تلعثم المجتمع الدولي سلاح الأسد ضد السوريين



لم يزل المجتمع الدولي يستخدم عبارة (لَمْ) قبل كلمات: يتبين، يفتش، يعتقد، يتأكد.. في سياق الحديث عن أن النظام السوري يستخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه، ويتناسى في العبارات كل الهجمات السابقة، ويركز على الأخيرة في الغوطة، لمْ يُجزم بعد بمسؤولية النظام. يتفاصح لافروف وبوتين بمسؤولية “مجموعات إرهابية” عن هجمات، شاهد العالم أجمع أكثرها وحشية، في داريّا قبل ستة أعوام، ثم الهجوم الكيمياوي الأول على الغوطة العام 2013 إلى مجزرة خان شيخون، حيث وثّق فيها السكان المدنيون استخدام مختلف الأسلحة المحرمة دوليًا، وأخذت منظمات دولية عينات من التربة والماء والهواء الملوث بالسارين والخردل والكلور، من عدة مناطق مختلفة في سورية تعرضت لهجمات مماثلة لتلك التي تقع في الغوطة الشرقية، ويتلعثم المجتمع الدولي في عبارته العاجزة عن الإشارة المباشرة إلى المجرم القابع في دمشق الذي يرتكب مجازر يومية، بسلاح آخر لا يقل وحشية عن الكيمياوي، السلاح الكيمياوي هو تتويج لعجز وفشل نظام القتل الأسدي في تركيع السوريين وإجبارهم على الخضوع.

تكشف تقارير دولية مسؤوليةَ كوريا الشمالية عن تزويد النظام السوري، بشحنات تدخل في تركيب السلاح الكيمياوي، فضلًا عن التعاون في مجال تطوير الصواريخ التي تدك المدن والبلدات السورية. وإضافة إلى طهران وموسكو اللتين زودتاه بأدوات الجرائم وشاركتاه في جرائمه، تنضم كوريا الشمالية إلى كعكة الإجرام التي يوزعها الأسد في كل الاتجاهات.

بينما يتبدى العجز والانهيار الكبير على مستوى العالم؛ نتيجة الإخفاق في محاسبة مجرمي الحرب في دمشق وطهران وموسكو وبيونغ يانغ، تتساءل (الغارديان) البريطانية عن معنى انتظار المجرمين في موسكو ودمشق حتى الانتهاء من قتل البشر! قبل سؤال الصحف الغربية، كانت أسئلة أطفال سورية ونسائها وشيوخها، تصدح من حناجر غاضبة ومكلومة، عن انهيار المعاني الأخلاقية والإنسانية والسياسية التي يصدح بها المتشدقون بالتحري عن أي مجرم تقع مسؤولية المذابح المستمرة، رغم أدواتها الكثيرة من طائرات وصواريخ ومدافع. هي ليست بحوزة الشعب السوري بل في أيدي مقتسمي كعكة الجريمة.

إذا لم يكن الأمر “واضحًا” عند المسؤول عن الجرائم؛ فقد أصبح مؤكدًا الآن، ليس للسوريين فحسب بل للمجتمع الدولي، مع توفر آلاف الأدلة والوثائق التي تدين المجرمين، لكن الفئة المؤيدة لحقوق السوريين كانت دائمًا غير قادرة أو غير مستعدة لإحداث تغييرات في سياساتها تُهيئ للعمل ضد النظام السوري في المحاكم الدولية عن جرائمه المتعاظمة، وإذا استمر هذا النفاق، على الرغم من ضخامة الأدلة الجرمية التي تدين الأسد ونظامه وحلفاءه وتسويق خرافة البحث عن “المسؤول عن الجرائم”؛ فما عليهم سوى مشاهدة الجثث تحت حطام المدن والبلدات السورية، وهو ما استمر عليه النظام في عمله المستهزئ بكل المجتمع الدولي.

هذه الحقيقة يجب أن تكون كافية، لكي تُقنع في النهاية أولئك الدوليين المتمسكين بخرافة البحث عن المجرم المستهزئ بهم، ولسان ذاك التمسك لا معنى له، في ضوء الاستراتيجية الجُرمية المطبقة في كل مراحل المواجهة مع الشعب السوري، جرائم حصار وتجويع وتهجير السوريين، وتدمير منازلهم وقتلهم تحت حطام المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، تماثل فظاعتها تلك التي يبحث عنها في السلاح الكيمياوي مجتمع دولي عاجز.

اعتمد النظام حقائق استخدام أسلحة الدمار الشامل وارتكاب جرائم حرب، وتضليل العالم بنسبها إلى الشعب السوري على أنه يُجرم بنفسه، فتلك من خرافات الطاغية الممسك بها المجتمع الدولي خدمة لأجندة الطاغية، الذي يطبق استراتيجية تدمير شامل على كل المناطق الثائرة في سورية، لن تكون نهايتها في الغوطة، بل ستمتد في المستقبل القريب إلى ريف درعا وبقية المناطق، وسيقف العالم “مذهولًا” من جديد لكثافة الجرائم.

“فن” توزيع واستخدام الوسائل الجرمية، بالأسلحة الكيمياوية أو بالدمار الشامل أو التهجير، أو فن “استخدام القوة”، هي فنون نُسبت في أحد فصولها إلى المحتل الإسرائيلي، قبل سبعة عقود، لكن نظرية استخدام المعارك بعد إحداث الجرائم أو لارتكابها فيما بعد، وترويج الأكاذيب تُنسب إلى ثلاث محاور: روسية، وإيرانية، وأسدية، للوصول إلى أهداف المحاور الثلاث التي تتعلق بالسيطرة الإيرانية والاحتلال الروسي، مقابل استحواذ الطاغية على كرسي الحكم.

يعلم المجتمع الدولي تمام العلم أن عباراته المفتعلة، بظنونه وشكه وبحثه عن مجرم وسفاح السوريين مُستخدم السلاح الكيمياوي والسلاح الأبيض والأصفر والأحمر وكل ألوان القتل التي رسمها السفاح وحلفاؤه، معلومةٌ تمامًا ومرفقة بأدلة بالأطنان هُربت من سورية، قيل في وسائل إعلام غربية إنها تقبع في مخزن ضخم، أصغر قضية فيه تحيل كل أركان النظام إلى محاكم دولية، بتهم ارتكاب جرائم وفظاعات، طبعًا الدليل الصغير لا علاقة له بالفران الأسدي، ولا بقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب فقط، ويعلم النظام أيضًا أن إبقاء الأدلة عرضة للاختفاء. هي محفزات لمواصلة جرائم لا تقل وحشية عن جرائم استخدام أي سلاح آخر.


جيرون


المصدر
جيرون