التواجد الروسي في سورية وشرعنة الاحتلالات الأجنبية



تُشير كل الوقائع والمعطيات إلى أن تواجد روسيا وإيران “الشرعي” على الأراضي السورية، كما تصفه السلطات وحلفائها، لن يُساهم في إعادة وحدة البلاد، ولا في طرد القوات الأجنبية، أو منع الاعتداءات الإسرائيلية المُتكرِّرة على سيادتها وحسب، وإنما سيُشرعن وجودها، أو على الأقل، سيُشكِّل ذريعة قوية لها كي تمكث فترات طويلة، هذا إذا لم يُتوّج ذلك بالتقسيم.

عندما قبلوا بالذهاب إلى جنيف الأول، في حزيران/ يونيو 2012، كانت معظم الأراضي السورية تقع خارج السيطرة، لم يكن عندئذ أي تواجد لقوات عسكرية دولية نظامية ترفع -كما هو الحال اليوم- أعلام بلادها، في مناطق وأماكن متفرقة من الجغرافيا السورية، سوى القوات الإيرانية وقوات “حزب الله” الحليفة، أو الشقيقة على حد وصفهم، تتالت جولات جنيف، فكانت الثانية في كانون الثاني/ يناير 2014 إلى أن وصلت إلى جنيف الثامنة، التي انعقدت قبل أيام من انتهاء العام الماضي، دون أي نتائج تُذكر.

كان الواضح منذ بداية دخول روسيا على خط الأزمة، سعيها الدؤوب لإفشال مباحثات جنيف، والبحث عن بديل آخر، يحِّل محله، على اعتبار أن جنيف يمثل استراتيجية المجتمع الدولي لحل الأزمة، حلًا سياسيًا عادلًا، يستند بالأصل إلى الوثيقة، التي سبق أن توصّلت إليها كلٌ من الولايات المتحدة وروسيا نفسها في (جنيف 1) عام 2012، إلى جانب قرارات مجلس الأمن، والتي تبنّاها المجتمع الدولي، خصوصًا القرار (2254) الذي يتحدث عن مخرج آمن للأزمة السورية، يُلبي تطلعات الشعب السوري المشروعة، المتمثلة بانتقال سلمي، ومرحلة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وسورية جديدة من دون استبداد.

لذلك كانت روسيا في حيرة من أمرها، حيال مكان انعقاد هذا المؤتمر، الذي يمكن أن يشرعن تواجدها على الأراضي السورية، وإقرار اتفاقاتها المتعلقة بذلك، من حميميم إلى أستانا، إلى قمة السخرية “سوتشي” على حد وصف “يورغن هاردت” عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، التي انعقدت بين كل من بوتين وروحاني وأردوغان، لأن روسيا كما قال: هي التي عرقلت، على مدى سبع سنوات، جهود مجلس الأمن، لإيجاد حل بنّاء للأزمة السورية، وتتحمل مع إيران مسؤولية تأجيج الحرب، كل لحساباته ومصالحه الخاصة.

ضمان تعزيز نفوذ روسيا، وبقاء قواعدها البحرية على ساحل المتوسط، أهم القواعد الروسية البحرية في العالم، كان هو المنطلق في السياسة الروسية، فضلًا عن أن سورية تُعتبر الورقة الأخيرة لها في المنطقة، بعد ضياع عدد من الأوراق، من بينها الليبية، فضلًا عما تتميز به العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي تحتل سورية بموجبها، وفقًا لبعض التقديرات، المرتبة السابعة بشراء الأسلحة الروسية عالميًا.

من جهتها، بات من المؤكد أن شرطي العالم (أميركا) ستبقى على الأراضي السورية مدة طويلة، وفي أحسن الأحوال لن تُغادرها، إلا وقد تركت خلفها “كانتونًا” حليفًا، أي “إسرائيل ثانية” في المنطقة، المتمثل في المكون الكردي، الذي تقوم بدعمه اليوم، بالرغم من التدخل العسكري التركي الأخير (غصن الزيتون) الهادف لمنع حصول ذلك.

