لنبحث عن حلفاء حقيقيين خارج المنظومة الدولية



انتهت مهزلة انتخابات روسيا، لتكرس بقاء بوتين على رأس السلطة في روسيا حتى العام 2024، بفترة لم تتوقف منذ عام 2000، استخدم فيها بوتين كل الأساليب والألاعيب المشروعة وغير المشروعة، للبقاء في السلطة، كأن يضع مدفيديف رئيسًا شكليًّا، ويبقى هو رئيسًا فعليًّا، ليعود من بعد ذلك رئيسًا حتى اليوم، أو اغتيال معارضيه أمام الكرملين، أو منعهم من الترشح للانتخابات بكل صفاقة. بل بلغت به وقاحته أن رفض حضور المناظرات التلفزيونية التي شارك فيها منافسوه السبعة، جالسًا في قصره، ينظر من علٍ بسخرية إلى هؤلاء الأولاد، وهم يتصارعون ويتشاتمون، وكأنه ينظر إلى نملٍ تحت قدميه. هذا ما ظهر إلى العلن، وما خفي من أفعال زعيم المافيا الروسية أعظم؛ حيث تعيث مافياه فسادًا في البلاد، وهي مستعدة لفعل أي شيء لإبقائه في السلطة؛ ما دام يؤمن مصالحها وفسادها ونهبها، وطموحها في توسيع رقعة سيطرتها خارج روسيا، وهدر أموال الشعب الروسي البائس، في حروب سيطرة خارجية، تجلب الموت والدمار لشعوب مقهورة، شاء سوء حظها أن تكون مطمعًا للسياسات الروسية.

على صعيد آخر، في مهزلة أخرى صوّت البرلمان الصيني، قبل أيام، بالإجماع (3000 صوت مقابل صوت واحد معارض، لا يعلم إلا الله لماذا سمح له بالتصويت بلا)، على إبقاء الزعيم الصيني على رأس السلطة مدى الحياة، في بلدٍ تمنع فيه حتى اليوم الكثير من وسائل الاتصال، وينكل فيه بأي صوت معارض.

أميركا التي يحكمها ترامب الذي وُصف، في كتابٍ صدر مؤخرًا، بأنه متخلف عقليًا، وأعتقد أن المراقب ليس بحاجة إلى كتاب يثبت ذلك، فكلام هذا المعتوه وتصريحاته العنصرية المعادية لشعوب العالم والمرأة، وكل ما هو ليس ذكوريًا أبيض، يتصرف اليوم كأي ديكتاتور من العالم الثالث، فيقيل كل من يخالفه الرأي في حكومته، ويواجه أزمات بلاده والعالم بعقلية عنصرية غبية ضيقة، كمواجهته لأزمة فلوريدا بأفكار تسليح المعلمين، بدلًا من منع بيع السلاح كما تباع قطع الشوكولا في الأسواق الأميركية، مع معرفة الجميع أن كل قوانينه وقراراته هي في خدمة رؤوس الأموال الكبيرة التي يمثلها هو وقيادات حزبه الجمهوري.

تيريزا ماي التي أخرجت بلادها من الاتحاد الأوروبي، ثارت حميتها منذ أيام على تسميم روسيا لعميل استخباراتي مزدوج مقيم على أرضها، مصرحة بأنها لن تسمح لروسيا بالعبث وقتل المواطنين على أرضها، في حين لا يضيرها أن تعبث روسيا بأرض سورية، وتساهم في قتل مئات آلاف المواطنين فيها.

أما السيد ماكرون زعيم فرنسا، فهو يشبه من وصفه مظفر النواب “أستثني ذاك المسكين برأس الخيمة”، فهو يمثل أمة عظيمة، أفل نجمها ولم يعد لها موقع ولا مكان على خارطة مراكز القوى العالمية، وهي تحاول جاهدة أن تثبت أنها ما زالت في مجدها، فتطلق الصرخات محذرة متوعدة، دون أن يلقى تهديدها ووعيدها أذنًا صاغية، أو حتى اهتمامًا يذكر.

