on
“حرمون” يدرس واقع المهنيين السوريين في إسطنبول
يواجه المهنيون السوريون في إسطنبول عددًا من الصعوبات في العمل، يتمثل بعضها في مزاولة أعمال غير مسجلة، مايعني ضياع الحقوق، وثمة مصاعب أخرى تواجه المهني السوري، وهو ما حاولت دراسة ميدانية أنجزها مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، الوقوف عليه.
دراسة (المهنيون السوريون في مدينة إسطنبول، الواقع والمستقبل)، أنجزتها وحدة الأبحاث الاجتماعية في المركز، ورصدت وضع هذه الشريحة الواسعة من المهنيين السوريين الموجودين في سوق العمل التركي، بهدف معرفة شروط عملهم، وعلاقاتهم داخل العمل، والمعوقات والمحفزات والمتطلبات التي من شأنها العمل على الاستقرار المؤقت في مهنهم، بما يضمن الحد المطلوب من الحياة الكريمة لهم، والكشف أيضًا عن بنية علاقات العمل المتشابكة، وشروط تحسين موقعهم وظروف عملهم، مقارنة بالمهنيين الأتراك، وأفق المستقبل القريب لهم على مستوى العمل والحياة.
ذكرت الدراسة التي أنجزها الباحثان: حسام السعد، طلال المصطفى، أن أصحاب المهن والحرف المختلفة، من السوريين الموجودين في تركيا، كتلة بشرية كبيرة، تكاد تكون هي أغلبية السكان المجبرين على العيش خارج بلادهم. ولأن سوق العمل التركي يختلف عن نظيره في سورية، فقد وجد المهنيون السوريون في تركيا أنفسهم أمام تحديات جمّة، يأتي في مقدّمها غياب الإطار القانوني الناظم لعملهم.
يتوزع المهنيون السوريون في إسطنبول، في قطاعات عمل مختلفة، وتتباين شروط عملهم في مستوى الدخل الأسبوعي أو الشهري، وفي مستوى الضمانات الأخرى: صحة وحوافز وغيرها.
وتبعًا للدراسة، يعمل 33 في المئة من أفراد عيّنة الدراسة، في القطاع الحرفي: (خياطة، حلاقة، كهرباء، تجارة، صحية). و32 في المئة في القطاع الخدمي: (فنادق، مطاعم، بقاليات)، ونسبة 25 في المئة تعمل في القطاع الصناعي: (سيارات، ميكانيك، المدن الصناعية)، ونسبة 5,5 في المئة تعمل في أعمال حرة، بشكل منفرد.
لفتت الدراسة إلى أن هذه النتائج تعبّر عن قلة خيارات الحرفي السوري، في سوق العمل التركي؛ حيث يضطر كثير منهم إلى تبديل قطاع عملهم، بما يتواءم مع طبيعة السوق الجديدة.
بالنسبة إلى الأجور، فقد تبين أن نسبة 43 في المئة تنال أجرًا شهريًا، ونسبة 31 في المئة تنال أجرًا أسبوعيًا، ونسبة 14 في المئة تنال أجرًا شهريًا. ولاحظت الدراسة أن الغالبية يفضلون الأجر اليومي أو الأسبوعي، لتغطية نفقاتهم اليومية، وخوفًا من ألا يعطيه ربّ العمل أجره، فتكون خسارته مضاعفة.
بيّنت الدراسة أن المردود المالي كاف بنسبة 29 في المئة للمهنيين السوريين، في مقابل 71 في المئة لا يكفيهم أجرهم. وهؤلاء يلجؤون إلى أعمال هامشية وإضافية، لتغطية نفقاتهم (بيع المحارم والمياه)، أو تقنين المصروف اليومي والاكتفاء بالسلع الضرورية، أو من خلال عمل الزوجة.
أشار الباحثان إلى معاناة السوريين من التمييز، بينهم وبين العمالة التركية، وأكثر فئة تتعرض لهذا التمييز هي فئة ذوي التعليم المرتفع، بنسبة 72 في المئة، تليها فئة ذوي التعليم المنخفض بنسبة 69 في المئة، يليها ذوي التعليم المتوسط بنسبة 68 في المئة. وهذا مؤشر على شعور أصحاب الشهادات العليا بالغبن؛ كونهم يعملون في مهن غير اختصاصية، وأيضًا إلى وعيهم المرتفع بالجانب القانوني، في ما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم في العمل.
لاحظت الدراسة انخفاض نسبة عمليات الطرد من العمل، بنسبة 80 في المئة، فيما تعرض 20 في المئة من أفراد العيّنة للطرد. وأغلب أسباب الطرد تعود إلى عدم التفاهم بين العامل وربّ العمل، أو تعرض العامل للاستغلال، وغياب الضامن القانوني للعامل السوري، مقارنة بنظيره التركي.
يواجه المهنيون السوريون في إسطنبول عددًا من الصعوبات في العمل، تتمثل بالمهارات التي تتطلبها بعض المهن؛ حيث أقر 60 في المئة من أفراد العيّنة بأن عملهم يتطلب مهارات معينة، مقابل 40 في المئة لا تتطلب مهارات.
أيضًا، هناك مشكلة عدم اتباع دورات تدريبية مهنية، كالمحاسبة والخياطة وصيانة لوحات إلكترونية. وهذا مؤشر إلى الغياب المطلق للمؤسسات السورية، في ما يتعلق بعملية تأهيل الشباب السوري لمهنة توفر له مصدر رزق دائم. وثمة مشكلة عدم تعلم اللغة التركية، وكيفية التعامل مع الأتراك، وهي من أبرز الصعوبات التي تواجه المهنيين السوريين، إضافة إلى غياب الحماية القانونية، ومشكلة المسكن وبعده عن العمل، وساعات العمل الطويلة والأجور المنخفضة.
لفت الباحثان إلى مسألة العودة إلى سورية وموقف المهنيين السوريين، في حال وجود “مناطق آمنة”، ووجدت أن 74 في المئة لا يرغبون في العودة إلى سورية، في مقابل 26 في المئة يريدون العودة. وهذا يشير إلى وعي ونضج سياسي وخبرة بطبيعة النظام السوري، وغياب القناعات لديهم، بأهمية وجود حلول وتعايش مع هذا النظام الاستبدادي. أما الراغبون في العودة إلى سورية، فكانت دوافعهم العيش مع أقاربهم في الداخل، وصعوبة الحياة في تركيا.
خلصت الدراسة إلى جملة من المقترحات التي من شأنها التقدم خطوة إلى الأمام، في تنظيم الوجود السوري في تركيا وقوننته. منها تسهيل الوجود القانوني للسوريين، وإقامة دورات لغة تركية، للمساعدة في دخول سوق العمل، وتعديل وضع الشهادات السورية، والاعتراف بها من قبل الحكومة التركية. كذلك العمل على استصدار قوانين خاصة بالعمالة السورية مؤقتًا، تنظم حقوقهم وواجباتهم فيما يتعلق بأذون العمل والإقامات والضمان الصحي. يذكر أن الدراسة الميدانية نُفّذت في الفترة الزمنية الواقعة بين شهري تشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2017. رابط الدراسة: (https://harmoon.org/archives/7745)
نسرين أنابلي
المصدر
جيرون