العلاقة، بينها وبين هذا الكيان، ستكون كعلاقة الملح بالحياة، لن يستطيع هذا الأخير الاستمرار، دون دعمها المادي والعسكري والمعنوي، بسبب اعتراضات الدول المحيطة به، بالمقابل لن تستطع أميركا أن تترك هذا الجزء الاستراتيجي من المنطقة، خصوصًا في ظل تراجع نفوذها في العراق لصالح النفوذ الإيراني، وسيطرة روسيا ومعها إيران على معظم الأراضي السورية، فضلًا عما بات يكتنف العلاقات التركية الأميركية من خلافات.

للتأكد من أهمية استمرار بقاء الولايات المتحدة القاطع في سورية، يكفي التعرُّف على أهمية موقع تركيا الاستراتيجي، العضو المؤسس لحلف شمال الأطلسي، بالنسبة لأميركا وللحلف معًا، والذي يفوق أهميةً مواقع جميع الدول المنتسبة إليه، على الرغم من ذلك، نجد أميركا تُضحي بحليفها التركي، بدعمها اللامحدود بالمال والعتاد لـ (قوات سورية الديمقراطية/ قسد) رغم اعتراضات تركيا الشديدة على ذلك، والتي تعتبر تلك القوات امتدادًا طبيعيًا لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، كما تصنفه وتطارده، منذ أكثر من ثلاثة عقود.

في الواقع، فإن تخلّي أميركا عن هذا الحليف التاريخي وإغضابه، من خلال دعمها المتواصل للأكراد، وعدم قيامها بتسليم المعارض التركي فتح الله غولن المقيم لديها، والذي تعتبره تركيا العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي وقعت عام 2016 من ثم إجبارها للاتجاه شرقًا، لصياغة تحالف جديد مع روسيا، خصم الحلف اللدود، لا يمكن لذلك أن يحصل بأي حال من الأحوال، لولا وجود البديل الجغرافي في الشمال السوري، ووجود الحاضن الكردي أيضًا، الذي يحاول الاحتلال الأميركي نسج تحالفاته معه، بما يشير لاستراتيجية أميركية طويلة الأمد، يتم تنفيذها للبقاء في الأراضي السورية.

ما يُدلِّل على صحة ذلك الخطوات العملية المتعددة التي يقوم بها الأميركيون على أرض الواقع، من إرسال طواقم مدنية لمساعدة الأكراد، ماديا ومعنويًا ولوجستيًا، إلى إدارة المناطق التي يسيطرون عليها، أو تشجيعهم على إعلان نظام فدرالي في شمال البلاد، وقد بدأت أولى خطواته تظهر على أرض الواقع، من خلال إجراء أول انتخابات حكم ذاتي كردي، في ثلاث مناطق تقع تحت سيطرتهم: (الجزيرة والفرات وعفرين).

لذلك ليس من المستغرب أن تلجأ الولايات المتحدة إلى إقامة أكثر من عشر قواعد، في أنحاء متفرقة من الشمال السوري، وفقًا لوكالة (الأناضول) التركية، فضلًا عن أن هذا التواجد بهذه المنطقة يضمن لها السّيطرة على المعابر الحدودية مع العراق، بالطبع إلى جانب قاعدتها العسكرية “التّنف”، في مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية.

ما يؤيد صحة ما سبق أيضًا، هو ما يسوقه المسؤولون الأميركيون، بين الحين والآخر، من حجج وذرائع مختلفة، كي يمكثوا طويلًا في سورية، كان آخرها ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، في معهد (هوفر) التابع لجامعة ستانفورد الأميركية، يوم 17 كانون الثاني/ يناير الماضي، في معرض تحدثه عن استراتيجية بلاده في سورية، والتي تتلخص بربط مغادرتها، بعدة عوامل منها:

– الخشية من عودة تنظيم الدولة (داعش)، وهو ما كان قد عبّر عنه المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية: إريك باهون، في 5/ 12/ 2017 من أن القوات الأميركية الموجودة في سورية ستبقى، وأنه لن يكون هناك جدولًا زمنيًا لانسحابها، طالما كان ذلك ضروريًا لضمان عدم عودة أعضاء التنظيم، وبكل الأحوال، فإن الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تُكرِّر أخطاء عام 2011، حين غادرت العراق قبل الأوان، مما سمح بظهور تنظيم القاعدة ، ثم “الدولة الإسلامية”، وفقًا لتيلرسون، وبالتالي هناك حاجة لوجود أميركي لأجل غير مسمى في سورية، لمنع ظهورها مجددًا.