هؤلاء هم زعماء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الموقر، في الأمم المتحدة، التي يبلغ عدد أعضاء جمعيتها العمومية 193 دولة، ولكن (فيتو) واحدًا من إحدى هذه الدول الخمس يعطل ما تريده هذه الدول مجتمعة، ففي حين صوتت 128 دولة على رفض تحويل القدس عاصمة لـ “إسرائيل”؛ استطاعت الولايات المتحدة الأميركية، بفيتو واحد، أن تضع إرادة هذه الدول مجتمعة في مهب الريح. إذ يحتاج صدور قرار من مجلس الأمن إلى موافقة تسعة أعضاء مع عدم استخدام الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض. وكان لروسيا، باستخدامها (الفيتو) عشر مرات ضد أي قرار يتعلق بسورية، الفضل في استمرار النظام السوري بجرائمه ومجازره وقتله، وتدميره المدن واحدة تلو أخرى، بمساهمة حلفائه من أعضاء مجلس الأمن، بل حتى من أعدائه في هذا المجلس، إذ لا ننسى دور التحالف الدولي في التدمير الشامل للرقة ودير الزور والميادين والبوكمال، بذريعة قتال (داعش)، التي خرج مقاتلوها من هذه المدن هم وعوائلهم سالمين، وتبخروا في الهواء، في حين قضى العديد من سكانها تحت أنقاض منازلهم، المحظوظ منهم من مات بسرعة، وبعضهم ضلوا يئنون أيامًا حتى قضوا دون أن يتمكن أحد من إخراجهم من تحت الركام، وبقي أنينهم عالقًا في رؤوسنا وأرواحنا ما حيينا.

في ظل سيطرة القوى العظمى على قرارات الأمم المتحدة؛ يتم تجاهل جميع القرارات الصادرة عنها هي نفسها، والتي دانت دون مواربة نظام الأسد بارتكاب الجريمة تلو الأخرى والمجزرة تلو الأخرى، ويتم تجاهل إمكانية تطبيق القرار 377 لعام 1950 المعنون “متحدون من أجل السلام. والذي “يجيز للجمعية العامة عقد دورة استثنائية طارئة”، في حال لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف، بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، وإصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين”.

بل إن تلك القوى العظمى تمكنت حتى من الانقلاب والالتفاف على القرارات التي اتخذت بشأن سورية، وعلى رأسها قراري (جنيف 1) عام 2012، و2254 عام 2015، بمحاولات متكررة للقفز عن الانتقال السياسي واللعب على العقول، بالحديث عن دستور وانتخابات تبقي النظام الاستبدادي والأسد على رأس السلطة، وكأن الشعب السوري من الغباء والهبل، بحيث يمكنه أن يصدق أن من ارتكب كل هذه المجازر والجرائم بحقه يمكن أن تتم صناعة أي دستور ديمقراطي أو إجراء أي انتخابات حرة نزيهة، بوجوده على رأس سلطة تستبيح أجهزتها الأمنية حياة المواطنين وأمنهم ورزقهم.

ماذا نفعل نحن السوريين؟ أنستمر بالمناشدة ومطالبة الأمم المتحدة، وقد كان وما زال واضحًا، أمام أعيننا وأعين العالم، أن قرارًا في مصلحة الشعب السوري لم ولن يتخذ؛ لعدم وجود قدرة أو إرادة لدى المجتمع الدولي باتخاذ أي خطوة توقف إجرام الأسد، بل مساهمته في ذبح الشعب السوري ودمار سورية؟

أعتقد أن من الحكمة اليوم البحثَ عن وسائل نضالية جديدة طويلة الأمد، فنحن نعرف الآن أن النظام تمادى في غيّه، يتباهى بانتصاره بقتل شعبه وتدمير بلده، والعالم صامت عن جرائمه. ولكننا “محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”.

أملنا اليوم بالعمل من أجل المستقبل، بالتوجه إلى حلفائنا الحقيقيين، وهم ليسوا في هذه المنظومة الدولية القائمة حاليًا، بل لدى الشعوب المستضعفة المقهورة، لدى الأحرار في جميع العالم، أحزابًا وتجمعات مدنية، الذين يقفون ضدّ سياسات حكوماتهم، وضدّ النظام العالمي السائد القائم على القوة والسيطرة واضطهاد الآخر، ومحاولة سرقة أملاكه وثرواته وخيراته، وهناك الكثير منهم. هؤلاء هم حلفاؤنا الذين سيتمكنون يومًا من تغيير الرأي العام في بلادهم، والضغط على حكوماتهم، وتحويل العالم إلى عالم إنساني يتبنى فعلًا المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب.

نحن بحاجة فقط إلى تعديل بوصلتنا، والاقتناع بأن طريقنا طويل يتطلب جهدًا شاقًا، ولكن لا يموت حق وراءه مطالب. وحقنا هو في العيش أحرارًا في دولة العدل والقانون والمساواة، دولة ديمقراطية تعددية مستقلة ذات سيادة، وسنحقق ذلك، مهما طال الزمن.


مية الرحبي


المصدر
جيرون