بمناسبة ذكرى الثورة.. مسير إلى قرى وادي الجلبينية



بمناسبة الذكرى السابعة للثورة السورية، نظّم (صالون الجولان) التابع لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، مسيرًا إلى منطقة القرى السورية المدمرة: (قرية الجلبينية، قرية دبورة، عوينات الجنوبية، عوينات الشالية، دير سراس) الواقعة على وادي الجلبينية، في وسط الجولان المحتل، بمشاركة عدد من شبان وشابات الجولان السوري المحتل، حيث تمّ التعريف بالمسار، والتعرف إلى أبرز المعالم الطبيعية والجغرافية في المنطقة، مع شرح مفصّل عن الوادي الذي يعدّ من أجمل أودية الجولان دائمة الجريان.

قرية دبورة في الجولان كانت تتبع -إداريًا- إلى محافظة القنيطرة، بلغ عدد سكانها نحو 550 نسمة، اعتمدوا في معيشتهم على تربية الماشية ونسج الثياب والصوف، إضافة إلى زراعة البقوليات ومختلف أنواع الحبوب، وتكثر فيها الأحراج، وتنتشر فيها بوجه الخصوص أشجار السنديان والبلوط.

من غرب القرية، يبدأ وادي دبورة 40 (كم) جنوبي غربي مدينة القنيطرة، وقد بُنيت القرية قبل نحو 250-300 سنة، بعد أن استقرت فيها قبائل من البدو والرعاة، بينما للقرية -تاريخيًا- جذور قديمة، حيث وجدت فيها بقايا وآثار، تدل على أهمية موقعها وتربتها ومكانتها، تعود إلى مراحل ما قبل التاريخ، وهذا ما تؤكده الأبنية القديمة التي وُجدت، وتضم ضريحًا قديمًا وأعمدة تعود إلى الفترة البيزنطية.

في أوائل عشرينيات القرن الماضي، اعتمد سكان القرية على بناء بيوت ثابتة، كان المنزل يضمّ ساحة داخلية كبيرة، تنتشر من حولها غرف الضيافة والنوم والطعام، وجدرانها من الحجارة كبيرة الحجم، قسم منها مزخرف برسومات فنية.

بعد الاحتلال الإسرائيلي للجولان في حزيران/ يونيو 1967؛ طُرد سكان القرية من منازلهم، واقتحم القرية عددٌ من علماء الآثار الإسرائيليين؛ بهدف البحث عن كنوز في القرية، تعود إلى “عهد التلمود الصهيوني والحاخام اليهودي يهودا هانسي”، إذ روّجت “إسرائيل” أن قرية (دبورة) مبنية على أنقاض مركز بشري يهودي، ضم كنيسًا ومدرسة دينية، وادعى علماء الآثار أنهم وجدوا، بعد التنقيب والحفريات في القرية، كلمات عبرية منقوشة على أحد جدران جامع القرية.

في أوائل العام 1969، سوّت الجرافات الإسرائيلية منازل القرية ومسجدها بالأرض، بعد أن صادرت مجموعة كبيرة من مقتنيات القرية القديمة، وهي معروضة اليوم في قسم الآثار في متحف مستوطنة (كتسرين)، كبرى المستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل، أما حجارة منازل القرية، فقد تم نقل القسم الأكبر منه لبناء جدران ملاجئ ومعسكرات للجيش الإسرائيلي.

تشتهر قرية دبورة بوادي دبورة وشلالاتها، وقد أطلقت عليها “إسرائيل” (الجلبونة)، ويبلغ طولها نحو 12 مترًا. زارها المستشرق الألماني شومخر، ووصف القرية بأنها “تضم أحجارًا كثيرة مخصصة للبناء، وتنتشر فيها الأشجار العالية وأشجار الصبار، وقسم من منازلها مبني من الحجارة والطين والصفائح.”

في أوائل التسعينيات، قام طلاب المدرسة الدينية في مستوطنة كتسرين (المقامة على أنقاض قرية قصرين السورية)، بمحاولة إعادة بناء منزل ادّعوا أنه كان منذ القدم كنيسًا للحاخام اليهودي أليعزر هكبر (أحد تلاميذ يهودا هانسي في القرن الثالث) الذي سكن منطقة قصرين، برفقة رعيته.

أما قرية جليبينة، فتقع على الحافة الغربية للجولان، وتشرف على وادٍ يُعرف بـ (وادي جليبينة) شمالًا، وعلى وادي الأردن غربًا، ووادي جليبنية يرفد نهر الأردن، ويبلغ طوله 6 كم، يبدأ شمال قرية دير سراس وينتهي عند التقاءه بنهر الأردن، ومجرى الوادي حفر في الصخور البازلتية بعمق 100 م، ويجري في سهل عرضه 1 كم، تحيطه من جوانبه أشجار التين والصفصاف والقصب والدفلة.

بلغ عدد سكانها نحو 350 نسمة، قبل الاحتلال الإسرائيلي للجولان. وفي القرية عدة مواقع سياحية وتاريخية، أشهرها وادي جليبنية وشلالات جليبينة، التي يبلغ ارتفاعها نحو 41 م، ويعرف بالشلال الأسود. ومسبح الجليبينة الذي يُعدّ من أشهر أربع مسابح ومنتزهات في الجولان التي تدخلت الطبيعة والأحوال المناخية والجيولوجية في تشكيلها.