– خلق حالة توازن استراتيجي مُقابل الوجود العسكري والسياسي الروسي على الأراضي السورية، وهذا التواجد لن يقتصر على الجانب العسكري، بل سيكون هناك وجود للجانب الدبلوماسي والسياسي الأميركي أيضًا، والذي يمكن له مساعدة السلطات المدنية المحلية والشرعية على ممارسة الحكم، في المناطق التي تم طرد التنظيم منها، وتوفير الخدمات الأساسية فيها، بالتعاون مع الدول الأعضاء في التحالف الدولي.

– وجود إيران والميليشيات الطائفية التابعة لها، والتي تجاوز نفوذها في المنطقة كل الحسابات، وتركيز الجهود على إقامة حاجز بين طرفي الحدود السورية العراقية، يحول دون قيام طهران بربط امتدادها بين البلدين، وصولًا إلى الضاحية الجنوبيّة في بيروت.

– التوصل إلى اتفاق سياسي للأزمة السورية، ومنع النظام من فرض سيطرته على الأراضي الواقعة تحت نفوذها وحلفائها الأكراد، وهو ما تؤكده الغارات الجوية العنيفة التي شنتها الطائرات العسكرية الأميركية، على القوات الموالية في دير الزور، بسبب اقترابها من “قوات سورية الديمقراطية”، والتي تسبّبّت بمقتل ما لا يقل عن مئة شخص.

– ضمان عودة النّازحين السّوريين إلى مناطق آمنة، والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار مستقبلًا، مما يزيد من أهمية الاحتفاظ بوجود عسكري أميركي، داخل كل من سورية والعراق، للمشاركة في حماية مشروعات إعادة الإعمار في البلدين، والتي يُمكن أن تصبح هدفًا لبعض البؤر الإرهابية التابعة للتنظيمات المسلحة، ردًا على هزائمها العسكرية المتتالية التي منيت بها.

– تحقيق الأهداف الأميركية الاستراتيجية بعيدة المدى في المنطقة، والتي طالما كُتبَت بشأنها الدراسات وأُعدّت الخرائط والمخططات، منذ أن اعتُبر الشرق الأوسط في بدايات القرن الماضي مصدرًا حيويًا للطاقة، تدور حيالها معظم الصراعات والنزاعات.

– التواجد الأميركي في المنطقة المحاذية لكل من العراق وتركيا، سيُساهم في تحقيق أهدافها الاقتصادية، مع وجود حقول النفط المنتشرة فيها، وما تمثله من خزان غذائي، من قطن وحبوب وثروة حيوانية، فضلًا عن أن هذا التواجد، سيمنع زيادة الاضطرابات والفوضى في بلد يجاور “إسرائيل”، وبالتالي هو ما يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي، على حد قول تيلرسون.

باختصار، فإن الذرائع والضرورات التي يُمكن لأميركا أن تسوقها للبقاء على الأرض السورية، كثيرة جدًا، يرى العديد من المراقبين أن تصريحات المسؤولين الأميركيين حيالها، تحمل عدة أوجه، باعتبار هي من ستقوم بتحديد ضرورات مكوثها، كما في شرط عدم عودة المنظمات الإرهابية، خصوصًا (داعش)، ومن المعلوم جيدًا من الذي ساهم في صناعة هذا التنظيم وأمثاله، فضلًا عمن لديه القدرة على إعادة إنتاجه، كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك.

“إسرائيل” من جهتها، ستستمر في رفض كل الترتيبات الميدانية التي تنسجها القوات الروسية على الأراضي السورية، وتُصرّ على امتلاك الحق في التدخُّل بحرية مطلقة، بحجة الحفاظ على أمنها القومي، بمواجهة النفوذ الإيراني، وذلك انطلاقًا من علاقات الشراكة بين روسيا و”إسرائيل”، التي سبق أن اتفق بموجبها الجانبان على إطلاق قناةٍ لتبادل المعلومات حول التطورات الجارية في سورية، وفقًا لقول “دميتري بيسكوف” الناطق الرسمي باسم بوتين، في 22/ 9/ 2015.

