on
القوى الأجنبية تتنافس على حصة في سورية، لا سلام بعد الدولة الإسلامية
لقد هُزم (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) إلى حدٍ ما، ولكن السلام في سورية لم يتحقق، بل على العكس، من دون عدو مشترك، تسعى الأطراف المتورطة الآن لتحقيق مصالحها الخاصة، حيث يريد كل منهم حصته من البلد.
الصورة: مقاتلون من (الجيش السوري الحر) المدعوم من تركيا في حلب
العنوان الأصلي Foreign Powers Compete for a Slice of Syria الكاتب Christoph Reuter المصدر دير شبيغل الرابط http://www.spiegel.de/international/world/foreign-powers-competing-for-a-slice-of-syria-a-1194259.html المترجم محمد شمدينكم من التزوير في سورية يحدث: مقاتل من الميليشيات العراقية-الأفغانية، تحت قيادة مشتركة لإيراني وقوقازي روسي! ويحدث أكثر مما تتصور، حيث شارك نحو 300 مقاتل في 7 شباط/ فبراير، في هجوم غريب، وهي القوة المهاجمة التي قصفتها الولايات المتحدة، عندما عبرت جسرًا عائمًا فوق نهر الفرات، في محاولة للسيطرة على أكبر حقول الغاز الطبيعي، في شرق سورية، لصالح نظام الأسد. بالقرب من مدينة دير الزور، الحقل المعروف بـ (كونيكو) الذي كان تحت سيطرة (الدولة الإسلامية/ داعش)، قبل أن تسيطر عليه القوات الكردية في أيلول/ سبتمبر، بمساعدة من القوات الخاصة الأميركية التي تمركزت في المنطقة، منذ ذلك الحين.
إنها قصة محيرة، لكنها تقول الكثير عن الوضع المحير والخطير المتصاعد في الحرب السورية[1]. إن التقدم نحو حقل (كونيكو)، حيث يعتقد أن نحو 100 من المهاجمين فقدوا حياتهم في الغارات الجوية الأميركية، هو واحد من عدة اشتباكات، بين القوى العسكرية في البلاد. في الواقع، تحولت سورية إلى ساحة معركة للقوى العالمية والإقليمية -بما في ذلك الولايات المتحدة[2] وروسيا وتركيا وإيران و”إسرائيل”- الذين يستخدمون البلد كمكان في سعيهم لتحقيق مصالحهم الخاصة. إن نسبة خطر حدوث تصادم غير مقصود أصبحت عالية. وأصبح الصراع -بالنسبة إلى المتابعين الخارجيين- عصيًّا على الفهم.
لقد شنت الأطراف الدولية الداخلة في هذه الحرب، في وقت واحد تقريبًا، هجمات هائلة في الأسابيع القليلة الماضية. فعلى مدى 28 يومًا مضى، يشن الجيش التركي هجومًا على (وحدات حماية الشعب) الكردية[3] في مدينة عفرين شمال سورية. ونفذ الطيران الإسرائيلي موجة من الغارات الجوية، التي قالت إنها دمّرت نصف القدرات السورية المضادة للطائرات، بعد أن أُسقطت إحدى طائراتها الجوية، ردًا على دخول طائرة إيرانية موجهة المجالَ الجوي الإسرائيلي.
كذلك الاشتباك الغامض الذي اندلع بالقرب من حقل الغاز الطبيعي، الذي وصفته بعض التقارير بأنه أكثر مواجهة دموية، بين القوات الروسية والأميركية منذ نهاية الحرب الباردة. أفادت الأنباء عن وجود مرتزقة روس بين القتلى، حيث ادعت بعض المصادر أن العدد يصل إلى 200 روسي قد قُتلوا في المواجهة. وذكرت بعض المصادر المحلية في المستشفى العسكري الرئيسي في دير الزور، أن عدد القتلى كان من 10 إلى 20 جثة.
بأي حال من الأحوال، إن تدخل القوى الأجنبية في سورية ليس بجديد. ولكن الكثافة الحالية للنزاع يمكن أن تعزى، إلى درجة عالية، إلى سبب واحد: عدوهم المشترك قد ولى. فمنذ خريف عام 2014، وافقت جميع القوى على أن (الدولة الإسلامية/ داعش) هي الهدف الرئيس لهم. وإن كان هناك مجال للشكوك حول صدقية روسيا وتركيا في هذا الأمر؛ فإن محاربة (داعش) أدت إلى توحيد جميع المعنيين.
تأمين قطعة من سورية
أما الآن، وقد هزم “تنظيم الدولة الإسلامية”، وتم تقليص “الخلافة” إلى بضع بقع صغيرة، وبعض المناطق في الصحراء. لكن لم ينتج عنه السلام، فمؤخرًا لم يكن “تنظيم الدولة الإسلامية” مجرد شذوذ، بل أيضًا ذريعة. إن محاربة المتطرفين الإسلاميين كانت تتم باستمرار النية في أن تصبح الأراضي المحررة جزءًا من مجال نفوذها. لقد سمح للجميع بالحصول على حصة من سورية.
