يوم عالمي للدفاع عن حقوق المرأة خارج حدود سورية



يوم جديد للدفاع عن حقوق المرأة مرَّ على العالم، في الثامن من آذار/ مارس، عام ألفين وثمانية عشر، بعد أكثر من أربعين عامًا من الإعلان الرسمي للأمم المتحدة لهذا التاريخ يومًا للمرأة، وهو لا يعبُر حدود سورية هذا العام أيضًا، ولا يقدم فرصة للنجاة لامرأة سورية واحدة، ليس من واقع ظلم وانتهاك حقوق دام طوال هذه العقود فحسب، بل من واقع إبادة يومية مستمرة منذ عدة سنوات.

هل مرت الأربعون عامًا دون أن يرى العالم واقع المرأة السورية حقًا، ودون أن يقوم بأي مبادرة فاعلة لمحاولة تغييره؟ كم من العقود ستبقى سورية، خارج حدود حقوق الإنسان ومواثيق حماية المرأة العالمية؟ أليست مأساة نساء الغوطة اليوم شاهدًا على غياب كامل لهذا المعنى والمضمون؟ ولسخرية الزمن أيضًا أن شعار الثامن من آذار/ مارس لهذا العام هو (حان الوقت: الناشطات من الريف والحضر يغيّرن حياة المرأة)، لكن يبدو أن الوقت لم يحن ليقتحم هذا التغيير حدود سورية، لا في الريف ولا في الحضر، وعلى النساء السوريات أن تصنعنه بأنفسهنَّ، في مواجهة واقع وانعكاسات مستقبلية، لا تبشر بولادة عفوية لمثل هذا اليوم.

وإذا نظرنا إلى خارطة توزع السلطة في سورية، من زاوية تطبيق حقوق المرأة؛ أدركنا مدى كارثية الوضع، وعلى الرغم من تباين الظروف التي تحيط بكل منطقة، فإنها جميعها تقع تحت بند استغلال وانتهاك حقوق النساء، وإن تباينت الطرق والأساليب.

بدءًا من مناطق سيطرة نظام الأسد، وهي تُقسَم حُكمًا إلى مناطق سيطرة حُلفائه: روسيا من جهة، وتزدهر في مناطق قواتها الداعمة للأسد ظاهرةُ “صبايا العطاء”، وهي تعكس النموذج الأول الذي يُلصِقُه النظام بالمرأة السورية، منذ استلامه الحكم، بجعلها أداة للترفيه عن العسكر وأهل السلطة، وها هو ينقل تقاليده، للترفيه عن الجنود الروس المدافعين عن حُكمه، وإن كان من جهة ثانية يعزز الانتشار الطائفي لحلفائه من النظام الإيراني في مناطق أخرى، ومع فكرهم الأيديولوجي المقيّد لحرية المرأة، على جميع الصعد، ويُعدّ انتشاره في سورية امتدادًا للفكر المتشدد الكارثي النتائج على النساء.

في حين تقع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، تحت سيطرة قوى متعددة، لا اعتراف فيها بحقوق المرأة أيضًا، كما في مناطق (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي الذي لا يتوانى عن التجنيد القسري للنساء حتى القاصرات منهن، أو مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية في الشمال، التي ينتمي جزء كبير منها إلى التيارات المتشددة المُقيدة لحرية المرأة بشكل كامل، والأخطر ضمنها هو تنشئة أجيالٍ، ترى أن دور النساء يقتصر على أن يكنَّ زوجات مطيعات للمجاهدين والمقاتلين؛ فأي مستقبل ينتظرهنَّ!

لا يُعفى نظام الأسد أيضًا من المسؤولية عن كل ما يلحق باللاجئات السوريات من أذى، في مخيمات اللجوء، بعد أن جعل البلدَ مشاعًا، وأهلَه مشردين في أصقاع الأرض، بل يحمل أيضًا مسؤولية جزء كبير من التفكك والعنف الأسري الذي تشهده العائلات السورية في الشتات؛ نتيجة نشره ثقافة العنف والإذلال المتعمد الذي رزحت تحت وطأته شرائح كبيرة من السوريين، وتجميده تطور المجتمع، عبر أدواته الأمنية والدينية.

في الواقع، إن مستقبل المرأة السورية يستدعي مواجهة كل هذه التحديات، على تباينها، فهي ليست نتاج حرب فقط، ولن تنتهي بانتهائها، بل هي نتاج تسلسل طويل الأمد يحتاج إلى ثورة مجتمعية، وإلى تغيير في المفاهيم، وإلى العودة إلى المسار السليم. وتحتاج السوريات -لتحقيق ذلك- إلى تفعيل يوم الدفاع عن حقوق المرأة، في كل صباح، وإلى تذكير العالم المتحضّر بأن سورية تقع ضمن حدود الإنسانية، وبأن تخلّيهم عنها يفقدهم الصدقية، في كل ما يتبنونه من مواثيق واتفاقات، ويفقدهم بذلك أي قيمة وأهمية، وهو أمر على درجة عالية من الخطورة، بمواجهة المخاطر المحيطة بالأمن والسلام العالميين. ويبقى أن نتذكر أخيرًا أن اختيار يوم الثامن من آذار/ مارس بالتقويم الميلادي، يعود إلى رمزية مهمة في تاريخ النضال النسوي، من ضمنها تظاهرة أقامتها النساء الروسيات، منذ أكثر من مئة عام، من أجل الخبز والسلام، وقد يحمل المستقبل تاريخًا جديدًا تصنعه نساء سورية، إن اتحدن يومًا تحت شعار: من أجل المستقبل، لمنح الحرية لأجيال قادمة.


سميرة مبيض


المصدر
جيرون