فضلًا عن أن الشراكة بين البلدين من شأنها التركيز على العمليات الجوية في سورية، و”التنسيق المغناطيسي”، أي موافقة كل طرف على عدم اعتراض الاتصالات اللاسلكية وأنظمة التتبع بالرادار الخاصة بالآخر، وأن روسيا و”إسرائيل” ستشكلان فريق عمل مشترك لتنسيق الخطوات بشأن سورية، برئاسة نائبي رئيسي الأركان العامة بالبلدين، وفقًا لما صرّح به ضابط إسرائيلي لـ (رويترز)، حسبما أورده موقع (العربية)، في 24/ 9/ 2015.

كذلك احتفاظ “إسرائيل” بحرية العمل على منع (حزب الله)، من تطوير ترسانته الصاروخية، لذلك نجدها تستبيح الأجواء السورية في أي وقت تشاء، وهو ما تترجمه زيادة حجم الاعتداءات المتواصلة، التي تقوم بها بين كل فترة وأخرى على مواقع وأهداف عسكرية، والتي زادت عن 100 غارة جوية، خلال السنوات الخمس الماضية، وفقًا لما صرّح به أمير إيشيل، قائد القوات المسلحة الإسرائيلية السابق، لـصحيفة (هآرتس) الإسرائيلية.

كان آخر تلك الانتهاكات قيام “إسرائيل” باستهداف عدة مواقع عسكرية سورية وإيرانية في أماكن متفرقة، فجر يوم السبت 10/ 2/ 2018، وقبلها بيومين، عندما قامت بمهاجمة مركز البحوث العلمية في جمرايا بالقرب من دمشق للمرة الثالثة، تزامن ذلك مع انتهاء الزيارة السابعة التي قام بها رئيس وزرائها نتنياهو إلى موسكو.

ومثلما هو الحال بالنسبة إلى أميركا التي لا تحتاج إلى ذرائع لبقائها على الأرض السورية، “إسرائيل” بدورها لا تحتاج إلى مثل هذه الذرائع كي تستمر في انتهاك السيادة السورية دون حسيب أو رقيب، فعندما هاجمت طائراتها موقعًا بالقرب من مدينة مصياف بتاريخ 7/ 9/ 2017، صرّح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين، بأن تلك الضربة لم تكن “روتينية” وإنما “بيانًا إسرائيليًا أخلاقيًا حول المجزرة التي ارتكبها النظام في سورية”.

ماذا فعلت روسيا إزاء تلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة؟ بالوقت الذي تُغّطي سماء سورية كما أرضها، منذ عام 2015 مختلف طائراتها وراداراتها ومضاداتها المتطورة، سوى اللجوء إلى الصمت أو الدعوة إلى التهدئة، وهو ما يُؤكد متانة العلاقة الغرامية التي تربطها بـ “إسرائيل”؟ على حد وصف صحيفة (إسرائيل اليوم) التي يتطلع قادة اليهود في روسيا لنقلها من الشراكة الاستراتيجية إلى التحالف، وفقًا لما صرّح به القيادي في حزب الليكود أرئيل بلوشطاين، للصحيفة نفسها بتاريخ 20/ 3/ 2016 من ثم تأكيدًا لما قاله، في وقت سابق، نتنياهو، بأنهم أبلغوا موسكو وواشنطن أنهم سيواصلون التحرك في سورية، وفقًا لاحتياجاتهم الأمنية، بغض النظر عما ستتمخض عنه مساعي التسوية.

والواقع أن وجود تلك الترسانة العسكرية الروسية المتطورة على الساحة السورية، لم يُحرك ساكنًا، بالرغم من كل تلك الخروقات، إلا عندما قامت الطائرات الإسرائيلية باستهداف موقع، بالقرب من تدمر وسط سورية، أشارت بعض التقارير إلى احتوائه صواريخ متطورة، كانت معدّة لنقلها إلى (حزب الله) في لبنان، حيث قامت وزارة الخارجية الروسية بعدها باستدعاء سفير “إسرائيل” لدى موسكو، لإبلاغه احتجاج روسيا على ذلك، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الأهداف التي قصفتها “إسرائيل” كانت قريبة من معسكر روسي يتواجد في المكان نفسه.

