نيو يورك تايمز: مشكلة روسيا الكبرى في سورية: حليفها، الرئيس الأسد



ملصق للرئيس السوري الأسد، والرئيس بوتين في حلب، سورية، الشهر الماضي. حسان عمار/ أسوشيتد برس

بعد جلوسه مع الرئيس السوري بشار الأسد، الأسبوع الماضي، وصف مبعوثٌ كبير للكرملين المنافع التي ستحصل عليها موسكو، حيث توجه موسكو الصراعَ السوري نحو حلٍ سياسي، وخاصةً في إعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب. لكن السيد الأسد قاطَع المبعوث الروسي، متسائلًا عن ضرورة الحل السياسي ضروريٌّ، طالما أن الحكومة السورية اقتربت من الفوز بشكل نهائي، وفقًا لما ذكره دبلوماسي عربي مطلعٌ على الاجتماع.

بعد ما يقرب من عامين ونصف العام، على تدخله عسكريًا لدعم الأسد، يجد الرئيس بوتين نفسه غارقًا في سورية، غير قادرٍ تمامًا على إيجاد حلٍّ، بالرغم من إعلانه “إنجاز المهمة”، في ثلاث مناسباتٍ على الأقل، وفي الوقت الذي أكدّ تدخل بوتين العسكري أن الكرملين لاعبٌ رئيس في الشرق الأوسط، للمرة الأولى منذ عقود، فإن خلاص روسيا من سورية يبدو أكثر صعوبةً مما كان يتوقع. المشكلة هي أن موسكو قد ربطت وضعها بمصير الأسد، مع مساحةٍ محدودة للمناورة.

السيد بوتين لا يمكنه أن ينسحب، ولا أن يدفع باتجاه أي تغييرٍ سياسي في سورية، من دون المخاطرة بانهيار حكومة الأسد؛ الأمر الذي سيعرّض للخطر كلًا من الجهود لتقليل النفوذ الأميركي في المنطقة، ومكانة بوتين شخصيًا. فالأسد، وهو الذي يعرف جيدًا نفوذه، يقاوم المحاولات الروسية للتوصل إلى تسويةٍ مع المعارضة السورية.

ضمن هذا التوازن غير المفرح، تستمر الحرب مع نتائج مجهولة بالنسبة إلى موسكو، وبوصفها أقوى لاعبٍ خارجي، فإن روسيا تتحمل على نحوٍ متزايد مسؤولية المأساة التي تحلُّ بالمدنيين السوريين.

يوم الثلاثاء 6 آذار/ مارس، أصدر محققو الأمم المتحدة تقريرًا، يربط -لأولِّ مرة- سلاحَ الجو الروسي بجريمة حربٍ محتملة، عندما أطلقت طائرة عسكرية، في تشرين الثاني/ نوفمبر، سلسلةً من الهجمات على بلدة الأتارب غرب حلب؛ ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 84 شخصًا، وإصابة أكثر من 150 آخرين.

عبرَ سورية، فإن الخليط المتقلب من القوات -بما في ذلك المرتزقة الروس الذين يسبب مصيرهم المأزقَ في الداخل- يخاطر بتضخيم العنف، وتعميق تورط روسيا. وفي الوقت نفسه، فإن المنافسة المتنامية مع إيران، بشأن عقود إعادة الإعمار، تخاطر بتآكل تحالفهما. وقد كانت الخلافات مع دمشق واضحة تمامًا، في اجتماعٍ سريّ حول الشرق الأوسط عُقد في أواخر شباط/ فبراير.

بوتين والأسد في سوتشي، السنة الماضية. تصوير ميخائيل كليمنتييف

افتتح لافروف، وزير الخارجية، اجتماعًا استمر يومين، في نادي فالداي للحوار، ربما منتدى السياسة الخارجية الدولية المرموق في روسيا، بتقييمٍ وردي للجهود التي تقودها روسيا لتوحيد الأطراف السورية المنقسمة في المفاوضات لإنهاء الحرب. بينما لم تعرها الحكومة السورية أيّ اهتمام.