التحالف المناهض ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” أتى بالقوات الأميركية إلى البلاد وجعل الأكراد في شمال سورية في وضع قوي. الآن هم يسيطرون على ربع البلاد ويودون أن يبقوا على هذا النحو. إلا أن تركيا تريد منع الأكراد من الاحتفاظ بتلك المناطق. وعندما تقدمت القوات الكردية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى أبعد من ذلك، تبعتهم القوات الأميركية في المروحيات إلى منطقة دير الزور، لمنع أي طرف آخر من السيطرة على حقول النفط والغاز هناك. الآن، الولايات المتحدة تستخدم تلك القوات الكردية نفسها، وقد تم تجهزيها لمحاربة (داعش)، لمنع التقدم الإيراني في سورية.
بالطبع، كل القوى الأجنبية مهتمة بإبقاء خسائرها الخاصة إلى أدنى مستوى ممكن، وهذا هو السبب في تجنيد العديد من الوكلاء والميليشيات، لمتابعة فوضى القتال البري.
يستخدم الأميركيون الأكراد لتعزيز مصالحهم الخاصة، والأتراك، إضافة إلى جنودهم، يستخدمون المعارضين المناهضين للأسد، للقتال نيابة عنهم، وفي الوقت نفسه، تمتلك إيران خليطًا متنوعًا من المجندين العراقيين والأفغان والباكستانيين تحت قيادتها، إضافة إلى عناصرها. ومنذ عام 2013، كان هناك عشرات الآلاف من الجنود الخاضعين للسيطرة الإيرانية، يدعمون نظام بشار الأسد، يقودهم ويدربهم ويمولهم “الحرس الثوري” الإيراني الذي يريد إبقاء حليفه في سورية في السلطة بأي ثمن. وقد شاركت إحدى هذه الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات أيضًا في الهجوم على حقل غاز (كونيكو)، وهو عبارة عن مجموعة من المقاتلين خرجوا من كارثة فيلم.
وشارك في الهجوم اثنتان من الميليشيات القبلية المحلية، من ضمنها واحدة يسيطر عليها المزوّر “تركي البوحمد”. عندما أرادت قطر اعتقاله بتهمة تزوير مستندات في المملكة العربية السعودية، وكان في سورية معروفًا، بكونه زعيم عصابة من لصوص الطرق السريعة. في عام 2013 عرضت دمشق عليه المال والإفلات من العقاب، إن هو وضع نفسه ورجاله في خدمة النظام.
أيًا كان ما يريدون
كما تورط المرتزقة الروس أيضًا، بمن فيهم “كوساك” البالغ من العمر 51، وقد ظهر في صورة قبل القتال رافعًا ميدالية وسيفًا. الوحدة المعروفة بمجموعة (فانغر)، كانت قد استأجرت من قبل مجموعة من رجال الأعمال السوريين.
هناك العديد من الصراعات المختلفة التي تتقاتل حاليًا على الأراضي السورية، وليس هناك ما يشير إلى أن العنف سينتهي في وقت قريب. لقد استمر المجتمع الدولي في المطالبة بحلّ تفاوضي، ولكن النداءات كانت مجرد كلمات فارغة لا أكثر، وشجعت تلك الأطراف على اتخاذ كل ما تريده عسكريًا.
بدأ كل شيء مع الأسد الذي فضّل تدمير البلاد بأكملها على أن يتخلى عن السلطة، وهذا هو السبب في أنه يريد حربًا في كل سورية. لكن نظامه كان ضعيفًا جدًا لمثل هذه المعركة؛ ما جعله يعتمد على الدعم الروسي والإيراني، وعلى الأكراد الباقين على الهامش. وكانت النتيجة شكلًا من أشكال الفوضى التي لم تعد الشروط القياسية كافية لوصفها. كلمات مثل “الحلفاء” و”الخصوم” فقدت المعنى، منذ مدة طويلة، وقد اتسمت العلاقة بين الروس والأكراد والإيرانيين والأكراد والأتراك والأميركيين، جنبًا إلى جنب مع أنصار نظام الأسد، بالعداء في بعض المناطق في سورية، وبالتعاون في مناطق أخرى.
ساهم التصعيد في شرق دير الزور، بشكل مثير للإعجاب، في تسليط الضوء على هذه التحالفات المتغيرة، على الرغم من أن الوضع قد تطور بشكل مختلف عمّا كان مقررًا. في الواقع، أكدت عدة مصادر أنه قبل الاشتباك، تم التوصل إلى ترتيبات بين (قوات سورية الديمقراطية) بقيادة الأكراد، وبين النظام السوري والروس.
ووفقًا للاتفاق، فان (قوات سورية الديمقراطية) كانت مستعدة للانسحاب طواعية من المنطقة المحيطة بحقول الغاز، وأن تسمح للقوات الحكومية بإحلالها في مكانها. في المقابل سوف يغلق الروس المجال الجوي أمام القوات الجوية التركية فوق عفرين، وسوف تسمح قوات الأسد، بعد ذلك، بمرور تعزيزات عسكرية كردية عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة إلى عفرين من المنطقة المعزولة عنها في شرق سورية.
بعبارة أخرى: إن الصفقة شملت نظام الأسد الذي سيكسب أراضي في الشرق، مقابل مساعدة الأكراد في الشمال في معركتهم ضد الأتراك.
حدث خطأ ما
في الواقع، توقفت الغارات الجوية التركية على عفرين في 4 شباط/ فبراير، حيث أغلقت موسكو المجال الجوي أمام الأتراك. نتيجة لذلك، أوقفت تركيا هجومها، لأن الجيش، من دون القصف من فوق، غير قادر على المضي قدمًا في الخطوط الكردية، التي تدافع وهي في مخابئ خرسانية. في الأيام التالية، وصلت قافلة تضم 200 حافلة وشاحنة من المناطق الكردية الشرقية إلى عفرين محملة بالمقاتلين والذخائر والأسلحة الإيرانية. ولكن عندما حان وقت تنفيذ الجزء الثاني من الصفقة المتعلقة بحقول الغاز في شرق سورية؛ حدث خطأ ما.
قامت بعض مواقع على شبكة الإنترنيت تابعة للمعارضة السورية، بالإبلاغ عن أن وحدات من قوات الأسد تستعد لاقتحام حقل الغاز الطبيعي، وادعت (قوات سورية الديمقراطية) أنهم أبلغوا الأميركيين بالهجوم القادم. ولكن الولايات المتحدة لم تقف ساكنة، بدلًا من هرولة التابعين لها. فهل بالفعل فشل الأكراد في تنبيه الأميركيين، وأنهم لا يريدون أن تنتهي الصفقة؟ أم أن البنتاغون اختار تجاهل الصفقة التي كان حلفاؤه قد تفاوضوا عليها؟
على أي حال، موسكو كانت مستاءة للغاية من الأكراد. فبعد يوم واحد فقط من المحاولة الفاشلة لاحتلال حقل الغاز الطبيعي؛ رفع الروس الحظر عن الطيران التركي فوق عفرين، حيث جددت القوات التركية هجومها على الأكراد في المدينة، واستولت القوات البرية على خمس قرى بعد ذلك.
في الحقيقة أن العديد من الروس قد قتلوا في العاصفة الأميركية التي أنهت الفوضى. وبعد الهجوم مباشرة، أصرت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا على أنها كانت على اتصال بالروس، قبل العملية وأثناءها على حد سواء، لتفادي الاصطدام، ولم تنكر موسكو التأكيدات. وأصدرت وزارة الدفاع الروسية في وقت لاحق بيانًا، قالت فيه إن المقاتلين تقدموا “بلا تصريح” من الجيش. ولكن هل هاجموا تمامًا من دون علم موسكو؟ يبدو هذا غير محتمل.
تنافس النظريات
الحقيقة أن الصراع المفتوح بين القوى المتنافسة الآن ليس التطور الوحيد والجديد. يبدو أن حليفي النظام يتجهان إلى الخلاف، روسيا وإيران كلاهما يريد الأسد منتصرًا، ولكن كلما كان هذا النصر الأقرب عسكريًا، وذلك بفعل الضربات الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية البرية، أصبح من الواضح أن الجانين يتنافسان على مفاهيم ما يطلقونه على ذلك الانتصار.
تريد موسكو “عودة روسيا”، وما يقابلها من عوائد على السياسة الخارجية: أي أن تحل أخيرًا محل واشنطن كأهم فاعل في الشرق الأوسط. ولكن من أجل تحقيق هذا الهدف، لا بد من السلام في نهاية المطاف، لأن العنف الذي طال أمده قد أصبح غير محبذ في الوطن.
على النقيض من ذلك، يريد “الحرس الثوري” الإيراني السيطرة الدائمة على سورية، وتحويلها إلى رأس الجسر المقبل في التوسع الشيعي. بل إنها تعمل بالفعل على تحويل السوريين السنّة إلى المذهب الشيعي، وشراء العقارات والمصانع. وقد لا يكون ذلك في مصلحة روسيا، ولكن من دون إيران؛ لن يكون للأسد فرصة، وسيكون هذا هو نهاية أمل موسكو أن يأتي يوم هادئ والبلاد تحت سيطرة الأسد.
[1] Susanne Koelbl “ماذا بعد الحرب في سورية?” January 24, 2018. http://www.spiegel.de/international/world/assad-s-victory-what-comes-after-war-in-syria-a-1188244.html
[2] ‘We Are Seeing What Happens When the U.S. Pulls Back’January 08, 2018. http://www.spiegel.de/international/germany/sigmar-gabriel-we-are-seeing-what-happens-when-the-u-s-pulls-back-a-1186181.html
[3] ماذا يعني التدخل التركي في سورية, February 02, 2018. http://www.spiegel.de/international/world/war-that-won-t-end-no-signs-fighting-will-cease-in-syria-a-1190938.html
محمد شمدين
المصدر
جيرون