تشكيل وعي السوريين



دمار هنا، ودمار هناك… ضحايا هنا، وضحايا هناك… ويهيم السوريون من نزوح إلى نزوح، ومن تشرد إلى تشرد، يودّعون ضحاياهم وأهلهم وذكرياتهم وحيواتهم، ولا بواكي لهم.

هذا، بالمختصر، هو حال سورية اليوم، وحال أهلها، وما أنتجه نظامها، بحربه المجنونة التي لم ولن تُفضي عمليًا إلا إلى هذه النتيجة، وهو يبدو سعيدًا بها، شامتًا، متشفيًا من هذا الشعب المسكين.

لا أحد يتعاطف مع هذا الشعب الذي خرج، قبل سبع سنين، يُطالب بحقوقه التي حُرم منها طوال خمسة عقود، ويبدو أن حجم المأساة الكبير أنسى الناس حتى أن يتعاطفوا مع بعضهم، ربما لا يريدون، أو لا يستطيعون، أو لا يُدركون أهمية ذلك وضرورته.

لم يتعاطف الأكراد مع ضحايا الغوطة، إلا ما ندر، والعرب لم يتعاطفوا مع ضحايا عفرين، إلا ما ندر، ونسي أهل دمشق أفضال أهل ريفها عليهم، ونسي أهل حمص أن أهل إدلب جزء عضوي منهم، ونسي المسيحيون أنّ المسلمين حُماتهم، ونسي المسلمون أنّ المسيحيين ملح الأرض، والأمثلة لا تنتهي.

في أحسن الأحوال، اعتبر “الثوريون” أن التعاطف “واجب ثوري”، يتطلب “طبلًا وزمرًا” مرحليًا ليس إلا، لن يضرّهم، بل ربما يزيدهم شهرة. تعاطفوا مع أهالي داريّا، والزبداني، ثم نسوهم، وتعاطفوا مع أهل حلب وسرعان ما نسوهم أيضًا، وتعاطفوا مع أهل الغوطة وعفرين، وسينسونهم بعد حين، و”كفى الله المؤمنين القتال”.

لم تسعَ المعارضة السورية، السياسية والحقوقية والأهلية، أو تُساهم -ولو بقدر بسيط- في تشكيل الوعي الشعبي، وعي بات السوريون بأمس الحاجة إليه، في هذا الزمن أكثر من أي شيء آخر، وعي بأن العود منفردًا يُكسَر، ومجتمعًا يصمد، وعي بأهمية التخلص من العقائد والأفكار والأيديولوجيات البالية، ووعي بأن أي سوري هو مواطن وفقط، بغض النظر عن قوميته ودينه وإثنيته ومنطقته.

لم تُفلح المعارضة السورية في أن تنفتح على الآخرين، وتستوعب الآراء المتنوعة بتنوع البشر، وتحترم الخصوصية، وأن معركة كل السوريين هي معركة ضد نظام شمولي لا يرحم، وأن ما يصيب أي سوري يروم الحرية هو مأساة للجميع.

لم تُفلح المعارضة السورية في أن تشرح للسوريين أن الديكتاتور واحد، أيًّا كانت قوميته أو دينه، سواء أكان رئيس دولة أم رئيس حزب أم رئيس ميليشيا، وأن عبادة الزعيم شعبوية وتخلّف، وأن نصف مصائبهم من هؤلاء، وأن الميليشيات غير السورية عصابات من القتلة، أيًّا كان انتماؤها، وأن أي فصيل مسلّح غير منضبط هو مرتزق.

ما لم تستيقظ النخب السورية من غفوتها، وتأخذ دورها التوعوي؛ فستبقى سورية الديمقراطية التعددية التداولية حُلمًا، وسيبقى الجميع ضحايا، وسيبقى السوريون يهيمون من نزوح إلى نزوح، ومن تشرد إلى تشرد، ولا يجدون بواكي لهم.


باسل العودات


المصدر
جيرون