صحيفة اللوموند: فرنسوا هولاند: “ما هذا الحليف التركي الذي يضرب حلفاءنا نحن”؟



في مقابلة مع (اللوموند)، يخرج رئيس الجمهورية السابق عن تحفظه، ويعبر عن قلقه من تطور الوضع في سورية.

تقدّم القوات التركية ضد أكراد عفرين، واحتدام هجوم النظام السوري في الغوطة الشرقية، بالقرب من دمشق، حيث تعزل قواته مدينة دوما، حملا فرنسوا هولاند على الخروج من تحفظه الذي فرضه على نفسه، منذ مغادرته قصر الإليزيه، حول المسائل الدولية.

لماذا قررتَ الخروج عن الصمت حول المأساة السورية؟

أشعر بنفسي في آن واحد متضامنًا ومسؤولًا. متضامنًا، لأنني لا أنسى ما استطاع أن يفعله الأكراد في لحظة صعبة إلى أقصى حد، كي يسمحوا للتحالف بطرد (داعش) من الرقة وما وراءها. ليس من الممكن الاحتفال بتحرير جزء من سورية وترك سكان يموتون بأكملهم، مع علمنا أنهم أدوا دورًا حاسمًا من أجل الوصول إلى هذه النتيجة.

لكني أشعر بأني مسؤول أيضًا، بالنسبة إلى الغوطة. لم أكن من أطلق “الخط الأحمر” الشهير. إنه باراك أوباما الذي كان قد حدَّده بمناسبة استخدام الأسلحة الكيميائية. بعد قيام نظام (دمشق) في آب/ أغسطس 2013، بقصف الغوطة الشرقية بغاز السارين، كان باراك أوباما قد فضل التفاوض مع الروس والمجموعة الدولية على تدمير المخزون الكيميائي للنظام، بدلًا من القيام بضربات عسكرية. وكنا تابعناه في خطاه.

لكن بشار الأسد احتفظ مع ذلك بمثل هذه الأسلحة، ولا يتردد في الاستمرار في اللجوء إليها، وإن كان يقوم بذلك بصورة حصيفة، ومن ثمَّ بصورة أكثر خبثًا أيضًا. أما روسيا فهي دومًا هنا، من أجل وقف التحقيقات في الأمم المتحدة التي يمكن أن تؤدي إلى العقوبات. وهي حاضرة على الدوام أيضًا للحيلولة دون اتخاذ قرارات، يتم التصويت عليها في مجلس الأمن أو أن تعمل بطريقة تجعل منها قرارات ميتة.

ما الذي سيكون من الممكن عمله؟

لا أريد أن أعقد عملية هي في الأصل شديدة التعقيد إلى حد بعيد. لكني أعتقد أن على القوى الديمقراطية -وأشِّدُد على هذه الكلمة: الديمقراطية- أن تعي مسؤوليتها، وما يمكن أن يكون عليه تأثيرها ودورها.

يوجد في سورية اليوم ثلاثة فاعلين كبار في وضع الهجوم: النظام، بالطبع، الذي يتقدم وهو يدمِّر بمساعدة المقاتلين الإيرانيين أو “حزب الله”. وها هو الآن، بعد حلب ومدن أخرى، يأتي دور دمشق، لأن الغوطة هي ضاحية العاصمة.    الفاعل الثاني، هو روسيا التي، في مواجهة جمود البلدان الغربية، تدعم النظام بصورة صفيقة، بل تسهم في الابتزازات.

أما الفاعل الثالث فهو تركيا التي أدركت، بعد أن دخلت خلال فترة في صراع مع موسكو، الرهان الذي يمكن أن تلعبه: التقاسم. إذ ليس من قبيل الصدفة أن تجري محنتا الغوطة وعفرين هاتين في اللحظة نفسها. لقد تركت روسيا الحرية في عفرين، وسوف تسحب تركيا جزءًا من المتمردين الذين تدعمهم في الغوطة، بحيث يمكن لبعضهم أن يذهبوا لدعم الهجوم ضد عفرين.

