on
صحيفة اللوموند: في طهران، جان إيف لودريان يصطدم بالعناد الإيراني
خلال زيارته العاصمة الإيرانية، لم ينجح رئيس الدبلوماسية الفرنسية في الحصول من الرئيس حسن روحاني على التنازلات المأمولة من أجل إقناع واشنطن بعدم الخروج من الاتفاق النووي
كانت ابتسامة الوزير الإيراني للشؤون الخارجية محمد جواد ظريف تظهر أكثر إشراقًا من المعتاد، وكان الرئيس حسن روحاني يفيض بالدماثة. وإذا كانت السلطات الإيرانية تريد بذلك التعبير عن الأهمية التي توليها لزيارة الأربع وعشرين ساعة، يومي 4 و5 آذار، التي قام بها جان إيف لودريان؛ فإنها أجابت برفض قاطع لمحاولاته الحصول على تنازلات من الجمهورية الإسلامية، من أجل إقناع دونالد ترامب بألا يطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق النووي الموقع في تموز 2015، حين أعاد من جديد، ومن جانب واحد، في 12 أيار/ مايو، تطبيق العقوبات الأميركية.
“حوار صعب، من دون تنازل، لكنه يجب أن يستمر”، كما لخص رئيس الدبلوماسية الفرنسية الذي نقل إلى محدثيه “استجوابات فرنسا الثقيلة”، حول سياسة إيران الإقليمية وحول برنامجها الباليستي، ولا سيّما حول ما يسميه “القدرة المحمومة” لطهران، في صنع الصواريخ وفي “نشرها”. على أن رئيس الدبلوماسية الفرنسية بالمقابل رحّب “بعزم الرئيس حسن روحاني على فعل كل شيء، من أجل الإبقاء على الاتفاق النووي الذي يُعَرِّفه بوصفه تاريخيًا”.
ولكن بالنسبة إلى سورية، في الوقت الذي كان فيه الوزير الفرنسي يذكّر بـ “خطر زلزال إنساني” في الغوطة الشرقية، كان الرئيس روحاني يجيب أن أفضل جواب هو “في تعزيز حكومة دمشق المركزية”. أقوال شديدة البعد عن التوافق في الوقت الذي كان فيه رئيس الدولة الفرنسية، قبل يوم -في حديث هاتفي دام أكثر من ساعة خصص في جزء كبير منه لسورية- يُذكِّر حسن روحاني “بالمسؤوليات الخاصة” التي تقع على عاتق بلده، بفعل دعمها العسكري الدائم للنظام.
تشنج السلطات
جان إيف لودريان هو أول مسؤول من بلدان الاتحاد الأوروبي الثلاثة، الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة)، يأتي إلى طهران، منذ الإنذار الذي وجهه في كانون الثاني/ يناير الماضي دونالد ترامب. كان الوزير الفرنسي عشية وصوله قد استنكر في صحيفة الأحد (جورنال دو ديمانش) صنع صواريخ يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات “غير المتوافق مع قرارات الأمم المتحدة”، متجاوزًا الحاجات الأمنية للبلد؛ ولم يتردد في الحديث عن عقوبات ممكنة، مثيرًا بذلك بعض التشنج لدى السلطات الإيرانية.
أطلقت الصحف المحافظة العنان لنفسها. فصحيفة (كيهان) اليومية استنكرت “الإهانة” الموجهة إلى “الشعب الإيراني”. وعنونت زميلتها (جافان): “خادم ترامب الباريسي في طهران”. في حين عنونت الصحيفة المحافظة الناطقة بالإنكليزية (طهران تايم) تحت صورة لودريان الكبيرة: “سلاح الإغواء واسع النطاق يهبط في طهران”، مستنكرة النفاق الفرنسي. وحدها بعض الصحف الإصلاحية رحبت بدور فرنسا القيادي مع الاتحاد الأوروبي في الحوار مع إيران والولايات المتحدة الأميركية، آملة أن يتمكن إمانويل ماكرون من أن يحمل الرئيس الأميركي على أن يصغي إليه.
لا تبخل السلطات الإيرانية في المزاودات اللفظية، حول المسائل التي تعتبرها مرتبطة بالأمن القومي. ومع قولها إنها منفتحة على “الحوار”، فإنها تصيح على هذا النحو إنه لا مجال لـ “التفاوض” على برنامجها الباليستي، ولا حول سياستها الإقليمية التي تستنكرها باريس بصورة منتظمة بوصفها “سياسة هيمنة”. ولم يكن بوسع من كانوا حتى الأكثر اعتدالًا، تحت ضغط المحافظين، أن يُظهروا أي ضعف حول هذه الموضوعات. وقد أظهرت عدة علامات، فضلًا عن ذلك، السخط الإيراني إزاء أقوال الوزير الفرنسي. وقد وجد نظيره محمد جواد ظريف نفسه، وهو معتدل بالأحرى، مرغمًا على أن يستنكر في المقابلة المنشورة “التطرف” الذي تبديه، من وجهة نظره، البلدان الأوروبية، “كي تبقى الولايات المتحدة ضمن الاتفاق النووي الإيراني”.
اختلاف واضح في المواقف
أما اللقاء مع رئيس البرلمان، علي لاريجاني، وهو محافط متنور، فقد ألغي في اللحظة الأخيرة. فسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، الأميرال على شامخاني -وهو القريب من المرشد الأعلى آية الله علي خامئني- والذي يظهر في أغلب الأحيان باللباس المدني، حين يجري محادثات دبلوماسية، استقبل بكامل لباسه العسكري الوزير الفرنسي، كي يؤكد له أن “تعزيز القوة الدفاعية لإيران، ولا سيما القوة البالستية للبلاد، (كانت) ضرورة لا غنى عنها في إطار سياسة الردع لبلاده”.
استمرت هذه المحادثة “الصريحة لكن العنيفة”، شأن كل المحادثات الأخرى، أكثر من ضعف الوقت المخصص لها. وقد ظهر مع مرور ساعات اليوم بكل وضوح اختلاف المواقف التي تتعايش في قلب السلطة الإيرانية؛ فـ “بين ما كان يقوله الأميرال شامخاني، في نهاية اليوم، وما كان يقوله الرئيس روحاني، هناك عالم كامل”، كما لاحظ دبلوماسي فرنسي، حتى ولو كان مثل هذا الموقف، بلا شك، تكتيكيًا، لم تتم الإشارة إلى زيارة إمانويل ماكرون القادمة؛ إذ سوف تكون أول زيارة يقوم بها رئيس دولة غربية منذ عام 1979 وستكون رمزًا قويًا، ومن هنا ضرورة النتائج. “سوف تتم الزيارة، حين تتوافر الشروط للقيام بها”، كما تؤكد باريس. والوضع أبعد من أن يكون على هذا النحو في الوقت الحاضر.
العنوان الأصلي A Téhéran, Jean-Yves Le Drian se heurte à l’intransigeance iranienne الكاتب مارك سيمو Marc Semo المصدر صحيفة اللوموند Le Monde الرابط http://www.lemonde.fr/proche-orient/article/2018/03/06/a-teheran-jean-yves-le-drian-se-heurte-a-l-intransigeance-iranienne_5266306_3218.htm المترجم ب.عبدر الدين عرودكي
المصدر
جيرون