حاولت “إسرائيل” سرقة مياه القرية، عبر قنوات تصل إلى المستعمرات الشمالية الإسرائيلية، ومن آثار القرية التي سلمت من التدمير الإسرائيلي مطحنةُ قمحٍ قديمة تعمل عبر قناة مياه، وهناك بقايا حمامات كان يستخدمها السكان والمتنزهون.

احتُلت القرية من قبل القوات الإسرائيلية، في العاشر من حزيران/ يونيو 1967، عبر محور الدرباشية جليبينة، حيث كانت قربها قواعد للمدفعية السورية التي كانت تقصف المستعمرات الإسرائيلية، إضافة إلى تحصينات سورية قاتلَت بكل بسالة، من دون غطاء جوي أو أي دعم لوجستي، سريةَ دبابات مدرعة من اللواء المدرع الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة (مندلر). واستطاع الجيش الإسرائيلي فتح الطريق العام من جسر بنات النبي يعقوب، بعد سقوط القرية واحتلال عدة مواقع سورية في المحور الأوسط من الجولان.

عن القرية، يروي الشيخ صبري عطا نمر العماوي، من مواليد القرية عام 1930، في شهادته المشفوعة بالقَسم: “نزحنا مع والدنا عطا نمر العماوي المولود عام 1901 في قرية جليبنية، وكان معنا إخوتنا ونساؤنا وأولادنا، وكل من كان يسكن القرية من عمّال وفلاحين، أُجبرنا على الخروج من القرية، بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي.

كان في القرية مدرسة ابتدائية، وفيها نحو 150 طالبًا، بعد ذلك كان ينتقل الطلاب إلى مدرسة الصنابر جنوب جليبينة، للدخول في المرحلة الإعدادية، وكان يوفد للمدرسة أساتذة من الشام. أما مصدر مياه الشرب، فهو نبع يدعى (نبع الثيران) ذو مياه معدنية وسط القرية، إضافة إلى سبع ينابيع ما عدا مياه المسبح.

أهم المحاصيل الذرة الصفرة والبيضاء والخضار، وكان لدينا بستان فواكه: موز ورمان وتين برتقال وليمون، مساحته 20 دونمًا، كنا نرسلها إلى الشام لتباع في سوق الهال. أما القطيع فكان هناك نحو 100 رأس بقر، و50 جاموسًا، و200 رأس غنم، و200 رأس ماعز، و3 جمال كانت تنقل المحاصيل في القرية”.

ويختم: “خرجنا لا نحمل شيئًا من بيوتنا تحت همجية القصف الإسرائيلي على القرية، وشاهدنا عشرات الشهداء من الجيش والمدنيين، ونأمل أن نحيا حتى نعود إلى قريتنا وأراضينا وبلادنا”.

من جهة ثانية، كتب مراسل جريدة (دافار) الإسرائيلية حاييم إيزك، بعد شهر واحد من حرب حزيران/ يونيو 1967: “قتل الجنود الناسَ هنا، وأسروا من لم يهرب، وبين الهاربين كان سكان مدنيون غير مقاتلين: نساء وأطفال وشيوخ كبار في السن، الكائنات الوحيدة التي بقيت هنا الحيوانات المتروكة وحدها، تفتش عن طعام لها في الحقول والبساتين المجاورة من شدة جوعها وعطشها، هناك عجل صغير يقترب نحونا، وفي الجهة الثانية ثمة حماران ينظران إلينا، وكلب يترقب بنا، بدأ النباح حين هممنا بالخروج من المكان”.

في عدد خاص من مجلة (حدث الأسبوع) الإسرائيلية، وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاحتلال الجولان، كتبت الصحفية روت بوندي: “قرى العرب على طول الطريق مهجورة، كافة سكانها طُردوا، حتى إنه لم يتبق مخلوق واحد منهم، من شدة الخوف من المحتل القاسي، هربوا جميعًا قبل دخول هذا المحتل إلى الجولان، مشهد البيوت المهجورة يثير الاشمئزاز: أكواخ بائسة لم ينجح النظام (التقدمي) في دمشق في منحها لهؤلاء الناس، والأسف يتغلغل داخلك، وأنت تنظر إلى مشاهد هذه الصورة، ورغم ذلك، فإن هناك في داخلنا شعورًا بالارتياح، بأن هذه المناطق فارغة من السكان، حيث لن نواجه مشكلات مع 90 ألف مواطن في الجولان، مع هروبهم وتركهم لبيوتهم، ومن جهة، هناك شعور من عدم الارتياح، حيث تُشاهَد أكواخ بائسة مهجورة وبساتين تيبس وأشجار تين بجانب بيت يُغطي سقفه القرميد الأحمر الجميل، لا شك في أن هؤلاء الناس كانوا يحبون بيوتهم والمكان الذي عاشوا فيه”.

يُذكر أن مركز حرمون للدراسات المعاصرة أطلق (صالون الجولان)، في آذار/ مارس 2017، كمنبر للتأكيد على سوريّة الجولان وهويتها الوطنية. والحفاظ على انتمائه السوري ورفض محاولات “إسرائيل” تهويده وأسرلة سكانه.


جيرون


المصدر
جيرون