في أحد الخطابات، بثينة شعبان، وهي أقربُ مستشاري الأسد، حذفت كلَّ ذكرٍ لتسويةٍ تفاوضية. وبدلًا من ذلك، كررت قائلةً: إن دمشق ستعلن قريبًا “انتصارًا نهائيًا”، تأخر بسبب المساعدات الأميركية والتركية للمعارضة.

عبّرت روسيا عن إحباطٍ واضح، حتى ورقة فالداي التي نُشرت مسبقًا انتقدت الموقف السوري، وقد جاء فيها: “لربما أن جزءًا من النخبة الحكومية لديها آمال أكبر بانتصارٍ عسكري، يعود بفائدة أكبر من التي ستحققها المفاوضات، في نهاية المطاف”.

“هذا النصر العسكري هو وهمٌ. لا يمكنكم الفوز في هذه المعركة”، قال فيتالي نعومكين، مدير معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، ومستشار الحكومة الروسية الموثوق بما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.

في موسكو، لاحظ خبراء الشرق الأوسط، والمحللون العسكريون، أن الانقسامات داخل الحكومة الروسية، خاصة داخل وزارة الدفاع، تساهم في الفجوة بين روسيا وسورية.

يرغب (فصيل الحمائم) في أن يسرق السمعة المتزايدة للجيش ويغادر، معتبرًا أن هزيمة جماعة (تنظيم الدولة الإسلامية) في العام الماضي، مخرج مفقود. ويرى المشجعون للحرب (الصقور) أن فوائد روسيا في سورية تكمن في أن تبقيها جرحًا مفتوحًا.

على المستوى المهني، يتناوب الضباط كل ثلاثة أشهر، ويكتسبون خبرة في ميدان المعركة، وترقياتٍ وأجورًا أعلى. كما وفرَّ الصراع معرضًا للأسلحة الروسية التي تُعدُّ أهم صادرات البلاد بعد النفط. كما تصارع روسيا لاحتواء الخلافات مع إيران وتركيا.

من الناحية الاستراتيجية، تتوافق موسكو وطهران في الحفاظ على الحكومة السورية الحالية. إنهم يحتفظون بعلاقةٍ عسكرية تكافلية أيضًا، حيث تمتلك روسيا الجو، في حين تمتلك إيران نحو 60 ألف مقاتلٍ يشكلون العمود الفقري لقوات النظام البرية.

ومع ذلك، تظهر الصدوع، بينما يلوح عصر إعادة الإعمار في مكانٍ ما من الأفق. حيث تحتاج قطاعاتٍ مهمة من الاقتصاد إلى إعادة البناء، لا سيما استخراج النفط والغاز والفوسفات ومحطات الطاقة، والمرفأ الجديد، والمشغل الثالث للهواتف المحمولة.

تعتقد إيران أنها احتكرت مشاريع كبيرة، عبر سلسلة مذكرات وُقعت في وقتٍ مبكر من عام 2017، ولكن لم توقع أي شركةٍ عقودًا ثابتة، كما قال جهاد يازجي، محرر أخبار سورية، الذي يتخذ من بيروت مقرًا له.

لافروف، في بلغراد، صربيا، الأربعاء. صورة داركو فوجينوفيتش/ أسوشيتد برس

نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، ردّ على بعض تلك الأقوال، خلال زيارةٍ في كانون الأول/ ديسمبر، وفقًا لدبلوماسي عربي رفيع المستوى (تحدث شريطة عدم ذكر اسمه) قال: “على إثر بروتوكول دبلوماسي، أعلن روغوزين، بصراحةٍ، أن روسيا قد فازت بالسيطرة الحصرية على قطاع النفط، الذي كانت الشركات الغربية قد طورته في السابق”. وتشير الشكاوى من كلا البلدين إلى أن الأمور ما تزال متقلبة.

معروفٌ أن روسيا قد حصلت بالفعل على امتيازاتٍ سياسية وعسكرية واقتصادية، وكما قال رحيم صفوي، وهو مستشار بارز لخامنئي مؤخرًا: إن سورية يمكن أن تسدد التكاليف التي تكبدتها إيران، من خلال التعاون في قطاعات النفط والغاز والفوسفات من قبل، كما ذكرت وكالة أخبار الطلبة الإيرانية.

