مناهج الأطفال المعاقين



بداية، يجب الإشارة إلى أن تشخيص مداليل المفاهيم التعليمية، في مناهج الأطفال المعوقين، ما يزال في بدايته (وبخاصة في الوطن العربي)، باعتبار أن أدوات البحث ما زالت غير قادرة على امتلاك الكفاءة في القياس الذي يمكّننا من الوصول إلى نتائج دقيقة، وذلك لأسباب ومشكلات منهجية وأخرى موضوعية، فدوافع الأطفال للتحصيل الدراسي ومستوى طموحهم، وخلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والفروق البنيوية بين طفل وآخر؛ هي بمجملها عوامل مؤثرة في حياة الطفل، سواء أكان الطفل طبيعيًا أم معوقًا، والمدرسة باعتبارها حالة اجتماعية تعليمية، محدّدة المكان والزمان، هي المكان الأكثر قدرة على إعطائنا صورة لطبيعة الأطفال المعوقين، وقدرتهم على مواكبة التعليم، رغم صعوبة قراءة مؤشرات التشخيص.

وكملاحظة أولى، يجب الإشارة إلى أنواع الإعاقة التي سنأخذها في اعتبارنا:

– إصابة الدماغ الصغرى: وهي من الإصابات التي تُضعف في الطفل القدرة على التعلُّم، وتصنف إلى جانب الأمراض العضوية.

– العجز الإدراكي: من المتعارف عليه أن الإدراك يُبنى على خبرات الإحساس، حيث إن الإحساس، كعملية عقلية نزوعي، يسبق الإدراك كعملية عقلية معرفية، لذلك كان العجز الإدراكي مبنيًا على عجزٍ في وظائف الإحساس، يفقد معه الطفل المصاب القدرة على تمييز المدركات.

– العجز في المنهاج: ويختلف عن الحالتين السابقتين في مسبباته، ويلتقي معهما بالنتائج، ولذلك جاء ذكر الحالتين السابقتين لتمييزه عنهما.

فلكل من هذه الحالات تشخيصها الخاص بها، فالأطفال المعوقين من المنهاج، يمكن أن نجدهم في المراحل الدراسية الممتدة، من سن الروضة حتى سن الـ 12 سنة، وليس بالضرورة أن يُكْتَشف الطفل المعوق؛ إذ إننا غالبًا نحيل تلك الحالة إلى التقاعس، والإهمال في الواجبات المدرسية، وغير ذلك من أسباب فشل التلاميذ، وإذا ما أردنا اكتشاف تلك الحالة (العجز في المنهاج)؛ فإننا نحتاج إلى تقاطع معلومات كثيرة، وإلى تجارب تعليمية وثقافية مختلفة.

فما هو العجز في المنهاج؟ هو حالة نفسية، تؤدي بالأطفال المصابين بها إلى نتائج غير مرضية في المدرسة، ومن أسبابها المهمة، دخول الطفل إلى المدرسة بسن مبكرة، فالتعليم الصوري يحتاج إلى أسس تنظيم المدركات، من خلال المفاهيم، وأنماط السلوك، التي تؤكد عليها، فأي فكرة أو حدث أو موقف لا يعني للطفل شيئًا، ما لم يحسّ به، وأيّ إحساس لا يمكن التأسيس عليه، ما لم يدركه الطفل، فالإدراك هو الذي يمكّن الطفل والراشد، على السواء، من فهم المدركات، والفهم يتطلب توفر خبرات سبق للطفل الإحساس بها.

من هنا؛ كانت العلاقة تتابعية، بين الإحساس والإدراك والفهم، وقد توسط الإدراك بين الإحساس والفهم، لأن خصائصه المتمثلة في الانتقاء والترتيب والحذف والإضافة، تؤهل المتلقي لفهم الموقف أو الحدث أو المعلومة التي يتلقاها.

والطفل، في سني حياته الأولى، لا تكون خصائص إدراكه مكتملة، لأن هذه الخصائص تُصْقَل بالتجربة. من هنا، نتبين أن الطفل المعوق في المنهاج؛ هو في حقيقة الأمر مريض بمواد المنهاج الذي عليه أن يتعلمه، إضافة إلى مستواه العقلي الذي يصنف ضمن قائمة العقلية المتوسطة.

لذلك، كان على القائمين على إدارة العملية التربوية، أن يتحرَّوا تلك الحالات بين التلاميذ للتفريق بينها وبين إصابة الدماغ الصغرى والعجز الإدراكي أولًا، وليضعوا بين يدي المعوقين في المنهاج المواضيع التي تتناسب مع عقليتهم المصنفة على أنها متوسطة ثانيًا.

إذًا، لا يجوز أن تكون موادهم الدراسية مرهقة من حيث المضمون، ولا يجوز –أيضًا- أن يتعرضوا لفترات تعلمٍ مطولة، وخاصة في الصفوف الأولى من المدرسة الابتدائية، ففي هذه المرحلة ينبغي تعلم المهارات الوسيلية المطلوبة، قبل كل إنجاز مدرسي لاحق، والأطفال الذين يفشلون عن طريق المنهاج، في الصفوف الأولى، يمكن أن يعانوا ضروب عجز طوال حياتهم، وعجزهم هذا من الممكن أن ينسحب على فعالياتهم الحياتية الأخرى، فالطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى دعم ومساندة، للتغلب على مستواه العقلي، فما بالك إذا وضعنا مستواه هذا تحت اختبار منهاج لا يستطيع أن يدرك فهم مواده!؟ لذلك كان لهذا الفريق من الأطفال في الدول المتقدمة أمكنة تعليم شبه خاصة، بعضها يعتمد على نظرية المكان المفتوح، وبعضها الآخر يعتمد على التعليم بفريق، إلى غير ذلك مما يشمل مواضيع المنهاج وخبرة القائمين على تعليمه.


إبراهيم الزيدي


المصدر
جيرون