مجلس “سيناتورات” الأسد يراقب انتخابات بوتين



في “تألّق” جديد للنموذج الديمقراطي السوري، ضمن مسيرة تدعيم وترسيخ التجربة الديمقراطية المشتركة مع الشقيقة البوتينية روسيا الاتحادية، أرسل (مجلس الشعب) في نظام الأسد، عددًا من (السيناتورات)، للمشاركة في العرس الديمقراطي “الطوباوي البروليتاري”، بانتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرحلة رئاسية رابعة.

انتخبت روسيا الاتحادية، أمس الأحد، بوتين رئيسًا جديدًا للبلاد، ليمدد فترة حكمه “إلى نحو ربع قرن، حتى عام 2024، وبذلك يصبح ثاني أطول زعماء الكرملين بقاء في الحكم، بعد الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين”، بحسب (رويترز)، وقد حصل على نحو “74 بالمئة من أصوات الناخبين”.

أكدت وسائل إعلام تابعة لنظام الأسد أن وفدًا من (مجلس الشعب) التابع له، دُعي إلى موسكو؛ “لمواكبة الانتخابات الرئاسية الروسية”، واستبدلت وسائل إعلام نظام الأسد بكلمة “مراقبة” كلمة “مواكبة”، كتعبير عن التآخي النضالي الذي واكب هذه المرحلة البائسة، على الرغم من أن روسيا أعلنت أنها استدعت شخصيات “فذة”، في التاريخ البرلماني، ومنهم سوريون وبعض “الديمقراطيين العرب” الأصدقاء، لمراقبة العملية الانتخابية، لتثبت للعالم أنها تجري “بمنتهى النزاهة”.

أوضحت صحيفة (تشرين) التابعة لنظام الأسد، أن قسطنطين كوساتشيف، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، “رحّب” بمشاركة وفد “السيناتورات” السوري “في مواكبة الانتخابات الرئاسية الروسية”، مؤكدًا أنّ هذه الانتخابات تجري في “جوّ كامل من الشفافية، على الرغم من المحاولات الغربية للتشويش عليها”، وأضاف أن “الانتخابات تجري وفقًا للدستور والتشريعات الروسية، بما يتطابق مع كل المعايير المعترف بها دوليًا”.

من جهته، أشاد رئيس وفد “السيناتورات” السوري حسيب طحان، بالتجربة “الديمقراطية” الروسية، وقال: إن الثقة تملؤه، لكون “الشعب الروسي سيمارس حقه الانتخابي، بحرية وديمقراطية”، كما أيّده أعضاء الوفد المرافق، فـ “المواطنون الروس قادرون على انتخاب رئيس قوي، لدولة قوية مثل روسيا”، لكنهم لم يوضّحوا أن قوتها الهمجية، كانت على أجساد مواطنيهم السوريين الذين يمثلونهم.

موسى الإبراهيم، عضو برلمان نظام الأسد، أو كما عرفته (سبوتنيك) “عضو مراقب في الانتخابات الروسية”، طمأن العالم بشأن تلك الانتخابات، ووصف العرس الانتخابي بأنه لاقى “إقبالًا واسعًا ومتميزًا للإدلاء بالأصوات، بشكل ديمقراطي وشفاف”، وأصر “السيناتور” الإبراهيم على حرصه، بأن تسود الدقة، في فرز الأصوات كما يجري في سورية “الأسد”، وتابع: “نحن نراقب، ولا نشارك في عملية فرز الأصوات، وأنا أقول إن الفرص متساوية أمام جميع المرشحين، ولا توجد أي ملاحظة، لصالح أي مرشح دون الآخر”، لكن الإبراهيم لم يوضح لنا إن كان قد تلفّت يمينًا ويسارًا، حين قال تلك الجملة.

لفتت “البرلمانية الأسدية” رنا سليمان، إلى أن “العملية الانتخابية تسير بشكل منظم وممتاز جدًا”، وأكدت أن “زملاءها” البرلمانيين الروس رافقوا زملاءهم “البرلمانيين السوريين”، في جولتهم الرقابية على المراكز، وحلفت (أيمانًا معظمة) أنها سألت بنفسها، وتأكد أنه لا يوجد “حبر سري” في الأوراق الانتخابية، لكن السؤال الذي يُطرح؛ هل انتخب “سيناتورات” الأسد بالحبر السري، بوتين رئيسًا لسورية، بالوكالة أو الأصالة!

لم يُشر وفد “السيناتورات” السوري إن كانوا قد مارسوا حقهم “الديمقراطي”، في إقامة “حلقات الدبكة” البرلمانية السورية المعتادة في هذه المناسبات، لتدعيم العرس الروسي السوري المشترك والمُلهم لبقية الشعوب، ولا سيما أن الوفد الأسدي السوري الذي شارك في مؤتمر “سوتشي” للحوار، منذ نحو شهرين، سبق أن ساهم أعضاؤه في عقد تلك الحلقات، بداية من الطائرة والمدرج، وصولًا إلى قاعات الفندق والمطعم.

ربما وصْف هذا المشهد بأنه “مضحك مبكٍ”، هو ما يناسب المرحلة، كما يمكن القول عنه إنه مشهد طبيعي ومتناغم مع ما يجري، فأعضاء كلا المدرستين “الديمقراطيتين” تخرجوا من حضن الاستخبارات التي صقلت بوتين، وأسست التجربة الديكتاتورية الشيوعية سابقًا، في عهد الاتحاد السوفيتي، حين كان الحزب الواحد واللون الواحد والقهر الواحد الذي أنهك تلك الدولة، إلى أن تفتتت إلى دول منها الاتحاد الروسي، والذي حافظ على الإرث الأمني، وأبقى السلطة تحت جناح أجهزة المخابرات الروسية الشهيرة، ولهذا جاء الخبر العاجل الأبرز اليوم: “الأسد يهنئ بوتين”.

في سياق هذا الإرث، فإن معاهدة الصداقة الديكتاتورية التي وقعها ليونيد بريجينيف مع حافظ الأسد في 1982، طوّرها بوتين، لتصبح معاهدة “شراكة الغطرسة” التي تعتاش على دماء الشعبين، فمجلس نواب الأسد السوري لا يختلف عن (دوما) بوتين إلا في الشكل والاتساع، فعندما انتفض الدوما في 1993، على السلطة الأمنية ليحافظ على الدستور والدولة الجديدة التي أعقبت الاتحاد السوفيتي؛ وجّه الرئيس السابق بوريس يلتسين، الأمن والدبابات لمحاصرته وقصفه، وأعلن فورًا حل البرلمان، ثم فاز بفترة رئاسية جديدة حينئذ لروسيا، وبدأ بتسويق بوتين وتقريبه منه، ليستقيل يلتسن بشكل مفاجئ ويرشح بوتين لرئاسة روسيا.

صادر بوتين الإعلام، ومنع كل الأصوات المعارضة، وأقال كل من خالف رأيه، وسيطر على إعلام المناطق والدول التابعة لروسيا في ما سمي الاتحاد الروسي، وألغى مفاعيل انتخاباتها الداخلية، وقدم مرشحين محددين لتلك الأقاليم، ليحكمها بخيوطه، ويضمن عدم خروجها عن طاعته، ونظمها على طريقة “الجبهة الوطنية” الخاصة بآل الأسد.

جاءت ثورات الربيع العربي لتهز ديكتاتوريات العالم كله، وتجعلها تخشى امتداداتها الشعبية، ومنها الديكتاتورية الروسية، فسارع بوتين إلى إنقاذ ربيبه السوري، واستبق أي حراك في بلاده، ونقل الحرب إلى سورية، ليقضم أجساد الأطفال وأسرهم، دفاعًا عن ديمقراطيته وديمقراطية أسده، ولعل تزامن الانتخابات الرئاسية الروسية، مع ارتفاع منسوب الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، هي العنوان الأنسب لهذه الانتخابات التي راقبها “سيناتورات” الأسد، فهذا القحط الديمقراطي السوري، يليق جدًا بنوعية جريمة بوتين، في حق شعبه الذي يستحق أن يخرج من عباءة القهر والفقر إلى الحرية، كما الشعب السوري، لتنتهي هذه الحقبة من العار الإنساني.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون