفع قبعتي/ لم أجئ لقتلك، أيتها العصافير”. المفاجأة أو ما يسمى ببؤرة التوتر في النهاية، جعل هذا المقطع يخرج من طور الرتابة المملة، عدا عن مجموعة ثنائيات تمت توظيفها بإتقان، من مثل: “الحب” و”الحرب”، “الحياة” و”الموت”، “الدبابة” و”العصفور”، تلك التي بدت جليةً، وأضفت إليه لمسةً جمالية، بكل تأكيد.

تدوين اللحظة الراهنة

تكتب سوزان علي، وكأنها تنظر بالبصيرة لا بالبصر وحده، قصيدتها لا تكتفي بسرد الأحداث فحسب، بل تتنبأ بالغد/ المستقبل أيضًا؛ ثمة التفاصيل العابرة كمشاهدة فيلم، تتداخل بحميمية مع مشاهد مرعبة: “القناص المتكئ على بوز بارودته”، على سبيل المثال لا الحصر، حيث نجد أن المشهد مكتمل من حيث زاوية الالتقاط المراد تدوينها، كجزء رئيس من اللحظة الراهنة وبحذافيرها؛ تقول: “هيا، لنشاهد فيلمًا، أيها القناص البعيد المتكئ على بوز بارودتك/ هل تحب الأفلام الفرنسية؟/ تلك التي تبدأ بقبلة، وتنتهي بانتحار/ تعالي، إلى شرفتي، أيتها الرصاصات الطائشة/ نثرت لك القليل من الحنطة والماء، كي تتذكري”، تتابع الشاعرة، لتقترح الصمت ومن ثم البهجة، لربما يكمن فيهما خلاصنا الأوحد، حيث تقول: “اصمتوا جميعًا، وتعالوا إلي/ عندي أغاني الحصاد والأعراس/ شاي وقهوة وأعشاب برية/ عندي نبيذ من دمع الوادي/ عندي من البهجة ما يكفينا، كي نموت معًا”.

ثمة نفحة شعرية لتجارب نسوية، في مقدمتها كل من دعد حداد، وفروغ فرخزاد، نجدها في المقطع السابق، وتحديدًا نفحة “التمرد”؛ السمة الأبرز، المرادفة للكتابة الإبداعية ومنها الشعرية، باعتبارها وسيلة تعبير واحتجاج على المظالم التي طالما نعاني من وطأتها في مجتمعاتنا؛ جنبًا إلى جنب مع علو نبرة السخط والتهكم من معطيات الواقع المرير، حيث إن عملية الإبداع -بحسب الشاعرة سنية صالح- هي وجه من أوجه الرفض ونوع من الثأر وإحقاق الحق.

“أكتب قصيدةً عن الحب الذي لا أعرف من أين يأتي، لأنتظره حافيةً، عاريةً، ولا كيف ينتهي، لأنتهي قبله حافيةً عارية”.. تقول سوزان.

ــــــــــــــــ

الكتاب: المرأة التي في فمي (شعر)

المؤلف: سوزان علي (سورية)

الناشر: منشورات المتوسط – ميلانو 2018

الصفحات: 80 صفحة

القطع: المتوسط


عماد الدين موسى


المصدر
جيرون