ما الذي ستكون عليه أكثر الإجراءات إلحاحًا التي يمكن أن تطالب بها هذه القوى الديمقراطية التي تذكرها؟

أن لا تتمكن طائرات النظام السوري، وهي تقصف الغوطة، بما في ذلك المستشفيات بل حتى المقابر، وكذلك الطائرات التركية التي تعمل ضد عفرين، من الطيران أبدًا في هاتين المنطقتيْن.

لا يمكن أن تقتصر الخطوط الحمراء على مجرد الأسلحة الكيميائية، لأن ذلك يقتضي في كل مرة إثبات استخدامها والبرهنة على الجهة التي قامت بذلك، في حين أن كل قدرة النظام، وحاميه الروسي، تتجلى كل مرة في محاولة زرع الشك، عن طريق الحديث عن الاستفزازات. وفضلًا عن ذلك، إذا لم نضع خطًا أحمر إلا على غاز السارين؛ فإننا نحول دون التدخل، إذا ما ارتكبت مجازر بواسطة أسلحة أخرى. والحال أن القصف المقصود للسكان المدنيين، أيًا كانت طبيعته، يخلق وضعًا إنسانيًا، بل سياسيًا أيضًا، لا يمكن قبوله.

ألا يؤدي الحديث عن خطٍّ أحمر يبقى بلا تنفيذ إلى نزع الصدقية عن الغربيين؟

لم أتحدث قط عن خط أحمر، لا في عام 2013 ولا بعد ذلك. إذا كان يوجد خط أحمر، وكان قد انتهك من دون أن يستدعي ردَّة فعل، فإن الذي سمح لنفسه بمثل هذا الانتهاك سيسمح لنفسه بكل شيء. بعد رفض التدخل عام 2013، لم يكن النظام السوري وحده مَنْ ظنَّ أن كل شيء مسموح له. فقد فهم فلاديمير بوتين أنه كان يستطيع أن يضمَّ القرم، وأن يزعزع شرق أوكرانيا دون خطر المساءلة بطريقة أخرى غير العقوبات.

هل تعتقد حقًا أن من الممكن إنشاء مناطق حظر طيران فوق الغوطة وفوق عفرين؟

مجلس الأمن في الأمم المتحدة مكبوحٌ، بالفيتو الروسي. إلا أن من المحتم تأكيد أن هذه الأراضي لا يمكن أبدًا أن يجري التحليق فوقها، ولا سيما عفرين، حيث هناك بلد خارجي على سورية، يستخدم طيرانه وهو، فضلًا عن ذلك، عضو في حلف الأطلسي.

هل على حلف الأطلسي إذن أن يتصرف حول مسألة عفرين؟

فرنسا جزء من حلف الأطلسي، مع تركيا. ولكن ما هو هذا الحليف الذي الذي يبيعه البعض أسلحة والذي يستخدم طائراته لضرب السكان المدنيين؟ ما هذا الحليف التركي الذي يضرب حلفاءنا، مع دعم جماعات من الجهاديين على الأرض؟ عالمًا بوجود بعض النوافذ بين هذه الجماعات والكيانات الإرهابية.

ألم يكن انفجار هذه التناقضات متوقعًا في اللحظة التي شنت فيها فرنسا والتحالف الدولي الحرب ضد “الدولة الإسلامية”، إلى جانب القوى الكردية ضد الجهاديين في سورية؟  

كنت أنوي إشراك الأكراد في المناقشات حول مستقبل سورية، ما إن يكونوا قد نجحوا مع شركائهم العرب، في طرد الجهاديين من شمال شرق البلاد. وكنت قد حرصتُ على التذكير بأنه لا يمكن أن يكون ثمة مجال لتقسيم سورية.