بعد الاجتماع الذي حضره المبعوث الروسي مع الأسد، السيد روغوزين، قال أيضًا: إن الشعب الروسي يتوقع بعض العائدات مقابل تضحياتهم، حيث قال عن سورية: إنها “دولة غنية جدًا”.

على الرغم من مطالباتهم، لا روسيا ولا إيران قادرة على تحمل تكاليف إعادة البناء التي قدرّتها سورية بأكثر من 200 مليار دولار. وبدلًا من ذلك، يبدو أن كليهما يريد أن يكون بمثابة وكلاءٍ لشركاتٍ خاصة أو لدولٍ أخرى. ومعظم اللاعبين العرب والغربيين ربطوا أي استثمارٍ بالمصالحة السياسية، والصين أيضًا، تحفظت.

يقول الخبراء إن روسيا تصرُّ على أن الحوار السياسي ما يزال حيًّا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حاجتها إلى حوارٍ يقنع الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين. “اشترط الأميركيون والخليج والاتحاد الأوروبي عمليةً سياسية مهمة مقابل إعادة البناء، عملية لم يستطع الروس انتزاعها من بشار، كما قال فلاديمير فرولوف، وهو محلل في السياسة الخارجية: “لذلك يحاول الروس استخدام حملة علاقاتٍ عامة، لجعلها تبدو وكأنها عملية دستورية حقيقية، يقودها السكان الأصليون في سورية، في حين أنها عمليةٌ وهميةٌ بشكل أساسي. لن يتفاوض بشار مع نفسه على الخروج من السلطة”.

شبح أفغانستان -وهي التي أصبحت مستنقعًا عسكريًّا للاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، وسرّعت في انهياره- يخيم على سورية. ومع أن مستوى الالتزام الروسي منخفض جدًا، بالمال وخسارة الأرواح، وهو أقل وضوحًا في الداخل، بقدر ما أنه ليس قضية بالنسبة إلى الروس العاديين.

في نهاية المطاف -يقول المحللون- سيتعين على الكرملين التعامل مع واشنطن التي تسيطر قوات تحالفها على ثلث البلاد، ومن ضمنها معظم الثروة النفطية، كما يعتقد العديد من الخبراء أن بعض أشكال الحوار الروسي-الأميركي الذي يقنع بقية اللاعبين الخارجيين هو الأمل الوحيد لإنهاء الصراع.

من خلال البقاء معًا، تتوقع روسيا أن تتوصل في نهاية المطاف إلى نوعٍ من اتفاق سلام مع واشنطن، من شأنه تعزيز دور الكرملين القوي في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن الانتظار يحمل خطر أن تغوص روسيا في الصراع، من خلال شرارةٍ غير متوقعة على طول أيٍّ من جبهات القتال المتوترة: في الشمال، بين تركيا وخصمها الكردي منذ فترة طويلة؛ وفي شرق سورية، بين قوات الحكومة السورية المدعومة من المرتزقة الروس والقوات المتحالفة مع الولايات المتحدة؛ وعلى طول حدود “إسرائيل” مع لبنان وسورية بالقرب من مرتفعات الجولان، موقع المواجهة الأخيرة بين “إسرائيل” وإيران.

“ربما اعتقدت الحكومة الروسية أن الحرب قد انتهت، عندما دمّرت (داعش)، وأن هذا الأمر سينهي العنف، ويوفر الوسائل اللازمة لإيجاد حل سياسي”، كما قال بوريس دولغوف، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في الأكاديمية الروسية للعلوم، لكن “الواقع ليس هكذا”.

اسم المقالة الأصلي Russia’s Greatest Problem in Syria: Its Ally, President Assad الكاتب نيل ماكفاكوهار، NEIL MacFARQHAR مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 8/3 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2018/03/08/world/europe/russia-syria-assad.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fmiddleeast عدد الكلمات 1192 ترجمة وحدة الترجمة والتعريب


وحدة الترجمة في مركز حرمون


المصدر
جيرون