“قسد” ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان



تنفي (قوات سورية الديمقراطية/ قسد) الاتهاماتِ المتكررة لها، من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بشأن ارتكابها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، في فترة النزاع في سورية. غير أن الإفادات والتقارير المتتالية تدحض ادعاءات (قسد)، وتتهمها بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، منها اعتقال النازحين العرب في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بدعوى أن أسماءهم غير مدرجة في قيودها، أو بذريعة انتمائهم إلى تنظيم (داعش)، بالرغم من تأكيد معظم المعتقلين أنهم مطلوبون للنظام السوري. ووفق الشهادات، فإن الهدف من وراء الاعتقالات هو ترحيل هؤلاء، من أجل إيجاد تجانس عرقي، في مناطق سيطرة (قسد)، يقتصر على أغلبية كردية، أو الحصول على معلومات من المعتقلين، حول أماكن تواجد أقربائهم الناشطين والمعارضين، وإجبارهم على تسليم أنفسهم.

ولطالما نفت (قسد) قيامها بمثل هذه الانتهاكات وغيرها، إلا أن التحقيقات الحديثة للجنة التحقيق المستقلة للجمهورية العربية السورية، وهي توثق انتهاكات أطراف النزاع في سورية منذ ما يزيد عن ستة أعوام، تفند بقوة مزاعم قادة (قسد)، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان؛ إذ تضمّن تقرير اللجنة الأخير الصادر في الأول من شباط/ فبراير 2018 -وهو يغطي الانتهاكات الجسيمة في سورية، بين تموز/ يوليو 2017 وكانون الأول/ يناير 2018- حقائقَ ومعلومات، تؤكد ضلوع (قسد) في ارتكاب جرائم خطيرة بحق المدنيين، كالاعتقال التعسفي، والتهجير القسري، وفرض التجنيد القسري، وتجنيد الأطفال، وأخذ الرهائن.

يؤكد تقرير اللجنة لجوء (قسد) إلى ممارسة الاعتقالات التعسفية، في معرض العمليات العسكرية التي قامت بها، في مناطق الرقة ودير الزور، حيث اعتقلت نحو 1400 مقاتل، معظمهم من (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) الحاليين أو السابقين، من ضمنهم أجانب قدموا من نحو 30 دولة أجنبية. كما اعتقلت نساء وأطفالًا مرتبطين بتنظيم (داعش)، وأعلنت أنها بصدد ترحيل المقاتلين الأجانب وأفراد أسرهم إلى بلدانهم، إلا أن هذه البلدان رفضت استقبالهم بصفتهم رعاياها. وبحسب رأي اللجنة، فإن هذا يضع (قسد) أما معضلة قانونية، تتمثل باحتجاز أشخاص من دون محاكمة. أما بالنسبة إلى مقاتلي (داعش) السوريين، فقد أعلنت (قسد) أنها ستحاكمهم أمام المحاكم التابعة لها. وفي هذه الحالة، يتعين على (قسد) مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحظر حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون، وأنْ توفرَ له كافة شروط المحاكمة العادلة، وإبلاغه سريعًا بالتهمة الموجهة إليه، وجلب المعتقل أو الموقوف بتهمة جزائية أمام قاض، على وجه السرعة، لمحاكمته خلال فترة معقولة، أو الإفراج عنه في حال ثبتت براءته من التهم المنسوبة إليه.

تشدد لجنة التحقيق في متن تقريرها على لجوء (قسد) إلى فرض التجنيد القسري، ومن ذلك تجنيد الأطفال. وتُظهر الشهادات التي حصلت عليها اللجنة أن (قسد) قد أجبرت الأسر العائدة إلى منطقة تل أبيض في الرقة، والمناطق التي سيطرت عليها من (داعش)، على تقديم شخص من كل أسرة، للتطوع من أجل القتال في صفوفها، فضلًا عن التجنيد القسري للأشخاص، من داخل المخيمات المخصصة للمشردين. ولم يقتصر التجنيد القسري على البالغين، بل طال الأطفال ممن هم في سن 15-16 عامًا، وفي بعض الحالات تجنيد أطفالٍ وطفلات مراهقين، لم تتجاوز أعمارهم 13 عامًا. وقد تعرضت بعض الأسر للاستجواب من قبل مراهقين، بعد وصولهم من الرقة إلى مناطق سيطرة (قسد).

تجنيد (قسد) للأطفال هو عمل مخالف للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؛ ذلك أن استخدام الأطفال دون الخامسة عشرة، بوصفهم جنودًا، أمرٌ محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، ويُعدّ جريمة حرب وفق نظام محكمة الجنايات الدولية. يضاف إلى ذلك أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان تنص بشكل واضح على حظر تجنيد الأطفال، ممن هم دون سن الثامنة عشرة، واستخدامهم في العمليات الحربية.

التقرير يدلل -بما لا يقبل الشك- على ممارسات (قسد)، وقوات التحالف التي تدعمها، المتمثلة بالاعتقال التعسفي للأشخاص المقيمين في المخيمات المخصصة للمشردين، بسبب رفضهم التجنيد، وأن الكثير من العائلات فضلت الانتقال من المناطق الخاضعة لسيطرة (قسد)، خوفًا من أعمال انتقامية أو التعرض للاعتقال، بسبب رفضهم التجنيد. وقد استند التقرير إلى شهادات تفيد بتنفيذ قوات التحالف وقوات (قسد) اعتقالات بالجملة للمدنيين الفارين من القتال في الرقة ومناطق أخرى، واعتقالات تعسفية بحق المعارضين، وأخذ الرهائن داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها، كمدينة الطبقة وتل أبيض والرقة. وقد قامت (قسد)، خلال العمليات العسكرية ضد (داعش)، باحتجاز نحو 80 ألفًا من المدنيين الفارين من القتال في شمالي الرقة، من ضمنهم عدد كبير من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، وذلك بهدف التحقيق، بشأن وجود علاقات تربطهم بتنظيم (داعش). وقد أشارت اللجنة إلى أنه ليس هنالك ما يستدعي احتجاز هؤلاء والتحقيق معهم؛ لأنهم لا يمثلون أي تهديد أمني، وبالتالي فإن استمرار احتجازهم يمثل خرقًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو احتجاز تعسفي وغير قانوني. ويشير التقرير أيضًا إلى قيام قوات التحالف الدولي و(قسد)، في عدد من الحالات، باعتقال أقرباء ناشطين، ممن يعارضونها أو يعارضون النظام، لفترات وصلت حتى ستة أسابيع، بهدف إجبارهم على الإدلاء بمعلومات تتعلق بأماكن تواجد أقربائهم المطلوبين، ومن أجل الضغط على الناشطين لتسليم أنفسهم. كما اعتُقل أقرباء من أسر (داعش) و(الجيش السوري الحر) لاستجوابهم، حيث كان بين المعتقلين أطفال ونساء، منهم طفل في العاشرة وطفلة في السادسة عشرة.

يثبت تقرير لجنة التحقيق مدى ضلوع (قسد) بارتكاب انتهاكات خطيرة، خلال النزاع في سورية، وذلك أسوة بباقي أطراف النزاع؛ ما يقتضي منها وقف كافة انتهاكاتها ضد السكان المدنيين، والالتزام بمساءلة المتهمين بارتكاب هذه الانتهاكات والجرائم، وعدم تمكينهم من الإفلات من العقاب، في سياق أي تسوية سياسية مستقبلية في سورية.


نزار أيوب


المصدر
جيرون