من ناحية أخرى، إذا كان ثمة جماعات كردية تنطلق من عفرين أو من مكان آخر لمهاجمة تركيا؛ فسيكون من حق أنقرة تبرير عمل دفاعي مشروع. لكن أكراد سورية لم يهاجموا تركيا. فلديهم هموم أخرى: لم يكونوا قد استكملوا هجومهم على الأراضي التي تراجعت إليها “الدولة الإسلامية” بين سورية والعراق، في اللحظة ذاتها التي أطلقت فيها تركيا عمليتها في عفرين.

بالنسبة إلى تركيا، أنتَ تدعو حلف الأطلسي إلى التصرف. ولكن في مواجهة النظام، ستكون ردة الفعل أكثر تعقيدًا. ألا يجب من أجل فرض منطقة حظر طيران صدور قرار من الأمم المتحدة؟

الموضوع هو معرفة كيف يجب أن تكون ردة فعلنا، في مواجهة فلاديمير بوتين أكثر منه في مواجهة بشار الأسد. روسيا هي القوة الرئيسة وخطر التصعيد جدي، إن لم يوضع حدٌّ له.

يمكننا أن نمارس الضغط، وأن نفعل ذلك من خلال العقوبات، والقواعد التجارية، ومسألة البترول والغاز. يجب أن يعي الغرب ما هو الخطر. يجب أن نتكلم مع فلاديمير بوتين، من الممكن ذكر العلاقات التاريخية بين فرنسا وروسيا، لكنها لا تكفي سببًا لتركها تتقدم من دون ردة فعل من قبلنا. ليس موقف دونالد ترامب واضحًا ولا متوقعًا، ومن ثمَّ فعلى فرنسا وأوروبا وحلف الأطلسي إنما يقع عبء التحرك.

روسيا تسلح نفسها مُجَدَّدًا من1 العديد من السنوات، وإذا كانت تهدد؛ فيجب أن تُهَدَّد. وبسماحها لأنقرة أن تقصف حلفاءنا الأكراد في سورية، تدفع موسكو أيضًا نحو تقسيم حلف الأطلسي. إذ منذ سنة تقريبًا، لم يكن لدى فلاديمير بوتين كلمات على قدر كاف من القسوة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردغان. أما الآن، فقد اتفق هذان البلدان على تقاسم سورية.

ما الذي تطلبه من إمانويل ماكرون حول ملف سورية؟

واجبي أن أذكر ما أمكنني القيام به باسم فرنسا، وما حمل ذلك من نتائج. إذا كنت قد دعمت الأكراد في إطار التحالف؛ فليس من أجل تركهم في الوضع الذي كانوا يتواجدون فيه. وإذا كنت أيضًا قاسيًا حول نظام بشار الأسد، وقد كنت كذلك باستمرار؛ فليس لكي أتركه يقضي على معارضته ويقتل شعبه. وإذا كنت قد أجريت محادثات مع الروس؛ فلكي أسجل نقاط الوقوف.

القوات التركية وأعوانها السوريون هم الآن على أبواب عفرين. ماذا يمكن أن يعني سقوطها بالنسبة إلى الفاعلين الذين تدعمهم فرنسا في المنطقة، وفي ما وراءها؟

يمكن أن يعني ذلك أننا نتخلى عن حلفائنا، غداة الانتصار الذي حققناه واحتفلنا به معًا، وأن ما سيجري في عفرين سوف يجري غدًا في مكان آخر. أولئك الذين ندعمهم في مكان آخر في العالم، يمكنهم أن يفكروا أنهم ليسوا محميين. ماذا تساوي الكلمة عندما نكف عن احترامها؟

المصدر: صحيفة اللوموند   Le Monde

الكاتب: مارك سيمو وآلان كافال et Allan Kaval   Marc Semo

الترجمة: بدرالدين عرودكي

تاريخ النشر: 12 آذار 2018

الرابط: http://www.lemonde.fr/international/article/2018/03/12/hollande-quel-est-cet-allie-turc-qui-frappe-nos-propres-allies-avec-le-soutien-de-groupes-djihadistes_5269351_3210.html

العنوان الأصلي: François Hollande : « Quel est cet allié turc qui frappe nos propres alliés? »


بدر الدين عرودكي


المصدر
جيرون