إيران من جهتها لا تخفي مشروعها التوسعي في المنطقة، والذي يجتاح عددًا من دولها اليوم، وهي التي دفعت، طوال سنوات الأزمة، ما بين مليار وملياري دولار شهريًا، كمدفوعات نقدية ودعم عسكري، كي تحافظ على تعزيز نفوذها السياسي والعسكري في سورية، وذلك وفقًا لما أورده تقرير نُشر، في أواخر نيسان/ أبريل 2015 في موقع صحيفة (كريستيان مونيتور) عن مصادر دبلوماسية في بيروت، بينما تحدّث ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي، وفقًا لذلك التقرير أمام تجمع خاص في واشنطن، عن أن طهران تُنفق 35 مليار دولار سنويًا في سورية.

في الوقت الذي تُعاني فيه إيران من أزمة اقتصادية خانقة، من جرّاء تدخلاتها الخارجية، مما انعكس سلبًا على شعبها، مع وجود بطالة تصل إلى 60 بالمئة في بعض المدن، نتج عنها 40 مليون شخص تحت خط الفقر، حسب ما أكده رئيس هيئة الإغاثة في إيران، لصحيفة (أفكار) الإيرانية الإصلاحية، وهو ما عبرّت عنه بصورة واضحة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها أكثر من 70 مدينة إيرانية، خلال الفترة الماضية.

أما تركيا، فإضافة إلى ما تتمتع به من نفوذ في محافظة إدلب، وما ترمي إليه جرّاء عمليتها العسكرية المتواصلة اليوم (غصن الزيتون) من إبعاد الخطر الكردي عن حدودها، سعيًا لإقامة منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترًا على طول تلك الحدود، فقد استكملت إنشاء وتأهيل قاعدتها العسكرية الأولى في سورية، وهي من بين ثماني قواعد تعتزم إقامتها في الريف الغربي لمدينة حلب، وذلك وفقًا لما أوردته، نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2017، صحيفة (يني شفق) التركية.

إلى أين يأخذون سورية اليوم؟ في ظل هذا التواجد الأجنبي على أراضيها، فأميركا التي تماهت مع روسيا لمنع التوصل للحلول السياسية طوال سنوات الأزمة، تنتشر اليوم مع القوات المتحالفة معها على معظم الجغرافيا السورية، من خلال إقامة عدة قواعد لها في محافظات الحسكة وحلب وإدلب ودير الزور، عدا عن قاعدة التنف، في المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، والذي سبق لرئيس هيئة الأركان الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف، أن وصفها في صحيفة (كومسومولسكايا برافدا)، بـ “ثقب أسود يعمل فيه المتشددون دون عوائق”.

إلى أين ستذهب سورية، في ظل تزاحم هذه الاحتلالات وتضارب مصالحها، وما يسوقه كل منها من ذرائع للمحافظة على نفوذها؟ هذه تدّعي بأنها جاءت باستدعاء شرعي من قبل الحكومة الشرعية السورية، وتلك تدعي أن الحكومة نفسها غير شرعية، يجب الإطاحة بها.

من الجدير ذكره هنا أن روسيا لا تتوقف أبدًا عن التنديد بالتواجد العسكري الأميركي على الأراضي السورية، وتعتبره غير شرعي، بينما لا تندد بالمثل بعدم شرعية خرق “إسرائيل” لحرمة الأجواء السورية، وبالتالي لم تتخذ خطوات للحد من ذلك، سوى ما ذكرناه سابقًا، عندما قامت باستدعاء السفير الإسرائيلي، وسلّمته رسالة “من كعب الدست”، وفقًا لتصريح بشار الجعفري، مندوب النظام، في مقابلة له مع التلفزيون الرسمي السوري، في 19/ 3/ 2017، في حين أن سبب إقدام روسيا على ذلك -كما أوضحنا- هو أن القصف كان بالقرب من أحد مواقعها العسكرية.


فوزي مهنا


المصدر
جيرون