دمشق إلى مزيد من العزلة



“سبعة أعضاء من اليمين الألماني في دمشق”، خبرٌ قد يقرأه البعض على أنه انفتاح غربي على سورية، أو شكل من أشكال التطبيع، أما القراءة الصحيحة لهذا الخبر، فهي أن دمشق تغرق في عزلتها أكثر فأكثر، فهدف ضيوف دمشق هو هدف فاشي عنصري، من أجل دراسة إمكانية طرد اللاجئين السوريين من ألمانيا، وإعادتهم إلى سورية قسرًا، فهم ليسوا طرفًا في الحكومة الألمانية، ولَم يحضروا إلى دمشق من أجل إعادة الإعمار، ولا من أجل المساهمة في إيجاد حل سياسي والدفع به إلى الأمام.

نلاحظ، من خلال الشخصيات السورية التي التقى بها الوفد الزائر، مدى أهميته! فقد التقى الوفد العميد في المخابرات السورية وفيق ناصر، الذي مارس كل عبقريته، منذ سبع سنوات حتى اليوم، من أجل قتل الشعب السوري، وساهم -حين كان رئيسًا لجهاز المخابرات في المنطقة الجنوبية- في تفتيت النسيج الاجتماعي وإحداث الفتن بين المكونات الاجتماعية، منذ أن انضم إلى المتظاهرين في درعا البلد، على أنه مدني من الرستن، وبقي معهم خمسة عشر يومًا في ساحة المسجد العمري، وساهم لاحقًا في مجزرة (السكة)، من خلال توجيه المتظاهرين إلى مبنى الأمن السياسي، وإجرام هذا الرجل يمكن أن يكون موضوع كتاب كامل، والشخصية الثانية هي مفتي الجمهورية أحمد حسون، الذي يرى سورية من خلال فوهة المدافع التي تقصف الغوطة، ومن خلال أحذية جنود حسن نصر الله وجيوش الغزاة.

سبق الوفد الألماني وفود فرنسية وأخرى نمساوية، وجميعها على شاكلة الوفد الألماني، وتنتمي إلى التيار الفاشي ذاته، ولَم يكن لهذه الزيارات أي تأثير يُذكر على مواقف دولها التي تنظر إلى الأسد كمجرم حرب فاشي، فات وقت إمكانية إعادة تأهيلية والقبول به مجددًا في المجتمع الدولي، حتى لو شاءت تلك الدول ذلك؛ فإن ملف الأسد الإجرامي أصبح أثقل من أن تحمله أي دولة أو تتسامح به.

سبق هذه الزيارة أمرٌ آخر، في المنهج ذاته، هو زيارة علي مملوك السرّية إلى إيطاليا، بوساطة من رئيس جهاز الأمن اللبناني اللواء إبراهيم عباس، وكان عنوان الزيارة هو “مكافحة الإرهاب”، حيث التقى علي مملوك في روما بوزير الداخلية الإيطالي، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية.

كل الأخبار والتقارير، مع كل تقاطعات وتناقضات المصالح في سورية والمنطقة، تُشير إلى أن دمشق ذاهبة إلى مزيد من العزلة الدولية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حليفيها: روسيا وإيران كليهما، ومن هذه المؤشرات تزويد أميركا لأوكرانيا بمضادات للدروع، وهذا يؤشر إلى أن الولايات المتحدة والغرب عمومًا ليسوا في وارد المفاوضات على الملف هناك، ومؤشر آخر هو التقارب المتسارع بين الكوريتين، واتفاقها على عقد قمة كورية-كورية على الحدود، في نيسان/ أبريل المقبل؛ ما يُخرج كوريا الشمالية من محور موسكو، ويُشكّل لها ضربةً قوية، والمؤشر الأقوى هو لائحة الطلبات التي قدمها وزير الخارجية الفرنسي للرئيس الإيراني، وبناءً على الموافقة عليها، يمكن للرئيس الفرنسي زيارة طهران أو رفضها، يعني إلغاء الزيارة، وجملة هذه الطلبات تؤدي إلى تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وكان من هذه الطلبات، توقّف طهران عن إنتاج الصواريخ البالستية التي يصل مداها إلى أكثر من 500 كم، وسحب كل قواتها والميليشيات المزعومة من طرفها من سورية، والتوقف عن تسليح (حزب الله)، وبذل المزيد من التعاون مع منظمة الطاقة الذرية، بخصوص السماح للمفتشين بالقيام بعملهم، في إطار مراقبة النشاط النووي الإيراني، وقد وعد الرئيس الإيراني بنقل المطالب الفرنسية للمرشد الأعلى، ولكنه توقّع رفضها سلفًا.

لقد غرق محور الجريمة في دماء السوريين، وبات لزامًا على هذا المحور تقديم كبش فداء، يحمّلونه كامل الجريمة، على مبدأ العصابات المنظمة، حيث يحمل أحد المجرمين كامل الجريمة لمصلحة براءة باقي العصابة، والمرشح الأوفر حظًا لمنصب الكبش هو “الرئيس السوري” الذي سمّنته موسكو وإيران لمثل هذه اللحظة.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون