قمر الزمان علوش: الرحمة على الشهداء الروس



بعد سقوط الطائرة الروسية ومقتل عددٍ من ضباط وجنود الاحتلال الروسي، في قاعدة حميميم أمس الثلاثاء؛ كتب “الكاتب السوري” قمر الزمان علوش، على صفحته في (فيسبوك): “قبر أمي في حميميم، أفاقت من قيلولتها، وسألت: لماذا ذبلت الزهور حولي فجأة، يا بني”. فعلق أحدهم ليترحم عليها، فأجابه علوش: “ولأرواح الشهداء الروس الذين قضوا دفاعًا عنا”.

إذن، ذبلت زهور ذلك القبر فجأة، وشاركت في مراسم الحزن والدهشة من هول المصاب الجلل: عدد من فرسان الروس تركوا نعيم تلك البلاد وسحر “الفودكا”، حيث أبكتهم صور المعذبين والمظلومين السوريين، فاستُنفروا وجاؤوا على عجل، ليُظهروا فائق شهامتهم، على أطفالٍ سوريين محاصرين وجائعين! ولكن علوش لم يرَ هؤلاء الأطفال ولا أمهاتهم، ولم تصل صرخاتهم إلى أطراف صيوان أذنه الرهيفة في سمعها، على الرغم من أنها وصلت إلى جميع أصقاع الأرض.

علوش أحد أقمار ثقافة الاستبداد الأسدية، يثبت أنه نسخة عن كل ما تراكم من ثقافة عرجاء، احتلت مساحات الهواء التي كان يمكن أن يشغلها آخرون، ليبدعوا ويقدموا فائدة لمجتمعهم وللذاكرة الإنسانية، سلبوا تلك المساحة بعنجهية السلطة، ليذهب مستحقوها إلى غياهب السجون أو الإعدامات أو التهميش والتضييق والترهيب، وحاولوا “التشاطر ثقافيًا” بجملهم الناقدة لفسادٍ هنا أو خطأ هناك، بصفتهم أصحاب رأي وأقلام تملك الحقيقة، واعتقدوا أن المجتمع السوري لم ينجب أدمغة بمستوى أدمغتهم، التي تتناسب مع مقولة إن سورية لم تنجب قادة إلا آل الأسد، الخلف والسلف.

قمر المثقفين السوريين الأسديين، الذي يتمتع بمنهج فكري حريص على مستقبل الوطن والمواطن، من استباحة الفكر السياسي الإسلامي، لم تلفت نظره أجواء العاصمة دمشق التي يملؤها ضجيج الطائرات المحملة بشتى أصناف مواد القتل، لتبيد غوطتها ومن فيها، ولم تصل إليه رائحة كيمياوي نظامه، ولا عذابات المحاصرين الجوعى والمرضى، الذين أكدت منظمة (أطباء بلا حدود) أن نظام الأسد، صادر من تلك القافلة النادرة التي سمح بدخولها، كافة الأدوية المنقذة للحياة، ولم يسأل لماذا نظامه سحب حتى مواد التخدير الخاصة بالعمليات، وإن كان الغرض من ذلك بعيدًا عن الإرهاب، ولا يدل على رغبته في أن يصبح أطباء الغوطة معذِبين لمرضاهم عوضًا عن جلاديه، بحكم الضرورة.

لم يدرك علوش، حتى الآن، أن أولئك القتلة الروس، لم يغتالوا الأطفال في الحواضن أو في الملاجئ وحسب، بل قذفوا الوطن السوري بكل أنواع الحقد، هذا الوطن الذي أراد علوش أن يقنعَنا، في بعض كتاباته، بأنه داع لديمقراطيته ولحكم القانون فيه ولحرية الصحافة والإبداع، وأنه متألم لبعض الجهل والفساد والمحسوبيات بمؤسساته، ليظهر أخيرًا بأنه قمرٌ روسي بنكهة إيرانية، ألهمته ثقافته اليسارية أن يكون نسخة من يساريي هذا العالم الذين ألهمتهم الشعارات الفاقعة، فأدخلتهم في صوفية الكلمات، ليتقنوا طقوس الشعوذة الثقافية، كأدونيس ونزيه أبو عفش وغيرهم.

هم على خلاف مع الإسلام السياسي، وهذا حقهم. لكنهم لا يرون بأسًا في ميليشيا “نصر الله وزينبيون وفاطميون وحسينيون” وغيرهم، رمزًا لليسار. مثقفون من متاحف “الجريدة أسفل الإبط لتروني” الذين ما زالوا يعتقدون أن حارات موسكو ومسارحها يسكنها الرفاق البروليتاريين الروس، ألهمت ثقافتهم جرائم بوتين والأسد، ولم تلهمهم صيحات الحرية، يا لها من ثقافة.

إن التضامن مع القاتل ليس من صفات النبلاء، والثقافة الإنسانية هي نبلٌ، قبل أي شيء، وفي بلاد غاب فيها النبل ومفاهيم القيم في ظل القمع والوصولية، واستفحلت سياسة الفوقية المبنية على خواء فكري، ملأته عناوين كتب ومفردات، دون إدراك لمعناها، هي التي كانت من أسوأ أعداء هذا المجتمع، مهما تلونت و”تمكيجت” وادعت.

قمر الزمان علوش يرى في الرفاق الروس شهداء مخلصين، وفي ضحايا هذا الوطن الذين وصفتهم المنظمات الدولية، بأنهم يعانون من أسوأ كارثة مرت على البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، مجرد إرهابيين ومجرمين. طوبى للأسد وبوتين بمثقفيهم ومحبيهم وكتبتهم. وطوبى للسوريين بدماء شجعانهم، ولثورتهم بكشفها حجم الفاجعة الثقافية والمعرفية والإنسانية التي ألمت بالوطن، فكانت الكارثة متعددة الأوجه.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون