المجتمع السوري لن “ينقرض”



بعد سبع سنوات من الوحشية الأسدية على المجتمع السوري، التي حددت أسلوبها لتحقيق “التجانس” المطلوب، بغرض بناء الدولة والمجتمع “الأنظف والأنحف” الذي تنشده فاشية مستمرة، كوسيلة لا “مناص” من تجنبها، على ما حملته عقلية ومنهج النظام السوري، منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، إلا عن طريق إرهاب الدولة الذي اتخذ أشكالًا “متطورة”، لمحاولة القضاء نهائيًا على المقومات المعيشية التي حضنت الثورة، القضاء على صبغة المقاومة للمجتمع السوري هو هدف الهجمة الأشد، في كل مدن وبلدات وقرى وأحياء سورية.

تدمير مختلف نواحي الحياة، واستهداف المؤسسات المدنية والصحية والإنسانية، إلى قطع الماء والكهرباء وقصف الأفران، وإعدام عشرات آلاف المدنيين، داخل أقبية التعذيب وإخفاء واختطاف عدد مماثل مثلهم، كل ذلك حتى تزول كل إمكانية لبروز مجتمع سوري مختلف في حريته دون الأسدية، وللقضاء على الصبغة الإنسانية المدنية التي عبّر عنها السوريون، في كل المناطق التي خرجت تحمل أسلوبها المدهش في معارضتها لوحشية النظام، برز عند السوريين التحديد الصحيح للتناقض الرئيس، وطبيعته ومعالجته القائمة على مطلب إزاحة الطاغية، اعتمادًا على استحالة أن يسترد السوريون مجتمعهم، باستمرار الأسدية داخل المجتمع السوري.

نتج عن فكرة الانقضاض الشامل على المجتمع السوري، على الرغم من عقمها، آثار خطيرة ومدمرة، بالمعنى النفسي والإنساني والثقافي والسياسي والأخلاقي، آثار امتدت على طول الجغرافيا العربية، تنوعت أشكالها من الهروب الأخلاقي، إلى الانبطاح أمام الطغاة والتمني “بلحس الزلط” الذي تدوس عليه بساطير العسكر. فالنظام السوري المدجج باحتلالين روسي وإيراني، والمتسلح بفكرة السيطرة على كل المجتمع السوري، من الطبيعي أن يكرس مقولاته وشعاراته التي أقام لها أسوارًا من الأفران البشرية، وهجمات الإبادة الشاملة، كـ “حتمية” نهائية للسيطرة وتصفية الثورة.

عندما يُنظر إلى نضال المجتمع السوري، خلال الأعوام المنقضية، من زاوية حقيقية؛ يصبح من الضروري تصفية الحساب مع التفكير الانتهازي، بحيث يعرى من مظلته الخادعة التي يتستر تحتها كثير من حملة الشعارات المنتمية إلى أحزاب سياسية واجتماعية وثورية وإعلامية وفنية ونخبوية، ظهرت تحمل عاهة الشرذمة وضياع إرثها وتاريخها، فقدت ثقة لن تُسترد وتاريخًا لن يعاد، الشخصية المجتمعية الفاعلة هي التي جسدتها صورة السوريين، داخل مناطقهم المكافحة للصمود في وجه الوحشية، وتلك التي كشفت عن إحدى السمات الخاصة لخرافة الصمود المجتمعي للسوريين، في الغوطتين وحماة وإدلب وحلب وبقية المناطق، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى غرب سورية.

إن مخاطر السحق والإبادة للمجتمع السوري، ومؤامرات تمييع جرائم النظام السوري، وخطر التخلي عن أولويات المجتمع الدولي الإنسانية والأخلاقية، نحو محرقة المجتمع السوري، لا يمكن لها أن تُخضع بالكامل جريمة بهذا الحجم إلى ما لا نهاية، من خلال التركيز على شعارات يتم خلفها ارتكاب جرائم الإبادة ضد السوريين.

أعطى السوريون إجابات نهائية وكافية عن كل ما يتعلق، بالحرية والكرامة والمواطنة وبناء المجتمع، وهي أساسية، ولا يمكن المضي قدمًا بالحديث عن مستقبل سورية دونها، ودون تنفيذ بندها الأول بنزع الأسدية عن المجتمع السوري، لذلك تبقى أوهام تحقيق انقراض المجتمع السوري الثائر على الفاشية والطغيان، لا علاقة لها بالقوانين التي لم يدركها بعدُ الطاغية والمحتلون، في إصرارهم على تقديم كشف أحكام الإبادة على السوريين.

أخيرًا: بعد سبعة أعوام من تجربة الشعب السوري، في مقاومة حرب الإبادة وكل أشكال الموت، وتعميق النزعات والشروخ العميقة والكريهة داخل المجتمع السوري؛ فإن تجربة الصمود والمواجهة إلى اليوم تتجاوز كل ما عرفته المنطقة والعالم، خلال سبعة عقود، على الرغم من كل العيوب والنواقص، تجاوزًا جذريًا يعطي ثقة بحتمية الانتصار على الطاغية، آجلا أم عاجلًا، وبأن السوري المقاوم للأسد لن “ينقرض”.


نزار السهلي


المصدر
جيرون