الثورة السورية بعيون مراقبين: مستمرة وستنتصر



تختلف وجهات النظر حول مآلات الثورة السورية، ماذا بقي منها، وما مدى زخم استمراريتها لتحقيق أهدافها، لا سيّما بعد مضي سبع سنوات على انطلاقها، وعقب كل هذا الدمار والقتل الذي أحدثه النظام السوري، ومن معه من إيرانيين وروس وميليشيات تابعة لهم.

يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعات الدوحة خضر زكريا: إن “الثورة السورية ما زالت مستمرة، وهي من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر، على الرغم من كل المجازر التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه، ومن ركوب المتطرفين الإسلاميين، مثل (داعش) و(النصرة) وأمثالهما، موجة الثورة، وعلى الرغم مما يبدو اليوم من السيطرة العسكرية للنظام وحلفائه من الروس والإيرانيين على مساحات واسعة من الأرض السورية”.

أضاف زكريا، في حديث إلى (جيرون): إن ما يحدث في الثورة السورية “حدث مثله في الثورات الكبرى في التاريخ. تتعدد المواقف ووجهات النظر، وتتصارع الجماعات المختلفة؛ لكن الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها؛ يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة، والثورة ستذيب الجميع في بوتقتها، وتلفظ منها ما لا ينسجم مع مسيرتها الظافرة”.

تابع: “الشعارات التي طرحتها الثورة السورية، منذ انطلاقتها، تدل على عمقها وأصالتها: (الشعب السوري ما بنذل) (سورية بدها حرية) (الشعب السوري واحد) هذه الشعارات عبّرت عن أهداف، لا يمكن أن تكون أقلّ من أهداف ثورة عظيمة. شعارات الكرامة والحرية ونبذ الطائفية والانقسام والتشرذم، في وجه نظامٍ أهدر كرامة الناس، وقمع أبسط حرياتهم، وكرّس النزعات الطائفية والولاءات المناطقية والشخصية”.

شدد زكريا على أنه تم تحطيم “جدار الخوف، وعادت السياسة إلى المجتمع، بعد أن وُضع الجميع على الرف خلال العقود الماضية. هناك تنظيمات سياسية تنشأ، وحوارات حول أهم قضايا المجتمع تدور في كل مكان. الثورة بدأت، وهي مستمرة وستنتصر”.

من جانب آخر، قالت أستاذة علم الاجتماع في جامعات ألمانيا هدى زين، في حديث إلى (جيرون): “بات واضحًا للجميع أن الحالة السورية قد بلغت مستويات قصوى، من التعقيد وصراع المصالح الإقليمية والدولية عليها”، معقبة: “أمام الواقع المفجع للدمار والتدمير وسياسة الإبادة الجماعية بكل الوسائل الوحشية الممكنة، وكذلك أمام واقع الاحتلالات الأجنبية المتعددة؛ لا يمكننا اليوم الحديث عن مرحلة مزدهرة أو بناءة للثورة”.

أضافت: “نحن نعيش اليوم مرحلة انتكاسية، في صيرورة الثورة، وحالة انهزامية للوجدان الجمعي الثوري، ولكن كل هذا لا يعني -بأي حال من الأحوال- أن الثورة خمدت شعلتها، وانتهت إلى غير رجعة”. تابعت: “الأسد لم يعد فقط طاغية فاشيًا، وإنما أصبح عميلًا وجنديًا وضيعًا لدى الروس والإيرانيين، وهاتان الدولتان لهما مصالح تختلف عن الأسد، والدول المتدخلة الأخرى لها مصالح مختلفة عن تلك أيضًا، وكلهم يشنون حرب إبادة ضد الثورة والشعب، عبر أحدث تقنيات القتل والإجرام؛ ما أدى إلى كوارث كثيرة منها التهجير والفقر، وبالتالي إلى افتقاد الحد الأدنى من مقومات المجتمع”.

أكدت زين أن “الثورة لم تنته، ولن تنتهي؛ لأن سورية اليوم محتلة، ولأن نظام الأسد لن يكون أبدًا قادرًا على قيادة اقتصاد البلد، بعد انتصارات مؤقتة، وبالتالي سيظل الشعب تواقًا للحرية والعدالة، وستخلق القوى الوطنية التي ما زالت مؤمنة بالثورة خلايا وأجسامًا وطنية جديدة، تستوعب مهماتها وتحدياتها العظيمة، وتؤمن بالعمل المستقل والنضال طويل الأمد، وتقدم مصلحة الوطن والمجتمع على المصالح النفعية البائسة”.

أما الباحث السوري علاء الدين زيات، فقال: “لا يمكنني مشاهدة الموقف بعين مفتوحة، وأن أتغاضى عن أدوار عابثين ومحتلين آخرين، ربما 70 بالمئة من دمار الرقة تمّ بطيران التحالف، ولم يكن فعلًا ثوريًا تحريريًا، ولقد كان على عام 2013 تحمّل الكثير من نقدِ من كنت أسميهم (حراس الثورة). بالنظر إلى طبيعة القوى التي استلمت إدارة المناطق (المحررة)، ولطبيعة مسار الصراع الذي اتخذ جانبًا بعيدًا كل البعد عن مبادئ 2011”.

عدّ زيات أن “الثورات كائنات حية، تولد وتكبر وتتعاظم، ولكنها أحيانًا تضعف وتموت، وتترك بذور التغيير لمراحل لاحقة، يحلو للبعض، من بوابة الشعار، الهتافُ: (الثورة باقية). نعم، كتعبير مجازي عاطفي، يمكن قبول ذلك، وأنا أدرك الكم الهائل من التحولات التي زرعت بذورها السنوات السبع، في المجتمع والسياسة والاقتصاد بسلبياتها وإيجابياتها”.

وعقّب بالقول: إن “الحديث عن استمرار ماكينة مشروع التغيير بالعمل، يجب أن ينطلق من منصة النقد، لا من منصة الإيمان المطلق، عندها يمكن الحديث عن تجارب مستفادة، وعن تعديل موازين القوى، وعن فرز الحلفاء من الأعداء. الثورة أكلت أبناءها، وهو ما قلته قبل فترة عن علاقة الثورة بالشباب، هم حملتها ومشاعلها ووقودها، وكانوا في النهاية حطبَ مدافئها؛ لأن الساسة أبقوا الشباب خارج دوائر صنع القرار، وكانوا مشردين بين الهجرة والمنافي والسجون والغياب والموت”. وختم بأن “المجتمعات لا تموت، تغرق وتتعب وتقاوم وتعيد إنتاج أدوات الحياة، من هنا؛ يبدو أن مشروع التغيير يمتلك محركات فعل جديدة، وعلينا المساعدة في ذلك، ولكن بأدوات أفترض أنها شُحذت أفضل، في هذا المعترك المصيري للسوريين”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون