إلى كل المؤيدات



في 16 آذار/ مارس 2011، أي قبل انطلاق الثورة السورية بيومين، تظاهرت عشرات النساء السوريات من أهالي المعتقلين السياسيين، قرب وزارة الداخلية وسط دمشق، ورفعن لافتات تُطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ورفع قانون الطوارئ، وتكريس الحريات العامة؛ ففرقتهن قوات الأمن بعنف، واعتقلت عشر سيدات منهن.

بعد شهر، في نيسان/ أبريل، خرجت نساء القرى المجاورة لدرعا، في تظاهرة كبيرة، يطالبن بفك الحصار عن درعا، وإطلاق سراح السجناء السياسيين السابقين والجدد، وكنّ نموذجًا حيًا للنساء السوريات الرافضات الاستبداد، وكنّ يودّعن أبناءهن الشهداء بالزغاريد، ويؤكدن أن أرواحهن وأبناءهن فداء للحرية.

في الشهر نفسه، لم يمنع وجود قناصة النظام فوق الأبنية، وتجوّل حاملات جند مدرعة في الشوارع، نساءَ داريّا من الخروج في تظاهرات، تطالب بفك الحصار عن درعا.

بعد شهر، في أيار/ مايو، اعتصمت 50 سيدة في سوق الصالحية وسط دمشق، دعمًا لدرعا المحاصرة: فنانات وكاتبات وإعلاميات وسيدات بسيطات، من جميع الطوائف، محجبات وسافرات، رفعن لافتات ضد عنف النظام؛ فتوحشت أجهزة الأمن لتفريقهن.

بعد يومين، ورغم المخاطر، تكرر هذا التجمع، في المكان نفسه، بمشاركة خمسة أضعاف عدد النساء، هتفن للحرية والكرامة؛ فكان الرد اعتقال عدد منهن.

في الأشهر المتبقية من عام 2011، كان للمرأة السورية دور هائل، لا يقتصر على العمل الميداني ومشاركة الشباب والرجال التظاهرات، بل كانت لهنّ مشاركات سياسية وحقوقية وإعلامية وتوثيقية، وسخّرت الكثيرات أنفسهن لحماية المحتجين، وتوثيق الجرائم والمطالبة بالحرية.

قبل ذلك، وتحديدًا قبل أربعة عقود، حلّ الأسد الأب جميع المنظمات النسائية التابعة لكل الأحزاب السياسية، وفرض على نساء سورية منصّة وحيدة (الاتحاد العام النسائي)، التابعة للأجهزة الأمنية والمؤتمرة بأوامرها، ودكّ الناشطات السياسيات في السجون.

خلال حكمه، أصرّ الأسد الأب على إبقاء التشريعات السورية المتعلقة بالمرأة متخلفة، وظلّت تابعة، نسبيًا أو كليًا، لمؤسساته، ورفض تحسين أو تغيير هذه التشريعات.

تابع الأسد الابن المسير، وللإيحاء بأنه نصير للمرأة؛ صادق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: (سيداو)، لكنّه -من خلف الظهر- تحفّظ على مواد أساسية، حرمتها المساواة مع الرجل، ومنعتها منح جنسيتها لأطفالها، وحجبت عنها الحق بالزواج والطلاق والولاية والقوامة والوصاية، وحمت مرتكبي الجرائم بحق النساء.

خلال حكم الأسدين، وبرضاهما، وفي ظل قوانينهما التي أصرّا على أن لا تتغير، عُنفت 70 بالمئة من النساء السوريات المتزوجات، من قبل أزواجهن، و30 بالمئة منهن من قِبَل الغير، وارتُكبت 72 بالمئة من جرائم الشرف، من دون دليل طبي على ارتكاب الأنثى فعلًا شائنًا.

طوال السنوات السبع الأخيرة من حكم الأسد الابن، واجهت المرأة السورية عنفًا لم تشهده المرأة في تاريخها، عنفًا داميًا وحشيًا، أفقدها إنسانيتها وكبريائها وأسباب وجودها، ومرّت أكثر من ستين ألف سيدة سورية بتجربة الاعتقال، أي ما يقرب من عشرة آلاف سيدة كل عام، والغالبية العظمى منهن تعرّضن للتعذيب والاعتداء والإهانة. وأنتجت حرب النظام عددًا لا يُحصى من الأرامل، ونحو مليوني لاجئة خارج سورية، وضعف هذا الرقم من النازحات داخلها، واستخدم النظام أعنف الوسائل لإذلال المرأة، والثأر والانتقام منها، وتوحشت القوات العسكرية والأفرع الأمنية والشبيحة والميليشيات الرديفة، في أذيتها وترهيبها بشكل مُمنهج.

كانت الثورة السورية امرأة جميلة رقيقة، ولم تكن ثورة سلفيين وإرهابيين وطائفيين، كما ادّعى ويدّعي النظام، وكانت كثافة مشاركة النساء أكبر دليل على ذلك، وكان للحرية طعم مختلف بوجودهن.

هؤلاء هنّ النساء السوريات الحرائر، وتلك كانت ثورتهن… وهذه هي إنجازات النظام السوري، وطريقة مكافأته للمرأة، ووسائل تقديره لمكانتها وأهميتها. وعليه… أما آن للسيدات المؤيدات للنظام أن يُبصرن.


باسل العودات


المصدر
جيرون